لو!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/18 الساعة 01:36
لا أقصد (لو) التمني المحببة، كقول أحدهم: لو زرتني لأفرحتني. ولا أقصد (لو) الندم والتحسر المنهي عنها التحسر والتفجع، المُعارضة للقضاء والقَدر التي تفتح عمل الشيطان. انا اقصد هنا (لو) التضليل والادعاء التي تغطي على الحقيقة وتضرب روح البحث العلمي والتنقيب والتدقيق وتقود الى نتائج واحكام مغررة غير علمية بزعم العلمية. فكثيرا ما نقرأ أو نسمع من يفترض وقوع حدث ما او اتمام مراجعة ما أو القيام بتدقيق أو إجراء حساب، ثم يبني أحكاما وقرارات ويطلع باستنتاجات مما افترضه ولم يحدث. تسمع متحدثا او تقرأ كاتبا أو محللا يقول: (لو استعرضنا تاريخنا العربي الحديث لوجدنا ان العرب يتعرضون للهزائم عندما ....)، يزعم القائل هنا انه استعرض التاريخ العربي وتقرأ محللا آخر يقول: (لو أجرينا دراسة على الشباب المتطرف المنحرف الملتحق بالتنظيمات الإرهابية، لوجدنا ان اكثرهم من أبناء الطبقة الوسطى). والقائل لم يجرِ دراسة ولا ما يحزنون. ومحلل ثالث يجزم قائلا: (لو قرأنا ما قاله اعداؤنا الصهاينة لاكتشفنا انهم طبقوا ما قالوه منذ 100 سنة وانهم سيطبقون ما يقولون اليوم وهكذا فقد ضيعنا فرصة الاستفادة من طرق تفكيرهم لاننا لا نقرأ!) يعني القائل اننا كنا سننتصر لو قرأنا اقوال اعدائنا. ويقول «محلل» رياضي: (لو لعب منتخبنا لكرة القدم بطريقة 3:3:3:1 لفزنا على منتخب كولمبيا في تصفيات ملحق كأس العالم) في حين ان منتخب كولمبيا كان سيغير طريقة لعبه لو غيرنا طريقة لعبنا التي لعبنا فيها معه. ومحلل آخر يقول: (لو راجعنا مناهجنا وكتبنا المدرسية لاكتشفنا انها مليئة بالقدامة وانها بعيدة عن الحداثة). بجرة قلم راجع الفصيح الكتب والمناهج المدرسية كلها وهي مراجعة تحتاج الى فرق متخصصة تعمل على مدار الساعة عدة اشهر لتخلص الى نتائج علمية كما يفعل الذين يغوصون عميقا وطويلا في الكتاب المدرسي الواحد ليصلوا الى ما فيه من نقاط قوة ونقاط ضعف. ويقول قائل: (ان دروس التاريخ تؤكد بما لا يدع مجالا لمستزيد ان الامم الأوروبية نهضت وتقدمت لانها تخلصت من سلطان رجال الدين) هذه الجملة تعني ان قائلها راجع دروس التاريخ. اي تاريخ؟ وكم عدد الدروس التي راجعها؟. ويعلن أحدهم قائلا: (لو نظرنا الى 100 سنة خلت لاكتشفنا ان المهاجرين العرب الى استراليا هم الذين قاموا بأعباء التقدم والنهضة) مما يعني ان قائلها قد راجع الـ 100 سنة الماضية. بجرة قلم او بكلمة ليس عليها جمرك، يزعم كاتب أو محاضر وهو يحك عنقوره او يمج على سيكارته او يسحب على الأرجيلة انه تابع وراجع وحقق ودقق فأي كلام وعرط ومزاعم وتضليل ووهم يبيع من يلجأون الى التغرير والتضليل باستخدام (لو) كلما أعيته الحجة والبرهان والدليل. وبعد ذلك نجد من يحمّل كل نقصنا وتخلفنا في مجالات البحوث العلمية ويلقيه على النقص الفاضح الواضح في المخصصات المالية في الدول العربية. ولا يضع في الحسبان اننا نقتل روح البحث ونتغلّب على مشاقه وتكاليفه باستخدام (لو). الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/18 الساعة 01:36