سربرنيتشا جديدة في الغوطة الشرقية.. ولكن
يصف مارتن شولوف، مراسل الغارديان، ما يجري في الغوطة الشرقية، بأنه «مذبحة لا يمكن تصورها»، بينما يقول ريتشارد سبنسر في «التايمز»، إن «الأسد بقسوته يحوّل الغوطة الشرقية إلى جهنم على الأرض».
ليس هذا هو ما يصف المذبحة التي تجري في الغوطة الشرقية، وتصاعدت خلال الأيام الأخيرة، فأودت بحياة المئات؛ أكثرهم من الأطفال، وأضعافهم من الجرحى، ولا حال الجوع ونقص الأدوية. فقد قرر الطاغية أن يدمّر كل شيء، وأن يقتل بلا حساب كي يصفّي آخر معاقل الثورة في محيط دمشق.
مذبحة تتم أمام نظر العالم أجمع، فلا الذين كانوا يساندون الثورة باتوا يفعلون ذلك بسبب خلل الأولويات وبؤس النظرة السياسية، ولا العالم يأبه لما يجري ما دام بقاء النظام موضع اتفاق بين الجميع، وفي المقدمة الكيان الصهيوني الذي لا يعنيه سوى الوجود الإيراني قرب الحدود؛ في وقت يأمن للوجود الروسي، ولخيارات النظام تبعا لذلك.
هذه ثورة تواطأت عليها كل القوى الكبرى بلا استثناء، وفي المقدمة أمريكا التي ضغطت على الجميع لمنع السلاح النوعي، ولكي يُستنزف الجميع، من دون أن يسقط النظام. وهذه مجرزة تتم أمام بصر العالم أيضا، بينما يغرق العالم في عار الصمت .
من أفضل ما قرأنا خلال الأيام الماضية، كان مقالا للمعلق البريطاني سايمون تيسدال في «الغارديان» يشبّه فيه ما يجري في الغوطة الشرقية بما جرى في مدينة سربرنتشا البوسنية قبل 23 عاما.
يقارن تيسدال بين مصير مسلمي البلدة البوسنية الذين صمت العالم على قتلهم على يد مليشيا العقارب وقوات صرب البوسنة والجنرال راتكو ميلاديتش، وبين مصير الغوطة الشرقية.
يقول: «مع كل طفل يموت، ومع كل عمل وحشي يمضي بلا عقاب تبدو الغوطة الشرقية مثل الجريمة التي وصفها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بأنها أسوأ جريمة ارتكبت على الأراضي الأوروبية منذ عام 1945».
ويضيف تيسدال إن «سربرنيتشا مثل الغوطة، لم تكن تبعد سوى قليل عن سراييفو، وتعرضت للحصار مثل الغوطة، التي فرض عليها النظام الحصار منذ بداية الحرب عام 2011».
ويشير الكاتب إلى أن «الغوطة مثل سربرنيتشا، حيث منع النظام وصول المواد الغذائية والطبية عنها، وفي عام 1993 اعتبرتها الأمم المتحدة (منطقة آمنة)، تماما كما تم اعتبار الغوطة العام الماضي منطقة (خفض توتر)».
ويضيف: «كما حدث في سربرنيتشا، فإنه تم ذبح وقتل حوالي 8 آلاف مسلم، رجلا وطفلا وعلى مدى أيام قليلة، وتعرض ما بين 25 ألفا إلى 30 ألفا من النساء والأطفال والرجال العجزة البوسنيين للانتهاك والتشريد، واعتبرت المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة أن هذه العمليات تشكل جرائم إبادة».
ويقول تيسدال إن «العالم يعلم بمعاناة الغوطة الشرقية، حيث كانت مسرحا للحادث سيئ السمعة عام 2013، عندما استخدم النظام غاز السارين ضد سكانه، وقتل أكثر من ألف رجل وطفل وامرأة، ومرة أخرى ترفض الدول الغربية، التي نشرت قواتها في البلد التدخل، فيما تبدو الأمم المتحدة عاجزة، ولم يعد مجلس الأمن مهما بسبب الفيتو الروسي».
ويرى تيسدال أن «الرئيس الأسد يبدو في الوقت الحالي مثل ميلاديتش عام 1995، غير مهتم بالمنطقة، أو الضغط من الخارج، فالأدلة التي تدينه بجرائم حرب كثيرة، ولم يتم حتى الآن توجيه أي إدانة له».
ويخلص الكاتب إلى القول: «إن الغوطة الشرقية اليوم مثل سربرنيتشا عام 1995، ترتكب فيها جرائم فظيعة، وتمثل إبادة جماعية. في تشرين الثاني/ نوفمبر حكم أخيرا على ميلاديتش بجريمة الإبادة في لاهاي، واستغرق ذلك 22 عاما، فكم عدد الأطفال الذين سيُقتلون قبل تحقيق العدالة في سوريا؟».
والحال أن وضع سوريا والغوطة يبدو أسوأ من سربرنيتشا، فما يحظى به طاغية دمشق من دعم هذه الأيام، يفوق ما حصل عليه «ميلاديتش»، لأن روسيا اليوم في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه في السابق، كما أن سوريا ليست البوسنة، فهنا يوجد الكيان الصهيوني، وحساباته تحدد مواقف الدول الغربية أكثر من أي شيء آخر.
سوريا مجرزة القرن الجديد التي تولى كبرها خامنئي حين قرر مواجهة شعب طلب الحرية والكرامة، عبر سيل من الشعارات الكاذبة، لكن معركتها لم تضع أوزارها بعد، فهنا والآن، ينزف الجميع، وما خلفته الحرب من موت ودماء ودمار لن يهدأ، ولو سيطر القتلة على كل التراب السوري، فضلا عن أن تتوزعه قوىً كثيرة ها هي تتصارع فيما بينها بلا توقف.
الدستور