التربية والتعليم.. مدخلًا للتجديد والتحديث
مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/02 الساعة 19:12
شخصيات عديدة تعاقبت وتوالت على وزارة التربية والتعليم الأردنية منذ تأسيس المملكة وحتى الآن، وكل منها كان هاجسه التحديث والتطوير والتجديد على نظام التعليم، لإيمانه أن وطنًا كالأردن ثروته الانسان، ولا يمكن أن ينتقل الوطن الى المستقبل متخلصًا من أزماته إلا بتطوير وتأهيل الانسان، وان النجاح والانتقال من مصاف الدول النامية الى مصاف الدول المتقدمة واحداث النهضة التكنولوجية والصناعية لا تكون الا بالنهضة التعليمية أولًا.
ولكن العجيب في الامر ان النتائج في أغلبها كانت رجوعًا إلى الخلف، فبعد سنوات تسيد فيها مشهد المعلم الأردني مدارس العالم العربي من أقصى شرقه يدرس الرياضيات والعلوم واللغات الى سواحل الأطلسي معلمًا للغة العربية والفلسفة ، مما شكل علامة فارقة في تطور الأقطار الى واقع غريب عجيب من نماذج جديدة لمعلمين لا يتقنون علومهم ولا أخلاقيات مهنتهم، ودولة لا تقدر قيمة معلميها ، ومناهج خالية من القيم، وبعيده كل البعد عن زرع روح الابتكار والمبادرة، وما هي الا سنوات حتى بدأت انجازات الستينات والسبعينات والثمانينات تتآكل، وهكذا انتشر الجهل بمضامين عظمة الأمه وثقافتها ، وسادت الامية العلمية والثقافية، وغابت روح الابداع والابتكار وانعكس ذلك على الدولة فتراجعت فيها التنمية وغاب النمو الاقتصادي وتعاظمت أزمات الاقتصاد الوطني وانحبس الوطن في عنق الزجاجة.
وعود على بدء، فقد انحدر التعليم في العقود الاخيرة بعد ان غابت التربية ولم تستطع الادارة التربوية من استكشاف أخطار الثورة المعلوماتية والانفجار المعرفي والعولمة الثقافية، فهذه لها سلبيات كثيره كما لها فوائد جمة، وأصبح الصراع على المواقع وتحقيق المكاسب همَ التربويين ، وانبرى البعض لإصلاح الأمور ، ولكنهم انزلقوا إلى ما انزلق إليه من سبقهم في عدم فهم تفاصيل ومداخل الاصلاح ، فتشابكت الامور وغابت الرعاية عن الميدان مما اعطى الفرصة للبعض ان يستغلوا الارتباك والتخبط في الاعتداء على المعلم والتعليم وافقدوا الشهادة العلمية الاردنية بريقها وغابت ثقافة الاخلاص والانتماء للوطن حتى جاءت ساعة الحقيقة وابتدأت القافلة بالسير من جديد ، و ربطت الإصلاحات بحاجات النظام التربوي التطويرية المبنية على الدراسة الحقيقية للواقع ، لتطبيق مخرجاته وتوصياته فيما بعد لتحسين النظام التعليمي، بل وإحداث نقلة نوعية جذريه في مختلف جوانبه . وفي غمرة ذلك كله وعندما كنا أحوج ما نكون الى مبضع جراح دقيق يضع سد في وجه الانحراف والانحدار لتبدأ الخطوات تجد طريقها الى الخروج من أزمة النظام التعليمي، فكان وصف أخذ القوس باريها دقيقاً في معرفة الرجل الذي استلهم من الملك المعزز خطوات الاصلاح ومن العالم فكر التجديد فأخذ الجانب الخاص بوزارة التربية ليسجل انجازاً في عهد الملك المفكر في خطة قابلة للحياة توضع تفاصيلها كل يوم بما يواكب ما يحدث في النماذج المتقدمة، فكانت الخطوة الأولى في طريق الالف ميل الذي سيرتقي بالبلاد وبالإنسان ويحقق للوطن أمله في تحقيق التنمية التي تعتمد الموارد البشرية عمادًا لها لتكون الخطوة الأولى في التحول من دولة مستهلكة الى دولة ذات اقتصاد صناعي تعتمد الابتكار.
لقد تغير العالم وقفز بعيدًا الى المستقبل ودخل في ثورته الصناعية الرابعة المعتمدة على الثورة التكنولوجية وخطوط الإنتاج العملاقة ذات التكنولوجيا الالكترونية، بينما انشغلنا في توريث المناصب والبحث عن الحلول في عقول شخصيات لا تملك القدرة على التغيير ولم تجرب ولم تحقق في حياتها شيئًا، واستحوذت علينا نزعات الموروث التقليدي وروح العصبيات والتخلف بينما انطلق العالم خارج الكون يبحث عن مجرات جديده.
أما لماذا التغيير الآن، فلأن الأزمة في قمتها على كافة الصعد، ولان دولة المؤسسات والقانون التي نريد يجب أن تبدء من المؤسسة التربوية أولاً، وان النهضة الصناعية لن تتم دون توجيه التعليم وتطويره والانتقال به الى التعلم القائم على التميز والابتكار، ولان تاريخ النهضة التربوية والتعليمية الأردنية وبعد إنجازاتها في منتصف القرن العشرين وما تلاها من عقود تبعته سنوات عجاف انحدرت بالتربية والثقافة المدرسية ومن ثم التعليم الى أسوء حالاته الاَ من انجاز هنا او علامة هناك، ولكن الحقيقة انَ الابداع توقف وسادت ادارة تقليدية مقيتة، فعُطِلت التنمية والتطوير، وغيبت دور الشباب وعطلت المشاركة والشراكات، وبدأت الدولة تقنع نفسها بدورها كدولة خدمات واقتصاد معتمد على المنح والمساعدات والضرائب بمختلف أنواعها وتوسيع القطاع العام لحل مشكلتي الفقر والبطالة دون الاخذ بعين الاعتبار آثار ذلك على المستوى المتوسط وطويل الأمد فكانت الازمة الماثلة الان للعيان.
ولكن هل تطوير النموذج التعليمي وبث الروح في النظام التعليمي كافي لوحده ان يغير في واقع البلاد ؟، بالتأكيد لا إن لم يرافقه استراتيجية وطنية اقتصادية وسياسيه جديده تعتمد ما يحدث في العالم من تغييرات عظمى في بناها السياسية وهياكلها الاقتصادية للتحول نحو الصناعة والإنتاج المتوافق مع استراتيجية تنمية الموارد البشرية عبر اعتمادي نموذجي سنغافورة ودبي في الصناعة والتجارة ونموذج فنلندا في التعليم وبريطانيا في السياسة، ولكن ليس بنسخ النماذج سالفة الذكر دون تدقيق وتعديل بل إعادة انتاج هذه النماذج بما يتناسب ومنظوماتنا القيمية وظروفنا السياسية وحالة النضج الثقافي والسياسي وبشراكات كامله مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات لتفعيل مبدأ التوازن في الحقوق والواجبات ليشكل ذلك حافزًا للجميع لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية.
اننا ونحن على ابواب المرحلة الثانية للاصلاح التربوي الشامل نقف الى جانب وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز مثمنين حرصه على كل التفاصيل جامعاً للتربويين تحت لواء واحد من العمل والإخلاص للمؤسسة التربوية ، ومن ثم العمل بسرعة على استغلال مواردها البشرية الهائله ، آخذاً بعين الاعتبار المحافظة على ثقافتها ومصلحتها ،غير متجاهل للبنية التحتية، والانتصار للمعلم والطالب معًا، ونشر ثقافة العدل والنزاهة والايثار، وإحلال المعلم والطالب والمؤسسة التربوية المكان الذي تستحقه، ونجزم ان الطريق طويل ولكنه سيعمل في النهاية على إيصال السفينة العلمية التربوية الى بر الامان، لتغدو الوزارة شجرة وارفة ثمارها زكية تنهض بالوطن والمواطن ، وتضع اردن العطاء والبذل في مصاف الدول المتقدمة علمياً وتربوياً كما كان، ولست أشك ولو للحظة واحدة بالنجاح، وإن شكك دعاة المصالح الشخصية الضيقة وقصار النظر في ذلك.
مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/02 الساعة 19:12