الهروب من عمان
مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/29 الساعة 00:56
على المديين المتوسط والبعيد ستترك التحولات الاقتصادية آثارا اجتماعية تتجاوز التصنيف الطبقي والمستوى المعيشي.
ثمة حركة تنقلات تحصل على الدوام في المجتمعات المعاصرة، تصعد وتهبط بموجبها فئات اجتماعية على سلم الطبقات، وعادة ما تكون الطبقة الوسطى هي محور ومركز لهذه العملية المستمرة.
لكن الاقتصاد يمكن أن يفعل أكثر من ذلك، وقد يدفع بتغييرات جوهرية تصيب التوزيع السكاني.
عمان هي أكبر مركز سكاني في الأردن تليها مراكز المحافظات الرئيسية؛ الزرقاء وأربد. لكن على الرغم من الاتجاه الإجباري للإقامة في العاصمة، إلا أن غلاء المعيشة فيها قد يدفع بفئات اجتماعية لمراجعة حساباتها مع ارتفاع كلف الحياة.
قبل حزمة القرارات الأخيرة، كانت عمان من أغلى المدن العربية، فبسبب موجات اللجوء الكبيرة ارتفعت على نحو كبير أجور السكن والخدمات.
لم يقصد الكثيرون عمان عن طيب خاطر؛ البحث عن مستقبل أفضل وفرص عمل، لاتتوفر في المحافظات هو مادفع بالعائلات إلى التوجه للعيش في العاصمة. ولم يفلح التوسع في تأسيس جامعات حكومية وخاصة ومرافق خدمية متطورة نسبيا في الحد بشكل ملموس من الهجرة إلى عمان. ففي غياب فرص العمل لعشرات الآلاف من الخريجين صار الحصول على فرصة عمل في عمان الهدف المرتجى.
على الجانبين سيتغير الوضع في المستقبل؛ فلا أصحاب الدخول المحدودة قادرون على تحمل كلف المعيشة في عمان، ولا الجيل الجديد من الخريجين تكفيه العروض المتاحة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة في العاصمة.
في الوقت الحالي نشهد ما يمكن وصفه بالهروب من العاصمة إلى الضواحي وهي المرحلة التي تمهد لهجرة معاكسة، فالمئات من العائلات تتجه لتملك شقق سكنية في مناطق محيطة بعمان بأسعار أقل من أثمان الشقق المعروضة في أحياء بقلب العاصمة. وإذا ما كتب لمشروع المدينة الجديدة أن يرى النور، سنشهد إقبالا كبيرا من المواطنين للانتقال إليها، خاصة إذا ما توفرت مساكن بأسعار مخفضة وفرص عمل للشباب العاطلين عن العمل.
وبالنسبة لفئات اجتماعية واسعة تغدو العودة لمحافظاتهم "مسقط الرأس" أمرا ورادا ومرغوبا، لكن ذلك مرهون بتوفر شروط حياة كريمة لا تقل عما هو متاح في العاصمة.
هل يفكر المخططون في دوائر صناعة القرار لمثل هذه الاحتمالات؟
ينبغي عليهم أن يأخذوا الموضوع على محمل الجد، لابل وتوفير متطلبات نجاحه، وتقديم الحوافز الخدمية لهجرة معاكسة من العاصمة إلى المحافظات.
يتطلب النجاح في هذا المسعى توجيه حركة الاستثمار نحو المحافظات، وتحريك ملف المشاريع الصغيرة على نحو أكبر، وإعادة الاعتبار لنهج العمل التعاوني في المجالات الزراعية تحديدا. وتحسين مستوى المدارس ومراكز الخدمة الطبية.
لقد ابتلعت العاصمة على مدار عقود ملايين المواطنين واللاجئين، حتى أصبح عدد سكانها يعادل أكثر من نصف سكان المملكة. هذا الوضع مشوه وغير صحي، ويكشف عن خلل كارثي في خطط التنمية وتوزيع الثروة.
إن تحدي الحياة المكلفة في العاصمة ينبغي امتصاصه بفتح منافذ جديدة لحياة كريمة أمام المواطنين خارج هذا الخزان البشري الضخم.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/29 الساعة 00:56