بهجة المطر
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/20 الساعة 01:05
لا شيء يبعث على الأمل في نفوس الأردنيين أكثر من المطر. يستقبله غالبية الناس بكثير من الفرح والترحيب ويحرص البعض على السير او التعرض لحباته لتلامس وجوههم وأبدانهم. في ثقافتنا يعتبر نزول المطر أجمل وعود السماء بالخير والبركة حيث تنبعث الحياة في الاماكن المقفرة وتخضرّ الارض ويستبشر الزرع والضرع.
في الأردن حيث شحّ المياه ومحدودية مصادرها السطحية والجوفية يعلق الناس اهمية كبيرة على معدلات الهطول المطري وكميات الحصاد المائي ونسب التخزين. فما إن يحل الشتاء حتى يتعدل مزاج الناس ويتوجه اهتمامهم الى متابعة التنبؤات الجوية وحالة الطقس ويستعيد خبراء الارصاد مكانتهم كمصادر مهمة للمعلومات التي يرقبها الجمهور باهتمام بالغ.
بالرغم من إجماع الأردنيين على خطورة الوضع المائي وضرورة التحرك السريع لايجاد مصادر جديدة لتلبية الطلب المتزايد على ماهو متوفر منها، إلا أن حجم الجهود المبذولة في هذا الاتجاه ما تزال غير كافية. الأردن الذي ينشغل كثيرا في قضايا عالمية وواجبات إقليمية وتحديات محلية قد يواجه فيما لو انحبست الامطار وتناقص منسوب التغذية والتزويد للمصادر السطحية والجوفية أزمة تؤثر على قدرته على تلبية المطالب المتزايدة على المياه لأغراض الشرب والري والصناعة. البهجة التي يبديها الكثير من الناس عندما يشتد هطول المطر عائدة لأسباب متعددة بعضها يتعلق بخصوبة الموسم والآخر مرتبط بتأخر تفاقم أزمات الشح المائي التي يخشاها الناس وتشكل القنبلة الموقوتة التي يخشى الجميع انفجارها.
في كل يوم من أيام الشتاء أتصفح مواقع الطقس العالمية بحثا عن ما إذا كانت التنبؤات تحمل بشرى المطر في قادم الأيام، وما إن يأتي موعد المنخفض حتى نخصص وقتا لمراقبته والتأكد من إفراغه لحمولته المطرية المتوقعة. في الحالات التي لا تصدق فيها النبؤات الجوية او لا تتساقط الامطار المتوقعة يتحول الامل الى خيبة وقد يتوجه شيء من العتب واللوم الى المتنبئ الجوي.
الحصاد المائي والاستمطار وتحلية مياه البحر وترشيد استخدام المياه وسائل متاحة لنا وينبغي الإسراع في إدماجها جميعا في استراتيجية مائية يصار الى تطبيقها دون تأخير. الطاقة التخزينية لكافة السدود والحفائر المنتشرة على اراضي المملكة لا تتجاوز 400 مليون متر مكعب من المياه في الوقت الذي يصل فيه معدل الهطل السنوي الى ما يزيد على 8 مليارات متر مكعب سنويا.
صحيح ان مستوى تخزين السدود لم يصل الى اقصى طاقتها الاستيعابية منذ سنوات وان الرصيد الكلي لكميات المياه المتحصلة هذا العام والاعوام السابقة اقل من 50 % من الطاقة التخزينية لها، لكن بعض هذه السدود امتلأ منذ الايام الاولى لشتوية هذا العام وجرى تفريغه مرارا. في قريتنا الصغيرة الواقعة في جنوب المملكة والمحاطة بالجبال التي ترتفع مئات الامتار فوق مستوى القرية تجري السيول من الجبال المحيطة خلال دقائق من بدء الهطل اذا ما كان غزيرا وتنحدر بعيدا عن القرية واراضيها دون اية فائدة تذكر منها. هذه القرية وعشرات القرى المشابهة تحتاج الى حفائر وبرك على غرار البرك العثمانية والرومانية لجمع مياه الامطار وتحسين نوعية البيئة والزراعات للوقوف في وجه البطالة والتصحر والهجرة التي اصبحت اهم سمات الريف الاردني.
الكثير من الأردنيين يتساءلون عن مصير قناة البحرين وتوسيع اوجه الاستخدام للديسي ومشاريع التخضير التي انتظرها الناس طويلا لتحسين المناخ ورفع احتمالية سقوط الامطار وغيرها من التحديات التي اعتقدنا أن وزارة البيئة ستسهم فيها.
ندرك جيدا عمق الأزمة الاقتصادية ونقص الموارد والمخصصات، لكننا نعي ان هذه الاجراءات مهمة لتقديم حلول اقتصادية وتنموية وبيئية تنعكس على نوعية حياة الإنسان والاستثمار وعلاقة الدولة بالمجتمع.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/20 الساعة 01:05