عبد الناصر والتحدي الصعب
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/27 الساعة 23:29
تربطني بالأستاذ الدكتور عبد الناصر أبو البصل وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الجديد علاقة شخصية, رسختها صحبة سفر, وتبادل هموم وشجون, وتعاون في بعض مفاصل العمل العام, منها أن سماحته كان عضواً مؤسساً في جماعة عمان لحوارات المستقبل وفي عدد من فرق عملها خاصة فريق التعليم.
هذه العلاقة والمعرفة عن قرب تجعلني أشفق على سماحته,بعد أن آل إليه الموقع في مرحلة حرجة من تاريخ بلدنا ومنطقتنا, ولهذا الإشفاق أسباب عديدة ليس أولها استفحال الفكر المتطرف التكفيري في المنطقة, وتحوله إلى عصابات مسلحة في العديد من دول المنطقة والعالم, استطاعت أن تستقطب عشرات الآف من الشباب, ومنهم أردنيون كثر, وإن كان هذا سبباً كافياً للخوف على الرجل في مواجهته مع الفكر المتطرف, في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة ومعلنة لهذه المواجهة منجهة, وفي ظل تحول الحرب على التطرف والإرهاب إلى ساحة للإرتزاق بسبب تدفق التمويل الأجنبي على العديد من الأشخاص والجهات, ممن لا علاقة مهنية أو فكرية وفقهية لهم بقضية التطرف وآليات مواجهته, الأمر الذي زاد من انتشار هذا الفكر في مجتمعنا, بدلالة تزايد عدد الملتحقين الأردنيين بالتنظيمات التكفيرية وبدلالة محاولة هذه التنظيمات المستمرة لاختراق الأمن الأردني, وهي المحاولات التي أحبطتها يقظة أجهزتنا الأمنية ولا شيء آخر غير ذلك, فكل الجهات الأخرى تتعامل مع قضية التطرف والإرهاب من زاوية الاستفادة المادية, وهو الأمر الذي جعل دكاكين محاربة التطرف تتوالد توالداً سرطانياً في بلدنا, لا يوازيه إلا توالد عدد المتطرفين, مما يؤشر إلى فشل هذه الدكاكين في الحد من انتشار التطرف, لأن بضاعتها فاسدة, وهنا يكمن التحدي الأول أمام الدكتور عبد الناصر, في أن يسعى إلى إيجاد استراتيجية وطنية معلنة وواضحة لمحاربة التطرف, ومن ثم إيجاد مقاييس علمية وفكرية وفقهية لمن سيتولى محاربة هذه الآفة في إطار الاستراتيجية الوطنية المطلوبة.
وكما أن مواجهة استفحال الفكر التكفيري ليس هو مصدر الإشفاق الأول على سماحة الدكتور عبد الناصر أبو البصل في المهمة التي أوكلت إليه, فإن واقع الوعظ والإرشاد المتردي هو الآخر ليس مصدر الإشفاق الأول على سماحته, فهو قادر بعلمه وفقهه, وبمعرفته بخبايا وزارة الأوقاف, وواقع الوعظ والإرشاد فيها, أن يضع إصبعه على الجرح, وأن يسعى إلى معالجته, وأول ذلك في ظني ترسيخ المفهوم الرسالي للوعظ والإرشاد, الذي تحول في مرحلة من المراحل إلى مجرد مهنة أو وظيفة تحكمها الحاجة, سواء كانت حاجة طالب الوظيفة بصرف النظر عن نوعها, أو حاجة الوزارة إلى سد النقص في كوادرها خاصة في مجال الوعظ, وعندي أن من أهم العوامل التي ستعيد للوعظ مكانته هو الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والمادي للواعظ, تماماً مثلما هو الحال بالنسبة للمعلم, فكلاهما المعلم والواعظ في بلدنا يعانيان اقتصادياً واجتماعياً, على الرغم من خطورة المهمة الموكلة إليهما, وهي بناء الإنسان عقلاً ووجداناً, فكلاهما الواعظ والمعلم هما اللذان يحددان توجهات الإنسان وزيراً كان أم نائباًأم مهندساًأم طبيباً..الخ, ومن ثم فلا يليق أن يكون وضعهما المادي والاجتماعي دون مستوى المهمة الموكلة إليهما, وهذا خلل لابد من أن يسعى سماحة الدكتور عبد الناصر أبو البصل إلى معالجته,وأظنه سيفعل إلى ذلك.
ليس كل ما تقدم هو سر إشفاقي على الأخ والصديق سماحة الدكتور عبد الناصر أبو البصل, لكن سر الإشفاق هو أن سماحته أول معمم يتولى هذا الموقع السياسي منذ سنوات وسنوات طوال, وهو بذلك يذكرنا بقامات وطنية وسياسية كانت عمائمها علامة لمراحل ولمواقف فقهية وسياسية مشهودة, من أمثال المرحومين عبد العزيز الخياط وعبد الحميد السائح وعبدالله غوشه, وعندي أن هذه هي المهمة الأساسية لسماحة الدكتور عبد الناصر والتحدي الأول الذي يواجهه والذي يتمثل في أن يعيد للعمائم ألقها ودورها التاريخي نسأل الله أن يمكنه من ذلك.
Bilal.tall@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/27 الساعة 23:29