عن رفع العقوبات الاقتصادية.. معركة سياسية كاملة الدسم!
* كاتب وصحفي سوداني
بشكل سريع ودرامي رفعت العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجائرة على السودان التي إمتدت لأكثر من عقدين من الزمان ، ولولا المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية (بروف) غندور وثلة مميزة من مؤسسات الدولة ، لمّا أدرك الشعب السوداني ، الجهد الوطني الذي بذل لرفع العقوبات ولو جزئياً.
أفرغت الدهشة العديد من المحللين والمراقبين ، الاداء الرائع والمنظم والمنضبط للجنة التي أدارت الملف حتى وصلت لهذه النتيجة التي مثلت إنتصاراً كبيراً للحكومة لصالح الشعب السوداني الذي صبر على الضيق والمشقة والمسغبة التي عانى منها طوال سنوات الحصار.
أما وإن رُفعت العقوبات لفترة وجيزة تُراجع فيها البنود المتفق عليها بين الطرفين ، يعني أن هنالك عملاً سياسياً وفنياً ضخماً يجب أن يبذل حتى نودع ظلمة الإجراءات القاسية التي جثمت على السودان دون حق وحتى لا نضيع وقتاً ثميناً نبكي على اللبن المسكوب فيبدو ،أن اللجنة الفنية التي تشمل وزارة الخارجية والدفاع والمخابرات والمالية وجهات أخرى قد لمست مواطن المشكلة والاختلاف والازمة بين السودان وامريكا بدون تضييع للزمن في شعارات تناسب العمل الحزبي التعبوي ولا تناسب الدولة التي تدافع عن كل منسوبيها وتعرف جيداً طريقة اللعب الدولي.
اللعب مع الكبار يقتضي لياقة ذهنية عالية وتغير مناسب في الخطة التكتيكية رغم أن الحكمْ منحاز جداً لطرف من أطراف اللعبة وكما جاء في إفادات الفريق أول محمد عطا مدير جهاز الأمن الوطني ، أن المشكلة الحقيقية ترتبط بالكثير من السياسة!!!
الآن وبعد أن إنتصرت الارادة السودانية على عقوبات قاسية ، آثرت على المجتمع السوداني تأثيراً بالغاً ... نعتقد أن الحكومة تمتلك أوراقاً سياسية قوية ، لتمضي بها مع الإدارة الأمريكية الجديدة حتى ترفع العقوبات نهائياً، ويتم التطبيع الكامل مع الادارة الامريكية الجديدة.
في إعتقادي أن مخرجات الحوار الوطني أولى النقاط الساطعة التي تحرز أهدافاً ذهبية لصالح الحوار السوداني الأمريكي ، وذلك بتكوين حكومة الوفاق الوطني ، مع مراعاة الجدل السياسي الدائر الآن حول تلك الحكومة ، لتخرج رشيقة وفاعلة ومؤثرة برغم ما يحيط بالموقف السياسي السوداني في الإشراك (الواسع) في السلطة, وتوزيع (مسيس) للثروة هذة بعض أعطاب السياسية السودانية, التي تحتاج للترفع عن الصغائر, ووضع المصلحة الوطنية العليا للبلاد نصب الأعين.
الإشارات التي تضمنها المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية ولجنته المميزة ، يجب المضي بها بذات الكفاءة و القدرة والدقة من محاربة واعية للارهاب حتى لا نؤذى منه اكثر مما نتحمل بالإضافة للإستمرار الرشيد في سياسة عدم التدخل في شؤون الغير التي تمارسها الدبلوماسية السودانية منذ زمن بعيد.
أما جنوب السودان فنحن الاحوج على إستقراره وإعادة الهدوء والطمأنينة له فالسودان لا يتحمل تدفقات كبيرة من اللاجئين لدواعي أمنية وإقتصادية، مما يحتم على الجانب الامريكي القيام بأدوار مهمة و ضاغطة وإستراتيجية خاصة على حاملي السلاح ضد الدولة.
إذا كانت فترة ( الستة أشهر ) فترة سياسية بإمتياز يتوقع من الجانب الامريكي الضغط المؤثر على الحركات المسلحة لترعوي لنداء السلام الذي هرعت له قوى سياسية مختلفة .... تبقت جوانب أخرى من زيادة منسوب الوعي الوطني لتتّنزل على مواقع التواصل الاجتماعي فالمعركة وطنية خاصة تهم الدولة السودانية وترفع العبء عن المواطن فقط ومنْ يعتقد أن نضاله الآن سيُسقط الحكومة ـ فأمر المُلك ـ بيد الله لكنه يضر السودان ضرراً نافذاً !!!!
ولذا يقرأ قرار وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر أخرى, يقع في صميم الرؤية السياسية الثاقبة, لصالح الحكومة, و يحرج بعض الحركات المسلحة التي تتماطل في عملية السلام, لكسب أوقات ثمينة.
لكن الإجراءات مع الأداء المميز للجنة المنوط بها إدارة الحوار مع أمريكا يضع الحركات الممانعة للسلام في عنق الزجاج حيث الحقائق تنكشف بسرعة دون تسويف باهر لصالح الحكومة.
التشكيك (الإنتهازي) غير المسؤول في مواقع التواصل الإجتماعي, لا يتناسب مع العمل الوطني (الخرافي) الذي قامت به لجنة الحوار مع أمريكا, ودونها رجال كثر لم نعرفهم, ولكن بذلهم عند الله مرصود-تماماً- جزء قليل قدمتم, ومن بعده جهد كبير سيتم بذات الكفاءة و التنسيق, فالذين يبخسون من أعمال الوطنين, فالتاريخ شاهد على كل نقطة عرق قدمت في هذا الملف, من المؤكد أن المعارضين يتحسرون على هذا الإنجاز , لكن ببساطة الشعب يراقب جيداً من الغيور و من الشامت!!
هذه المرحلة سياسية بإمتياز , ليس للحكومة فقط, وإنما للمعارضة المسلحة الممانعة للسلام, التي أدمنت على (المكوث) في الفنادق و العواصم اللامعة, و المنافي البيضاء, فقد هزموا عسكرياً, و إنكشف عنهم الغطاء, و زهد المانحون في التمويل, مما يحكم الإنخراط في العملية السياسية, هذه لحظة تاريخية يجب إقتنائها, و إلا لفظهم التاريخ في مزبلة التي لا ترحم !