الأمة تحتضر!
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/18 الساعة 01:29
في قمة الحكومات التي عقدت في الأسبوع الماضي في إمارة دبي بمشاركة 138 دولة وتحدث خلالها 150 خبيرا ومفكرا، ظهر ان العالم العربي يسير في اتجاه معاكس للبشرية. ففي الوقت الذي يحرز العالم تقدما في العلم والصحة والصناعة وتحسين نوعية الحياة، اظهرت الاوراق والابحاث والبيانات التي عرضت في المؤتمر تفشي الامية في المجتمعات العربية، حيث تحدثت الارقام عن وجود ما يزيد على 57 مليون عربي لا يجيدون القراءة والكتابة، وتخلف 13,5 مليون طفل عربي عن الالتحاق بالتعليم لهذا العام.
على صعيد الاوضاع الاقتصادية للانسان يعيش ما يزيد على نصف سكان العالم العربي تحت خط الفقر حيث ارتفت معدلات الفقر 8 % في اخر عامين. الى جانب الفقر اشارت البيانات الى انتشار الفساد في العالم العربي حيث حلت خمس دول عربية في قائمة العشر دول الاكثر فسادا في العالم، وتسبب الفساد في خسارة العالم العربي ما يزيد على التريليون دولار.
في مجال الارهاب والمعاناة من الحروب وآثارها قدمت الاوراق بيانات صادمة تشير الى انه وبالرغم من أن العرب يشكلون ما يقارب 5 % من سكان العالم الا انهم يشاركون ويتأثرون بما يقارب 45 % من الاعمال والاحداث الارهابية التي ترتكب في العالم. الامر الذي اسهم في ان يكون 75 % من لاجئي العالم من العرب و68 % من وفيات الحروب في العالم من العرب ايضا.
العرب اقل إنتاجا فكريا وعلميا من شعوب العالم الاخرى حيث بلغ مجموع براءات الاختراع الصادرة عن العالم العربي اقل من 20 % من البراءات التي سجلتها كوريا الجنوبية وشكل مجموع الكتب التي نشرت في العالم العربي اقل بكثير مما نشره بلد صغير نسبيا مثل رومانيا.
التدهور الذي يعاني منه العالم العربي تسارع بشكل ملفت خلال سنوات الربيع العربي حيث تشرد اكثر من 14 مليون انسان عربي وقتل او جرح 1,4 مليون انسان ودمرت بنى تحتية بقيمة 460 مليار دولار.
الصور القاتمة التي اظهرها المؤتمر تثير الكثير من الاسئلة حول الاسباب الكامنة وراء تخلف الأمة وتراجعها في الوقت الذي تتقدم فيه شعوب ودول العالم نحو اهدافها بثقة وثبات. اليوم نجد الكثير من الشعوب العربية في حالة من الاستسلام للفقر الذي اتسعت دوائره مع غياب التنمية وندرة المياه وانحسار معدلات النمو وتزايد القيود على حرية الرأي والتعبير والصحافة وتدهور مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وتفشي اليأس بين الشباب وتزايد معدلات الرشوه والمحسوبية والفساد في ظل تدهور قيم المشاركة والمواطنة والانتماء والنزاهة والعمل الجاد والإنجاز لحساب قيم واخلاق انتهازية جديدة.
في الوقت الذي تتساءل فيه الشعوب عن العوامل التي أبقت على هذا التخلف وحرمت الانسان العربي من حقه في المشاركة والتقدم والتأثير في مسار الحضارة الانسانية تتجاهل الطبقات الحاكمة هذه الشواهد وتحمل الشعوب والقوى الخارجية مسؤولية الاوضاع وتستعرض النِّعَم والإنجازات التي قامت بها.
الموارد الاقتصادية العربية اليوم مكرسة للتسلح وبناء القوة العسكرية والامنية. فغالبية الاقطار منشغلة بالحروب الاهلية ومكافحة الارهاب دون وجود برنامج للحد منه. الفقر والجوع والجهل ونقص منسوب الكرامة وانتهاك الحقوق وغياب فرص المشاركة في صناعة القرار عوامل اساسية في توليد العنف وتعبيراته المختلفة.
الامة التي تواجه مشكلات الارهاب والعنف والتحلل من المبادئ والقيم تحتاج الى المزيد من برامج التنمية والاصلاح اكثر من حاجتها الى أعداد اضافية من الشرطة والسيارات المسلحة وقوانين التجريم والمصادرة والملاحقات الامنية. الشباب والاطفال سيكونون اكثر تعلقا وامتثالا وتكيفا اذا ما شعروا بالاحترام في بيوتهم ومدارسهم وعاشوا في أسر وبيئات خالية من المنغصات والتوتر وشعروا بوجود آفاق مستقبلية وفرص متكافئة في مجتمع يسوده العدل والطمأنينة والاحترام.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/18 الساعة 01:29