سؤال إلى دولة الرئيس
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/21 الساعة 11:21
الدكتور علي منعم القضاة *
سؤال بدهي يتبادر إلى ذهن كل مواطن غيور منتمٍ إلى تراب هذا الوطن الطهور، وهو يُعاني من تخبط السياسات وفساد الإدارات المتعاقبة، على إدارة هذا البلد، وكلما جاءت حكومة تهلل الناس واستبشروا، حتى إذا ما واجهوا الحقيقة من تفشي الفساد، والترهل الإداري، والتسيب المالي، أصيبوا بخيبة أمل جديدة تتحطم عليها آمالهم، وتزداد فيها ألآمهم.
رحم الله أهل الحكمة ممن مضوا قبلنا، فقد تركوا لنا من الحِكَم والأمثال ما تزخر به المكتبات، ويمكننا الإفادة منه في معظم الأوقات والمناسبات.
وإنني إذ أُناقش في هذه المقالة (العُجالة) دور القيادة الإدارية المتميز في التخطيط والتنظيم والإدارة الفعالة للموارد البشرية. لأعلمُ علمَ اليقين أن الإدارة السليمة، والمتميزة، لا تنضج ولا تحل مشاكلها بالحِكَم والأمثال فقط. لكني أريد أن أقدم بين يدي دولة الرئيس بعضاً من تلك الأمثال والحكم - وإني أظنه أعلم بها مني-، لعلّ الحكمة منها تصلح إضاءات على طريق الإدارة السليمة، والتخطيط الفعال للموارد البشرية في الأردن.
وإنني أرى مقولة قالها الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، "إن الله ليَّزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن" خير بداية، وأوجز حكمة نبدأ بها؛ وهي تشير إلى أهمية القيادة والإدارة، التي يمكن لها أن تحقق ما لم يحققه كتاب الله عز وجل في بعض النفوس، نعم فنحن نقرأ في كل يوم آيات محكمات تأمرنا وتنهى، تذكرنا وتعظنا، لكننا لا نأتمر ولا ننتهي ولا نتذكر ولا نتعظ؟؟!
هذا هو الحال في القوانين المدنية الحالية التي نصت على معاني الإدارة، والتخطيط، والتنظيم، والوصف الوظيفي الذي يضع النقاط على الحروف، لكل موظف صَغُرَ أو كَبُر حجمه الوظيفي. لكننا نضعها في لوحات جمالية بين ردهات مؤسساتنا العامة وحتى الخاصة، ولا نجد لها تطبيقاً حقيقياً، فما هو المطلوب إذاً؟؟!!! لو أردنا الهداية لاهتدينا، لو أردنا الموعظة لاتعظنا، لو أردنا الالتزام بالقوانين والتعليمات والوصف الوظيفي لفعلنا.
نريد يا دولة الرئيس أن تسعى بنا وتقود دفة حكومتنا كي نتخلص من ثقافة الإدارة التي تطبقها دول العالم الثالث، تلك الإدارة التي ترتكز على قانونين أثنين أساسيين لا ثالث لهما هما:
يقول أولهما: المسؤول الأول على حق دائماً!!.
Rule No 1: Big Boss is always right.
ويقول الثاني: إذا كان المسؤول الأول مخطئاً، فعليك أن تلتزم بالقانون الأول.
Rule No 2: If Big Boss is wrong, go back to rule No 1.
نعم نريد في الأردن أن نتحول إلى ثقافة التميز، التي طالما نادى بها جلالة الملك في كل نادي وفي كل وادي، وجعل جوائز عديدة وحوافز كثيرة ومتنوعة للمتميزين، ثقافة إدارية تتجذر عبر الأجيال، ثقافة التميز الإداري التي تؤمن بثلاثة قوانين جديدة؛ غير مألوفة في العالم الثالث.
القانون الأول: تؤمن أن المسؤول الأول في أية مؤسسة، أو دائرة، أو وزارة قد يخطئ لأنه بشر، ولكنه لا يسرق كونه مخادع فهذا له حكم مختلف.
القانون الثاني: وبالتالي فإنه يمكن مراجعة المسؤول إذا أخطأ أو محاسبته، حتى لا يتمادى في خطأه.
وعليه فإن قانوناً ثالثاً في ثقافتنا الجديدة، يقول: بأن على المسؤول الأول: الوزير، ورئيس الجامعة، والأمين العام، والمدير العام، وكذلك مدير المديرية في الإدارة الوسطى، أن يلتزم بنفسه أولاً بالقوانين، ومن ثم ومن ثم يبدأ بتطبيق الشفافية في التعامل مع مرؤوسيه.
نريد ممارسة حقيقة وتطبيق واقعي وفعلي لمبادئ الشفافية، وأنا أعلم علم اليقين بأن البون شاسع بين النظرية والتطبيق،- فالتطبيق العملي أكثر وقعاً في النفس من أرقى وأسمى اللوحات التي تزخر بها مواقعنا المختلفة، هكذا علمنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بمقولته الشهيرة:" علموا الناس بأخلاقكم، وليس بأقوالكم".
صباح الخير يا دولة الرئيس:
إني رأيت ركود الماء يُفسده إن سال طاب وأن لم يجرِ لم يطبِ
وإذا ما عُدنا قليلاً بالأمثال والحكم إلى عصر الآباء والأجداد الذين عايشناهم، لو وجدنا الكثير من الحِكَم التي تفيد في مقامنا هذا، ومنها: "يا جدة، إذا ما حريتها ما بتصفى" حُرها مشان تعبي مي صافية، مقولة قالتها جدتي رحمها الله عندما أرسلت بي لأحضر ماءً للشرب من "البُصَة" النبعة. ولم تسعفني سنواتي الست - حينها- أن أستوعب ما تريد، لكن طريقة الأدب التي تربينا عليها في أيامنا – والتي افتقدنا كثيراً من معانيها في عصرنا الحالي - من احترام الكبير، وسماع كلمته، وتوجيهاته، ألزمتني أن أمتثل، فعمدتُ إلى عصاً طويلة – خوفاً من أن تعلق الطحالب بيدي - حررتُ بها البصة، وحررت مجرى الماء فيها، حتى ابتعدت جميع الطحالب التي يراها كل صحيح نظر بالعين المجردة دون بحث. وسالت تلك الكمية من الماء المعكور، مع الطحالب إلى الحقول، الطحالب التي كانت سبباً في تعكير مائنا، ومورد شربنا، وما هي إلا دقائق حتى بدت صفحة الماء صافية، فملأتُ وارتويتُ بعدها ماءً زُلالاً، وفهمت بعدها أن تلك الطحالب، والطفيليات المتسلقة والمتملقة، ستتسبب بكثير من الأمراض والأوجاع، وتكدر الحياة إذا لم نُزِلها ونطهر ينابيعنا منها، كي يجري الماء بحرية دون شوائب.
قوانين الإصلاح، محاربة الفساد، والمواعظ، والحكم، موجودة في أدبياتنا وقوانيننا، تشريعاتنا لمن أراد أن يتعظ أو يمتثل، تماماً كما كانت حروف اللغة العربية سابقة بوجودها على وجود أبي الأسود الدؤلي، ولم يزد ذلك الفقيه اللغوي إلا بوضع النقاط على الحروف، ليزيل كل لُبس فنرى الحروف، ونضعها مكانها المناسب، فلم يَعُد بعدها شكٌ أن نرى العين عيناً، ولا أن نرى الزين، شَيناً؟!.
نعم نريد من يضع النقاط على الحروف، نريد من يعكر صفو الطحالب التي تمتص دماءنا ولا ترتوي، لنبعدها عن الطريق، نريد المحاسبة على مذهب نيلسون مانديلا، المكاشفة من أجل المصالحة الوطنية، وليس للمعاقبة، نريد شخصاً صاحب ولاية عامة وسلطة، يقول لتلك الطحالب توقفي إمعانا في دمائنا، وابتعدي عن الطريق. نريد أن نحرر الجسم من كل داء، وأن نجعله سليماً معافى، نريد أبا الأسود الدؤلي الذي يضع النقاط على الحروف. نريد من يوجه لنا البوصلة تجاه الطريق المستقيم، فيهتدي الفريق من بعده ويسير على بصيرة، هدفهم واضح أمام أعينهم فلا يضلون الطريق، فيُخَلِدُ التاريخ اسمه بحروف من نور، وتبقى الأجيال المتعاقبة تلهج له بالدعاء، وتصدح باسمه أمهاتنا وبناتنا في كل موسم فرح. نعم نريد تغيير ثقافة المجتمع الإدارية، إلى ثقافة الشفافية والتميز، ثقافة العدل والمساواة بين الجميع، على أساس المواطنة الحقّة، لا على أسس حماية الوطن للفقراء، ومكتسبات الوطن للأغنياء، بل على أسس استغلال أمثل للطاقات المادية والبشرية المتوافرة في المجتمع. وهي عملية تعاونية، جماعية، واعية، مقصودة، تدعمها إرادة سياسة، وإدارة حكيمة، والتزام جاد بمضمونها من قبل جميع الأطراف.
ولعل الالتزام بالمبادئ والمعايير والقيم الوظيفية هو ما يحقق لنا الشفافية، ويعطي المواطن راحة نفسية، وبيئة إيجابية تجعله يندفع ذاتياً لأداء واجباته، ويتفانى في عمله دون أي رقيب أو حسيب، لأن عدم تطبيقها يؤدي إلى تفاقم المشكلة، فيتسع الفتق على الراقع.
صباح الخير يا دولة الرئيس:
إنني أضع جهدي المتواضع هذا بين يديكم حتى لا تنقضي اجتماعاتنا ومؤتمراتنا بين "Meeting and Eating" ، أو طرح أفكار ورؤى براقة لا يمكن تطبيقها، ولذلك فإنني أقدم بعض النقاط التي أرى أنها يمكن أن تساعد الإدارة في عملها:
استثمار الموارد البشرية وتنميتها لتحقيق اقتصاد المعرفة، مما يعني بالضرورة مراعاة الأسس الإدارية ومصلحة العمل، وتشجيع مقترحات التطوير والإبداع ومحاربة الاستهتار واللامبالاة.
إجراء إصلاحات إدارية ومالية وتشريعية واسعة، وعلى لمستويات، وتفعيل مبدأ الشفافية ومبدأ المساءلة وتطبيق القوانين على الجميع وأن يكون الأردنيون سواسية بالتنفيذ لا على الورق، وبالشعارات فقط.
إجراء التعيينات ضمن وصف وظيفي، ومواصفات محددة مسبقاً للموظف الذي سيقوم بحق الوظيفة ويؤدي واجباتها بجدارة!! لا أن نوجد وظيفة لشخص ما، كيفما اتفق لنقدم له بالقانون كثيراً من الإمتيازات التي لم يكن يحلم بها؟!
احترام المؤهلات العلمية والكفاءات والخبرات العملية للموظفين وتحويل المعرفة الضمنية التي اكتسبها عدد كبير من الموظفين في القطاعين العام والخاص إلى معرفة صريحة، ليستفيد منها من سيخلفهم في العمل.
الارتقاء بالتعامل الإداري في جميع المؤسسات والوزارات إلى مستوى المؤسسة العسكرية، وإعادة هيكلتها بما يخدم مصلحة الوطن.
الاهتمام الشديد بالتدريب والتطوير للارتقاء بمستوى الموظفين في مجالات تخصصهم بوضع خطط تدريب عملية مبنية على أسس سليمة، لكل المواطنين في القطاعين العام والخاص، فالمردود الإيجابي يعود على الوطن، والآثار السلبية في القطاعين تفت في عضد الوطن.
توفير مناخ إداري ومالي نظيف وسليم، وتطبيق اللامركزية وتفويض الصلاحيات للإدارات الوسطى.
نعم يا دولة الرئيس،
"إذا كنت مرسلاً في حاجة فأرسل حكيماً ولا توصه"، هكذا قيل أيضاً: وقد ارتأت فيك القيادة الهاشمية شخصاً حكيماً حصيفاً، فأرسلته لإدارة البلاد بحِكمَةٍ وعدلٍ ولتضع النقاط على الحرف، وسخرت لك الكثير والعديد ممن يحبون أن ينعم هذا الوطن المعطاء بإدارة سليمة، وجسم معافى من كل داء. راجين أن لا يتعكر صفو أحد من إحقاق الحق، ووضع الأمور في نصابها بحكمة وحنكة تمنع الخلل، وتحقق الغاية المنشودة من إرسالك فينا. وبذلك نسمو جمعياً إلى مستوى الرغبات الملكية السامية في تحقيق الوئام بين مكونات الإدارة وعناصرها، ويتحقق الرخاء والعدل في عموم الوطن. وأنا على يقين بأنه لا تنقصك الخبرة ولا الدراية ولا المعلومات يا دولة الرئيس، فأنت تستطيع أن تضع النقاط على الحروف، وتصوب البوصلة وجهة صحيحة. ولديك من التوجيهات والرغبات الملكية السامية، والخبرة المتنوعة، ما يمكنك من إيجاد الأعوان الخُلص المنتمين حقيقة إلى تراب هذا الوطن وتراثه المتجذر في أعماق التاريخ، ممن يعملون بجد، دون الاكتراث بالطحالب والطفيليات العالقة هنا، أو هناك تمتص ممن دماء الوطن رحيقاً، ولكنها لا تعطي للآخرين عسلاً.
ما السبيل؟ وكيف العمل؟ للوصول إلى غايتنا، في إصلاح إداري ومالي؟ وحكومة نزيهة شفافة؟ لا بد لنا من رئيس حكومة:
1. يبدأ بنفسه فالتطبيق العملي أكثر وقعاً في النفس من أرقى وأسمى اللوحات.
2. محاسبة الناس على مذهب نيلسون مانديلا، من أجل المصالحة الوطنية، والحفاظ على ما بقي من مقدرات الوطن وكفاءاته
3. حاسب وزراءك أجمعين دون استثناء على ما يفعلون بوزاراتهم، لأن " الله يَّزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن".
4. وأذكر بأن أبو الأسود الدؤلي لم يزد عن وضع النقاط على الحروف، فهي موجودة، ولكنها تحتاج صاحب القرار والخبرة إلي يضعها في مكانها الصحيح.
من هنا تبدأ الإجابة عن السؤال المنطقي الذي بدأنا به: ما هي البوصلة التي توجه مسيرتنا الإدارية؟ ويتضح لنا ماذا نريد من إداراتنا المعاقبة؟! وتشرقُ آمالنا في رئيس وزرائنا؟
*أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني
سؤال بدهي يتبادر إلى ذهن كل مواطن غيور منتمٍ إلى تراب هذا الوطن الطهور، وهو يُعاني من تخبط السياسات وفساد الإدارات المتعاقبة، على إدارة هذا البلد، وكلما جاءت حكومة تهلل الناس واستبشروا، حتى إذا ما واجهوا الحقيقة من تفشي الفساد، والترهل الإداري، والتسيب المالي، أصيبوا بخيبة أمل جديدة تتحطم عليها آمالهم، وتزداد فيها ألآمهم.
رحم الله أهل الحكمة ممن مضوا قبلنا، فقد تركوا لنا من الحِكَم والأمثال ما تزخر به المكتبات، ويمكننا الإفادة منه في معظم الأوقات والمناسبات.
وإنني إذ أُناقش في هذه المقالة (العُجالة) دور القيادة الإدارية المتميز في التخطيط والتنظيم والإدارة الفعالة للموارد البشرية. لأعلمُ علمَ اليقين أن الإدارة السليمة، والمتميزة، لا تنضج ولا تحل مشاكلها بالحِكَم والأمثال فقط. لكني أريد أن أقدم بين يدي دولة الرئيس بعضاً من تلك الأمثال والحكم - وإني أظنه أعلم بها مني-، لعلّ الحكمة منها تصلح إضاءات على طريق الإدارة السليمة، والتخطيط الفعال للموارد البشرية في الأردن.
وإنني أرى مقولة قالها الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، "إن الله ليَّزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن" خير بداية، وأوجز حكمة نبدأ بها؛ وهي تشير إلى أهمية القيادة والإدارة، التي يمكن لها أن تحقق ما لم يحققه كتاب الله عز وجل في بعض النفوس، نعم فنحن نقرأ في كل يوم آيات محكمات تأمرنا وتنهى، تذكرنا وتعظنا، لكننا لا نأتمر ولا ننتهي ولا نتذكر ولا نتعظ؟؟!
هذا هو الحال في القوانين المدنية الحالية التي نصت على معاني الإدارة، والتخطيط، والتنظيم، والوصف الوظيفي الذي يضع النقاط على الحروف، لكل موظف صَغُرَ أو كَبُر حجمه الوظيفي. لكننا نضعها في لوحات جمالية بين ردهات مؤسساتنا العامة وحتى الخاصة، ولا نجد لها تطبيقاً حقيقياً، فما هو المطلوب إذاً؟؟!!! لو أردنا الهداية لاهتدينا، لو أردنا الموعظة لاتعظنا، لو أردنا الالتزام بالقوانين والتعليمات والوصف الوظيفي لفعلنا.
نريد يا دولة الرئيس أن تسعى بنا وتقود دفة حكومتنا كي نتخلص من ثقافة الإدارة التي تطبقها دول العالم الثالث، تلك الإدارة التي ترتكز على قانونين أثنين أساسيين لا ثالث لهما هما:
يقول أولهما: المسؤول الأول على حق دائماً!!.
Rule No 1: Big Boss is always right.
ويقول الثاني: إذا كان المسؤول الأول مخطئاً، فعليك أن تلتزم بالقانون الأول.
Rule No 2: If Big Boss is wrong, go back to rule No 1.
نعم نريد في الأردن أن نتحول إلى ثقافة التميز، التي طالما نادى بها جلالة الملك في كل نادي وفي كل وادي، وجعل جوائز عديدة وحوافز كثيرة ومتنوعة للمتميزين، ثقافة إدارية تتجذر عبر الأجيال، ثقافة التميز الإداري التي تؤمن بثلاثة قوانين جديدة؛ غير مألوفة في العالم الثالث.
القانون الأول: تؤمن أن المسؤول الأول في أية مؤسسة، أو دائرة، أو وزارة قد يخطئ لأنه بشر، ولكنه لا يسرق كونه مخادع فهذا له حكم مختلف.
القانون الثاني: وبالتالي فإنه يمكن مراجعة المسؤول إذا أخطأ أو محاسبته، حتى لا يتمادى في خطأه.
وعليه فإن قانوناً ثالثاً في ثقافتنا الجديدة، يقول: بأن على المسؤول الأول: الوزير، ورئيس الجامعة، والأمين العام، والمدير العام، وكذلك مدير المديرية في الإدارة الوسطى، أن يلتزم بنفسه أولاً بالقوانين، ومن ثم ومن ثم يبدأ بتطبيق الشفافية في التعامل مع مرؤوسيه.
نريد ممارسة حقيقة وتطبيق واقعي وفعلي لمبادئ الشفافية، وأنا أعلم علم اليقين بأن البون شاسع بين النظرية والتطبيق،- فالتطبيق العملي أكثر وقعاً في النفس من أرقى وأسمى اللوحات التي تزخر بها مواقعنا المختلفة، هكذا علمنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بمقولته الشهيرة:" علموا الناس بأخلاقكم، وليس بأقوالكم".
صباح الخير يا دولة الرئيس:
إني رأيت ركود الماء يُفسده إن سال طاب وأن لم يجرِ لم يطبِ
وإذا ما عُدنا قليلاً بالأمثال والحكم إلى عصر الآباء والأجداد الذين عايشناهم، لو وجدنا الكثير من الحِكَم التي تفيد في مقامنا هذا، ومنها: "يا جدة، إذا ما حريتها ما بتصفى" حُرها مشان تعبي مي صافية، مقولة قالتها جدتي رحمها الله عندما أرسلت بي لأحضر ماءً للشرب من "البُصَة" النبعة. ولم تسعفني سنواتي الست - حينها- أن أستوعب ما تريد، لكن طريقة الأدب التي تربينا عليها في أيامنا – والتي افتقدنا كثيراً من معانيها في عصرنا الحالي - من احترام الكبير، وسماع كلمته، وتوجيهاته، ألزمتني أن أمتثل، فعمدتُ إلى عصاً طويلة – خوفاً من أن تعلق الطحالب بيدي - حررتُ بها البصة، وحررت مجرى الماء فيها، حتى ابتعدت جميع الطحالب التي يراها كل صحيح نظر بالعين المجردة دون بحث. وسالت تلك الكمية من الماء المعكور، مع الطحالب إلى الحقول، الطحالب التي كانت سبباً في تعكير مائنا، ومورد شربنا، وما هي إلا دقائق حتى بدت صفحة الماء صافية، فملأتُ وارتويتُ بعدها ماءً زُلالاً، وفهمت بعدها أن تلك الطحالب، والطفيليات المتسلقة والمتملقة، ستتسبب بكثير من الأمراض والأوجاع، وتكدر الحياة إذا لم نُزِلها ونطهر ينابيعنا منها، كي يجري الماء بحرية دون شوائب.
قوانين الإصلاح، محاربة الفساد، والمواعظ، والحكم، موجودة في أدبياتنا وقوانيننا، تشريعاتنا لمن أراد أن يتعظ أو يمتثل، تماماً كما كانت حروف اللغة العربية سابقة بوجودها على وجود أبي الأسود الدؤلي، ولم يزد ذلك الفقيه اللغوي إلا بوضع النقاط على الحروف، ليزيل كل لُبس فنرى الحروف، ونضعها مكانها المناسب، فلم يَعُد بعدها شكٌ أن نرى العين عيناً، ولا أن نرى الزين، شَيناً؟!.
نعم نريد من يضع النقاط على الحروف، نريد من يعكر صفو الطحالب التي تمتص دماءنا ولا ترتوي، لنبعدها عن الطريق، نريد المحاسبة على مذهب نيلسون مانديلا، المكاشفة من أجل المصالحة الوطنية، وليس للمعاقبة، نريد شخصاً صاحب ولاية عامة وسلطة، يقول لتلك الطحالب توقفي إمعانا في دمائنا، وابتعدي عن الطريق. نريد أن نحرر الجسم من كل داء، وأن نجعله سليماً معافى، نريد أبا الأسود الدؤلي الذي يضع النقاط على الحروف. نريد من يوجه لنا البوصلة تجاه الطريق المستقيم، فيهتدي الفريق من بعده ويسير على بصيرة، هدفهم واضح أمام أعينهم فلا يضلون الطريق، فيُخَلِدُ التاريخ اسمه بحروف من نور، وتبقى الأجيال المتعاقبة تلهج له بالدعاء، وتصدح باسمه أمهاتنا وبناتنا في كل موسم فرح. نعم نريد تغيير ثقافة المجتمع الإدارية، إلى ثقافة الشفافية والتميز، ثقافة العدل والمساواة بين الجميع، على أساس المواطنة الحقّة، لا على أسس حماية الوطن للفقراء، ومكتسبات الوطن للأغنياء، بل على أسس استغلال أمثل للطاقات المادية والبشرية المتوافرة في المجتمع. وهي عملية تعاونية، جماعية، واعية، مقصودة، تدعمها إرادة سياسة، وإدارة حكيمة، والتزام جاد بمضمونها من قبل جميع الأطراف.
ولعل الالتزام بالمبادئ والمعايير والقيم الوظيفية هو ما يحقق لنا الشفافية، ويعطي المواطن راحة نفسية، وبيئة إيجابية تجعله يندفع ذاتياً لأداء واجباته، ويتفانى في عمله دون أي رقيب أو حسيب، لأن عدم تطبيقها يؤدي إلى تفاقم المشكلة، فيتسع الفتق على الراقع.
صباح الخير يا دولة الرئيس:
إنني أضع جهدي المتواضع هذا بين يديكم حتى لا تنقضي اجتماعاتنا ومؤتمراتنا بين "Meeting and Eating" ، أو طرح أفكار ورؤى براقة لا يمكن تطبيقها، ولذلك فإنني أقدم بعض النقاط التي أرى أنها يمكن أن تساعد الإدارة في عملها:
استثمار الموارد البشرية وتنميتها لتحقيق اقتصاد المعرفة، مما يعني بالضرورة مراعاة الأسس الإدارية ومصلحة العمل، وتشجيع مقترحات التطوير والإبداع ومحاربة الاستهتار واللامبالاة.
إجراء إصلاحات إدارية ومالية وتشريعية واسعة، وعلى لمستويات، وتفعيل مبدأ الشفافية ومبدأ المساءلة وتطبيق القوانين على الجميع وأن يكون الأردنيون سواسية بالتنفيذ لا على الورق، وبالشعارات فقط.
إجراء التعيينات ضمن وصف وظيفي، ومواصفات محددة مسبقاً للموظف الذي سيقوم بحق الوظيفة ويؤدي واجباتها بجدارة!! لا أن نوجد وظيفة لشخص ما، كيفما اتفق لنقدم له بالقانون كثيراً من الإمتيازات التي لم يكن يحلم بها؟!
احترام المؤهلات العلمية والكفاءات والخبرات العملية للموظفين وتحويل المعرفة الضمنية التي اكتسبها عدد كبير من الموظفين في القطاعين العام والخاص إلى معرفة صريحة، ليستفيد منها من سيخلفهم في العمل.
الارتقاء بالتعامل الإداري في جميع المؤسسات والوزارات إلى مستوى المؤسسة العسكرية، وإعادة هيكلتها بما يخدم مصلحة الوطن.
الاهتمام الشديد بالتدريب والتطوير للارتقاء بمستوى الموظفين في مجالات تخصصهم بوضع خطط تدريب عملية مبنية على أسس سليمة، لكل المواطنين في القطاعين العام والخاص، فالمردود الإيجابي يعود على الوطن، والآثار السلبية في القطاعين تفت في عضد الوطن.
توفير مناخ إداري ومالي نظيف وسليم، وتطبيق اللامركزية وتفويض الصلاحيات للإدارات الوسطى.
نعم يا دولة الرئيس،
"إذا كنت مرسلاً في حاجة فأرسل حكيماً ولا توصه"، هكذا قيل أيضاً: وقد ارتأت فيك القيادة الهاشمية شخصاً حكيماً حصيفاً، فأرسلته لإدارة البلاد بحِكمَةٍ وعدلٍ ولتضع النقاط على الحرف، وسخرت لك الكثير والعديد ممن يحبون أن ينعم هذا الوطن المعطاء بإدارة سليمة، وجسم معافى من كل داء. راجين أن لا يتعكر صفو أحد من إحقاق الحق، ووضع الأمور في نصابها بحكمة وحنكة تمنع الخلل، وتحقق الغاية المنشودة من إرسالك فينا. وبذلك نسمو جمعياً إلى مستوى الرغبات الملكية السامية في تحقيق الوئام بين مكونات الإدارة وعناصرها، ويتحقق الرخاء والعدل في عموم الوطن. وأنا على يقين بأنه لا تنقصك الخبرة ولا الدراية ولا المعلومات يا دولة الرئيس، فأنت تستطيع أن تضع النقاط على الحروف، وتصوب البوصلة وجهة صحيحة. ولديك من التوجيهات والرغبات الملكية السامية، والخبرة المتنوعة، ما يمكنك من إيجاد الأعوان الخُلص المنتمين حقيقة إلى تراب هذا الوطن وتراثه المتجذر في أعماق التاريخ، ممن يعملون بجد، دون الاكتراث بالطحالب والطفيليات العالقة هنا، أو هناك تمتص ممن دماء الوطن رحيقاً، ولكنها لا تعطي للآخرين عسلاً.
ما السبيل؟ وكيف العمل؟ للوصول إلى غايتنا، في إصلاح إداري ومالي؟ وحكومة نزيهة شفافة؟ لا بد لنا من رئيس حكومة:
1. يبدأ بنفسه فالتطبيق العملي أكثر وقعاً في النفس من أرقى وأسمى اللوحات.
2. محاسبة الناس على مذهب نيلسون مانديلا، من أجل المصالحة الوطنية، والحفاظ على ما بقي من مقدرات الوطن وكفاءاته
3. حاسب وزراءك أجمعين دون استثناء على ما يفعلون بوزاراتهم، لأن " الله يَّزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن".
4. وأذكر بأن أبو الأسود الدؤلي لم يزد عن وضع النقاط على الحروف، فهي موجودة، ولكنها تحتاج صاحب القرار والخبرة إلي يضعها في مكانها الصحيح.
من هنا تبدأ الإجابة عن السؤال المنطقي الذي بدأنا به: ما هي البوصلة التي توجه مسيرتنا الإدارية؟ ويتضح لنا ماذا نريد من إداراتنا المعاقبة؟! وتشرقُ آمالنا في رئيس وزرائنا؟
*أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/21 الساعة 11:21