الكيس الأسود

مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/20 الساعة 20:07
مدار الساعة - محمد أبو لاوي - لم يكن ذاك اليوم جميلا، كان يومًا ثقيلا عليّ بأنواع الهموم، حيث ثَقُل كاهلي، ولفّ حولَ رأسي سِوار جلدي أسود!! ضيقٌ، وفقرٌ، وأرقٌ، وتعبٌ...، لكن سُرعان ما زال هذا الظلام وجاء نور ساطع يَشعّ، رُبّما. جاءني رجلٌ يحمل معه كيسًا أسودَ قاتمًا؛ كقطعِ الليل المظلمة في يوم شتاء، سمعت صوت خشخشته من بعيد، أخذت أفكر ما فيه، كتاب، طعام...، لا لا، ربما هو شيء ثمين.
بدأت أغوص في عالم الخيال مستذكرا حكايات الأطفال حيث لا مكان للمستحيل فيها، فكل شيء واردٌ، فالبطل يطير في السماء، والمحبّ يتنفس تحت الماء ساعاتٍ طويلة؛ لينقذ محبوبته، طفولة مُزجت بعُصَارة اللّيمون وحَلاوة البُرْتقال.
الكِيس، ضيفٌ مُرَحّبٌ به، بل له صدر البيت، وصل الرجل عندي ولم ينبس ببنت شفه، وضع الكيس في يدي شادّا عليها وكأنّه وضع (كلبشة) حولها، ارتعدت خوفًا، لكن سُرعان ما تلاشى ذاك الخوف وبدأ الأمل يهز داخلي بخير قادم.
هرولت إلى بيتي، ورغم طول المسافة بينه وبين مكان عملي إلا أنني لم أشعر بتعب يلفني، بل شعرت بنشاط لم أعشه أبدا، ذاك النشاط الممزوج بفرحٍ غامرٍ؛ لما في داخل الكيس الأسود القاتم. وصلت البيت بسلامة، وشرعتُ بفتح بوابةِ البيتِ المهترئة ذات الصدأ حاملا جوانبها بيدي. رويدا، رويدا، لا أريد أن يسمع صوت حسيسي أحد.
دخلت ساحة البيت الأمامية ونظرت إلى إخوتي الذين كانوا ينتظرون أدوارهم لركوب الدراجة التي كانوا قد استعاروها من قريب لنا، استمررتُ في المشي ودخلت واسطة البيت، وسمعت صوت دندنة أمي في مطبخها لكنني لم أرها من بخارِ العدس المضَبِّب للمكان، فهو أشبه بضباب الخليج في باكرة يومٍ في فصل الشتاء.
استمررت، وصلت لغرفتي وهممت بالفرحة فلم أشهق ولم أتريث فعجلتي غلبتني وتسارعتُ في فتح ذاك الكيس الأسود القاتم، وإذا (بِبِنْطال) في داخله، مطويٌّ طيَّ الصُّحف، لونه أزرق يشبه لون السماء في صيف بلاد الشام، فرحتُ وغمرني الفرح، الآن سأغير بنطالي الرمادي الذي أصبح الناس يعرفونني به ، فتارة يعيرونني به، وتارة أسمع همسهم؛ دعوه فلو كان يملك المال لاشترى غيره.
أخذتُ بارتداءِ (البِنْطال) وكأنّه فُصِّل لي طولا وعرضًا، فرحتُ وأخذتُ أذْرع الغرفةَ وكأنّني في تسخين لمباراة كرة القدم، ثم بدأ حديث النفس: سأخرجُ أمام مرأى الناس ليتكلموا عن أناقتي، ليس بعد، فلا بدّ من تنسيق قميص يناسب هذا البِنطال، ولكن هيهات!! فما لدي سوى قميص كانت أزراره كمسبحةٍ تعددت أشكال خرزاتها.
هيه، تذكرت، صديقي أحمد - الذي يقطن في المدينة - لن يبخلَ عليّ باستعارة قميصه، وفعلا استعرتُه، وأذكرحينها أنّه قال لي: هذا حلالٌ عليك، ولكن لا تنساني من صالح دعائك، عدتُ مسرعًا، فأخذت بارتداء لبستي الجديدة التي حلمت بها، أخذت أنظر في مرآتي المكسورِ طرفُها، وأنظر يمنةً ويسرةً، فأنا عريس في ليلة زفافه، بِتُ ليلة لم أذق فيها طعم النوم، فقد اكتفيت بتذوق لذة الفرح، استيقظت باكرًا قبيل صلاةِ الفجر، تجهزتُ وكأنّه يوم مقابلة لوظيفةٍ جديدةٍ، خرجتُ من غرفتي وأهلي مجتمعون على مائدة إفطارهم فأخذوا يشقون أنظارهم إليّ وعيونهم جاحظة، ابتسمت، واشتدت خطاي إلى الأمام، ولكن ما زال الوقت مبكرا لدوامي الذي يبدأ الساعة الثامنة، لكن لم لا أكون هناك قبل مجيء الموظفين، فليرني الجميع، سِرتُ بخطىً كالدَّبيب؛ فاللبسةُ أنيقةٌ،وقتئذٍ انسابت سيارةٌ صوبي كجلمود صخرٍ حطّه السّيل من علِ، لا أذكر سوى أني رفعتُ رأسي إلى السماء متشهدًا.
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/20 الساعة 20:07