الرسالة مرفوضة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/01 الساعة 00:54
هدد مواطن مفصول من وزارة الأشغال أمس بالانتحار مع ولديه، عبر إلقاء نفسه من أعلى مبنى في عمان، نتيجة فصله من وزارة الأشغال.
اعتبر المعلّقون على وسائل التواصل الاجتماعي ما حدث بمثابة رسالة خطيرة للحكومة بتدهور الحالة النفسية للمواطنين نتيجة الظروف الاقتصادية الحالية.
صحيح أنّ المزاج العام في الشارع سلبي (من خلال مؤشرات عديدة)، لكن رسالة التهديد بالانتحار من قبل المواطن المذكور - وقبل ذلك الفيديو الذي تداوله الناس عن رجل يهدد بحرق نفسه مع أبنائه- رسالة مرفوضة من حيث المبدأ أخلاقياً وإنسانياً، قبل أن تكون سياسياً أيضاً غير مقبولة بوصفها عملية احتجاج على ظلم محتمل أو عدم القدرة على التكيف مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
لم يتضّح بعد سبب فصل العامل من وزارة الأشغال، فيما إذا كان هنالك سبب قانوني وإداري وجيه أم لا، لكن التظلّم والاحتجاج ليس بهذه الطريقة التي تعكس انحرافاً نفسياً وأخلاقياً غير مقبول، فهنالك عشرات الطرق التي
يمكن التعبير من خلالها عن الظلم – إن وُجد- والاحتجاج السلمي، وليس بطريقة فيها ابتزاز عاطفي وأخلاقي للمجتمع بأسره وليس لهذا المسؤول أو ذاك. من الضروري أن ينتبه من يطبّلون لهذه الوسائل والطرق إلى أنّ مثل هذا "الاحتفاء" مؤشر على اختلال أخلاقي وثقافي وليس تعبيراً عن سوء الأوضاع الاقتصادية أو المالية لشريحة واسعة من المواطنين. ومخطئ من يتوهم – من المعارضين- أنّها محاكاة لما قام به البوعزيزي في تونس، عندما أحرق نفسه احتجاجاً على ظلم خاص حاق به، فتلك الحادثة ارتبطت تداعياتها بلحظة تاريخية محدّدة ودقيقة وجرت مياه كثيرة بعد ذلك تحت الأقدم، ولم تعد رسائل الحرق والانتحار هي الوسيلة التي يمكن أن "توقظ الجماهير"، بمعنى: تلك اللحظة وما ارتبط بها تمّ تجاوزها، لأنّ المعادلة تغيّرت، وأصبحت الحوادث المستنسخة حالياً، ومنها المحاولات التي نراها في الأردن، غير مقبولة بأيّ معنى من المعاني، الأخلاقية والإنسانية. إذا تجاوزنا هذه الواقعة، والحوادث الفردية الأخرى الشبيهة، فإنّ ردود فعل الحكومة على ما نقرأه في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المزاج السلبي المتفاقم، تكشف عن حالة شلل كامل وعجز عن التواصل مع الشارع، والاكتفاء بالمراقبة والترقّب والاعتماد على قدرة الأجهزة الأمنية في "منع اشتعال الحرائق"! إذا تجاوزنا ما نقوله دائماً عن ضرورة أن تكون القرارات المالية مرتبطة بتفاهم وطني عريض وعناوين واضحة، وحزمة سياسات تخفف من الاحتقان الاجتماعي ومن انعكاساتها على الشريحة الضعيفة من المواطنين، ومشبوكة ببرنامج إصلاحي متكامل، بما في ذلك إعادة هيكلة سوق العمل، وتحسين الخدمات والإصلاح الإداري، كي لا تكون نتائجها كارثية اجتماعياً وإنسانيا.. إذا تجاوزنا كل ذلك فإنّ الحدّ الأدنى الذي من المفترض أن تقوم به الحكومة هو ألا تترك الشارع عرضة لحالة الإحباط والشعور باليأس أو القلق، فهذا المناخ موبوء يحمل ظروفاً ضارّة بالاستثمار وبالأمن وبالحالة العامة! ما المطلوب؟ في الحدّ الأدنى جداً أن تشتبك الحكومة في حوار جريء مع الشارع، وأن تقدّم ما لديها من أوراق وحجج وأن تفتح الباب للمعارضة والنقد، وأن تدشّن حواراً وطنياً، حتى وإن كانت هنالك انتقادات علنية وقوية ومحترفة، ففي النهاية مثل هذا الحوار يخفف حالة الاحتقان ويرشّد النقاشات الوطنية العامة، ويخلق فضاء ليسمع الجميع من بعضهم، بدلاً من الاستسلام لفكرة أنّ الحكومات من كوكب والشارع من كوكب آخر! الغد
يمكن التعبير من خلالها عن الظلم – إن وُجد- والاحتجاج السلمي، وليس بطريقة فيها ابتزاز عاطفي وأخلاقي للمجتمع بأسره وليس لهذا المسؤول أو ذاك. من الضروري أن ينتبه من يطبّلون لهذه الوسائل والطرق إلى أنّ مثل هذا "الاحتفاء" مؤشر على اختلال أخلاقي وثقافي وليس تعبيراً عن سوء الأوضاع الاقتصادية أو المالية لشريحة واسعة من المواطنين. ومخطئ من يتوهم – من المعارضين- أنّها محاكاة لما قام به البوعزيزي في تونس، عندما أحرق نفسه احتجاجاً على ظلم خاص حاق به، فتلك الحادثة ارتبطت تداعياتها بلحظة تاريخية محدّدة ودقيقة وجرت مياه كثيرة بعد ذلك تحت الأقدم، ولم تعد رسائل الحرق والانتحار هي الوسيلة التي يمكن أن "توقظ الجماهير"، بمعنى: تلك اللحظة وما ارتبط بها تمّ تجاوزها، لأنّ المعادلة تغيّرت، وأصبحت الحوادث المستنسخة حالياً، ومنها المحاولات التي نراها في الأردن، غير مقبولة بأيّ معنى من المعاني، الأخلاقية والإنسانية. إذا تجاوزنا هذه الواقعة، والحوادث الفردية الأخرى الشبيهة، فإنّ ردود فعل الحكومة على ما نقرأه في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المزاج السلبي المتفاقم، تكشف عن حالة شلل كامل وعجز عن التواصل مع الشارع، والاكتفاء بالمراقبة والترقّب والاعتماد على قدرة الأجهزة الأمنية في "منع اشتعال الحرائق"! إذا تجاوزنا ما نقوله دائماً عن ضرورة أن تكون القرارات المالية مرتبطة بتفاهم وطني عريض وعناوين واضحة، وحزمة سياسات تخفف من الاحتقان الاجتماعي ومن انعكاساتها على الشريحة الضعيفة من المواطنين، ومشبوكة ببرنامج إصلاحي متكامل، بما في ذلك إعادة هيكلة سوق العمل، وتحسين الخدمات والإصلاح الإداري، كي لا تكون نتائجها كارثية اجتماعياً وإنسانيا.. إذا تجاوزنا كل ذلك فإنّ الحدّ الأدنى الذي من المفترض أن تقوم به الحكومة هو ألا تترك الشارع عرضة لحالة الإحباط والشعور باليأس أو القلق، فهذا المناخ موبوء يحمل ظروفاً ضارّة بالاستثمار وبالأمن وبالحالة العامة! ما المطلوب؟ في الحدّ الأدنى جداً أن تشتبك الحكومة في حوار جريء مع الشارع، وأن تقدّم ما لديها من أوراق وحجج وأن تفتح الباب للمعارضة والنقد، وأن تدشّن حواراً وطنياً، حتى وإن كانت هنالك انتقادات علنية وقوية ومحترفة، ففي النهاية مثل هذا الحوار يخفف حالة الاحتقان ويرشّد النقاشات الوطنية العامة، ويخلق فضاء ليسمع الجميع من بعضهم، بدلاً من الاستسلام لفكرة أنّ الحكومات من كوكب والشارع من كوكب آخر! الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/02/01 الساعة 00:54