الأردن.. ترميز مجهولي النسب بـ «2000» يمثل لهم «وصمة عار»
مدار الساعة - يتفق مختصون على ان الإشكالية الأهم في حياة اللقطاء او ما بات يعرف في المجتمع « بمجهولي النسب « تكمن في الأرقام الوطنية التمييزية ضد مجهولي النسب، إذ إن الأرقام الوطنية لمجهولي النسب تبدأ بالرقم 2000، بغض النظر عن سنة الولادة، في حين أن الأرقام الوطنية لباقي المواطنين تبدأ بسنة الميلاد لكل شخص، فيما حارب كثير من مجهولي النسب من أجل تغيير الرقم الوطني حيث تجاوبت معهم دائرة الأحوال المدنية لفترة وتمّ تغيير الرقم الوطني لعدد من مجهولي النسب إلا أن الدائرة عادت وتراجعت عن قرارها.يبقى ألم العيش دون سند أسري وفقدان الدعم العاطفي والاجتماعي الهمّ الأكبر لمجهولي النسب، وهو أَلَمٌ يزيد من حدته عدم تقبّل المجتمع لأشخاص هم في الأصل ضحايا بلا ذنب، ولا يتوقف الصراع من أجل البقاء عند هذا الحد، إذ يخوض مجهولو النسب صراعا آخر مع التشريعات والقوانين التي تميزهم عن غيرهم بأرقام معينة، وتفقدهم الحق في التنافس على وظائف حكومية.
وتوافر دور الرعاية الإيوائية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية في المملكة رعاية للأطفال الفاقدي السند الأسري من الفئات المختلفة (الأيتام، ومجهولي النسب، واللقطاء) منذ لحظة الولادة حتى سن 18، بعد ذلك تعتبر الدولة أن هؤلاء الأشخاص قادرون على العيش باستقلالية خارج أسوار المؤسسات، فيما يتولى صندوق الامان لمستقبل الأيتام مصاريف الدراسة لهؤلاء اليافعين، سواء أكانت دراسة أكاديمية أم تدريباً مهنياً، كما يتكفّل الصندوق تكاليف المعيشة خلال فترة الدراسة، على الرغم من ذلك، غالباً ما تسعى خريجات دور الرعاية إلى الارتباط بعد تخرجهنّ مباشرة، نتيجة خوفهن من مواجهة الحياة بمفردهنّ، أو هرباً من الانحراف، خصوصاً أنّه كثيراً ما يُنظر إليهنّ باعتبارهن فريسة سهلة.
عدة قوانين
وعالج المُشرع الأردني مسألة الأطفال مجهولي النسب، من خلال عدة قوانين، أهما: قانون الأحوال المدنية الأردني، حيث أجاز القانون للطفل مجهول النسب الحصول على شهادة ميلاد باسم أب وأم غير حقيقيين، وبإشراف وزارة التنمية الاجتماعية، وتقوم الوزارة من خلال مراكز الرعاية المعنية بإرسال المولود إليها للعيش هناك، ضمن ملف خاص، يحمل اسما لهذا الطفل، وتاريخ ولادة، وشهادة ميلاد، وأنه يتم إعطاء الطفل اسم أب وأم، وتكون الأسماء وهمية، وتحرص دائرة الأحوال المدنية بعدم ربط المولود باسم عائلة أردنية معروفة، أو اسم متداول في الأردن، فيما نص القانون الأردني بأنه «يعتبر أردني الجنسية من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من أم تحمل الجنسية الأردنية وأب مجهول الجنسية، أو لا جنسية له، أو لم يثبت نسبه إلى أبيه قانونا، وأيضا من ولد في المملكة الأردنية من والدين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها، ما لم يثبت العكس».
زرع الامل
بدوره الناقد والباحث في الفلسفة الدكتور ممدوح بريك الجازي افاد، ان محاولة تغيير النظرة السلبية من قبل أفراد المجتمع إلى هذه الفئة التي ليس لها أدنى ذنب في وجودها في هذا الوضع السلبي في المجتمع من خلال تقوية الثقافة الإنسانية في احترام حقوق الإنسان واحترام الوجود الإنساني له في هذه الحياة، كما ان على مؤسسات الرعاية الاجتماعية دور كبير في الاهتمام بهذه الفئة بالاهتمام بالبناء النفسي لهؤلاء الأطفال من خلال عقد جلسات نفسية مبكرة من قبل اطباء نفسيين هدفها زرع الأمل والحياة في نفوس هذه الفئة لتجاوز أي اثار سلبية تواجهم في المستقبل.
ونوه الجازي بالرغم من كل الإجراءات التي تتخذها المؤسسات الحكومية الأردنية في مجال الاهتمام في مجهولي النسب، تبقى هناك مشكلة تؤرق هذه الفئة إلا وهي إصدار ترميز خاص للرقم الوطني الخاص بهم بحيث أصبح المجتمع والأفراد وايضا المؤسسات المدنية تتعرف عليهم من خلال هذا الترميز؛ ما يشكل أحد اشكال التميز العنصري لهذه الفئة التي ليس لها أي ذنب أو خطيئة في وجودها في هذه الحياة، فماذ تتوقع الدولة من شاب أو شابة اكتشف فيما بعد ان اسمه غير حقيقي وان في رقمة الوطني ترميزا خاصا يميزة عن غيرة من ابناء وطنه؟! ، من المؤكد أن الأغلب منهم للأسف الشديد سيفكر في الانتحار وسيصاب بصدمة نفسية تزرع في نفسه مفاهيم الحقد وكراهية المجتمع ..ناهيك عن الآثار السلبية ليس فقط على البناء النفسي لهذه الفئة بل ايضا على المستقبل العلمي والوظيفي والاجتماعي في مسيرة الحياة.
مراجعة السياسات
ولفت الجازي من هنا، على صانعي القرار في بلدنا مراجعة كافة السياسات والتشريعات الخاصة بفئة مجهولي النسب بما يتلائم مع معايير حقوق الإنسان العالمية التي تنص على حق الطفل في إثبات النسب وحق هؤلاء الأطفال في الحصول على كافة الوثائق الرسمية دون أي إشارة في تمييزهم عن غيرهم وحق الطفل العيش في مجتمع يحترم وجودة الإنساني، كما على مؤسسات الدولة الرسمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني التكاتف في التركيز على ضرورة تفعيل الدور الوقائي المتمثل في التوعية المجتمعية لكافة شرائح المجتمع في المشاكل اللا إنسانية التي يسببها عدم الإعتراف في العلاقات غير الشرعية والتي ينتح عنها اطفال حيث يتم التخلص منهم برميهم في الشوارع والحاويات هذا من جهه ومن جهة أخرى محاولة تغيير النظرة السلبية من قبل أفراد المجتمع إلى هذه الفئة التي ليس لها أدنى ذنب في وجودها في هذا الوضع السلبي في المجتمع من خلال تقوية الثقافة الإنسانية في احترام حقوق الإنسان واحترام الوجود الإنساني له في هذه الحياة.
ثبات النسب
بدورها أدخلت اللجنة القانونية النيابية بالتوافق مع لجنة من دائرة قاضي القضاة تعديلات على قانون الأحوال الشخصية المؤقت لعام 2010 جاءت بناء على التطبيق العملي للقانون في المحاكم، فيما ابرز التعديلات كانت إضافة نص على إثبات النسب بالأخذ بالوسائل العلمية الحديثة القطعية (DNA) مع اقترانها بـ (الوطء بالشبهة)، وإن الغاية من هذا التعديل شمول حالات أكثر بإثبات النسب، فيما المقصود بـ (الوطء بالشبهة) هو أنه إذا لم يوجد عقد زواج صحيح ولا فاسد ووجد دخول بالمرأة وجاءت المرأة بولد من هذا الدخول، وكانت المادة في القانون النافذ تنص على الأخذ بالوسائل العلمية الحديثة القطعية مع اقترانها بفراش الزوجية، باعتبار أنه لا نسب خارج إطار الزواج والأسرة.
حملة «شكرا»
وبهدف تغيير بعض المفاهيم الاجتماعية حول مجهولي النسب، قام مجموعة من الأيتام بإطلاق حملة تحت اسم «شكرا»، وزعوا خلالها منشورات على المواطنين، مرفقة بورود، يهدفون من خلالها إلى تعريفهم بالظلم الواقع على هذه الفئة من المجتمع، «التي وقعت ضحية لذنب لم يقترفوه»، إلا أن «الوضع لم يتحسن»، فيما يخوض مجهول النسب «صراعا مع الحياة يبدأ منذ لحظة رميه في الشارع أو في حاوية قمامة، وحتى يبلغ ويصارع من أجل إيجاد فرصة عمل أو قبول في مجتمع يطلق عليه لقب لقيط عندما يولد، ولقب ابن حرام حين يكبر».
وتؤكد مصادر بجمعية «أنا إنسان» حقيقة عدم تقبل المجتمع لهذه الفئة من الشباب، وإن «زواج مجهول النسب بفتاة غير معروفة النسب أمر شبه مستحيل، إذ ترفض غالبية العائلات ذلك»، فيما لا يقتصر الأمر على الزواج، لا بل نجد تمييزاً في فرص العمل أيضاً، لأنّ أصحاب العمل لا يحبّذون أن يعمل لديهم مجهولو النسب» وهذا الأمر ينعكس في الوصمة الاجتماعية بالدرجة الأولى، وثانياً في تدنّي المستوى التعليمي وضعف المهارات المهنية».
أول جمعية
وفي سابقة من نوعها على مستوى الوطن العربي، رخصت وزارة التنمية الاجتماعية في الأردن قبل عامين أول جمعية لمجهولي النسب، تحت اسم «أنا إنسان»، بهدف العناية بكل شؤون الأيتام ومجهولي النسب داخل دور الرعاية وخارجها»، واللافت أن جميع أعضاء الهيئة الإدارية من الأيتام ومجهولي النسب، إلا أن الجمعية التي استأجرت مقرا لها في إحدى مناطق العاصمة عمّان، لم تصمد أمام شح التمويل، لتقفل أبوابها بعد عام تقريبا من ترخيصها، وينتقل عملها إلى داخل منزل احدى مجهولي النسب.
«شواهد ليل».. الخطيئة امرأة
بدورها مسرحية خليل نصيرات التي عرضت بالمملكة وشاركت في العديد من المهرجنات العربية تطرح مسألة مجهولي النسب الذين يضاف إلى هوياتهم في الأردن رقم 2000 عن باقي المواطنين لتكون فرصة لاكتشاف تجربة جديدة للمخرج نصيرات وبمشاركة كل من سوزان البنوي وثامر خوالدة وعبدالله العلاّن.
وتطرح «شواهد ليل» مسألة مجهولي النسب الذين يضاف إلى هوياتهم في الأردن رقم 2000 عن باقي المواطنين، والذين يعانون التهميش عبر هذا التصنيف الذي يحرمهم من جل حقوقهم كمواطنين، بل ويحاسبون على أخطاء لم يقترفوها، ففي مجتمع شرقي لا يغفل الزلات أو الأخطاء ويشبع المخطئين شتما ورجما وتحطيما لكل بقايا الجمال لديهم، تنشأ أكثر من حياة بجانب حاوية فضلات، حاوية يترك فيها أو بجانبها الخطأ أو «الخطينة» حيث فضح مخرج العمل ممارسات كثيرة في هذا المجتمع الذي يدمّر المخطئ وينفيه ويرجمه ويتركه في ذاك الركن المنسي مكرها على بكاء يومه وليله.ويتناول عزمي حبوبا مخدّرة فتظهر له امرأة حامل (هي حامل خارج إطار شرعي)، ينشأ بينهما حوار لشخصين محاصرين بالذكريات والسخط والقهر على وضع كل منهما. فالشاب «عزمي» هو شخص مجهول الهوية، رماه والداه أو أحدهما بجانب حاوية للمهملات بعد ساعات من ولادته، يلتقي بـ «رتيبة» التي تواجه المصير نفسه وتخطئ فينتفخ بطنها ويهرب من كانت تعتقده سندها في الحياة، وينخرط كلاهما في موجة اعترافات وتناحرات لفظية، يصفان بحزن وحنق تخلي كل الناس عنهم، ثم يتواجهان فتطلب الفتاة من عزمي أن يتزوجها ليستر عارها في مجتمع لن يرحمها، وهنا يتردد عزمي فيسقط قناعه الذي يعكس واقعا مجتمعاتيا كاملا. مجتمع ينبذ المخطئ ويجرّمه أبديا، كما كان حضور الشخصية الثالثة في العمل (المصوّر) الذي كان يوثق للحظات البوح في ليل كئيب غاب عنه ضوء الأمل والقمر عابرا، فهو الذي يخترق الفضاء بطريقة فجائية ليلتقط صورا للشخصين اللذين يستمران في المواجهة أو يهربان منها في نسق فيه كرّ وفرّ، فكأنهما في سباق ضد عدسة المصوّر الذي يباغتهما بحضور غير مرغوب فيه، كيف لا وهما في رقعة من الوجع تتّسع مع كل دقّة قلب ورفّة عين.
دور التنمية
اما الحكومة ممثلة بوزارة التنمية الاجتماعية فلها دور في التعامل مع قضية الأطفال مجهولي النسب يتضح دور وزارة التنمية الاجتماعية في قضية الأطفال مجهولي النسب، من خلال تشريعاتها، وخطط عملها، وانجازاتها، التي توزعت على المستويات التالية.
أ- على المستوى العلاجي.
1- تحضين الأطفال مجهولي النسب للأسر المحرومة من الإنجاب، البالغ عددهم حتى نهاية شهر كانون الأول من عام 2007 (706 ) أطفال، منهم 72.47% داخل الأردن، و27.53% خارجه.
2- تنشئة الأطفال مجهولي النسب، ورعايتهم في المؤسسات الداخلية، لحين حصولهم على فرص احتضانهم، وتسوية قضايا إثبات نسبهم. ويشكل الأطفال مجهولي النسب حوالي35.86% من المجموع الكلي للأطفال الملحقين في دور الرعاية، البالغ معدله 1092.8 طفلاً، ويعزى ارتفاع معدلهم، إلى خلفية قضاياهم، وتعقدها؛ كونهم معروفي الأمهات، مجهولي الآباء.
3- المتابعة الدورية للأطفال المحتضنين، والأسر الحاضنة لهم؛ للتأكد من حسن رعايتهم، واندماجهم الأسري، وتوافقهم النفس اجتماعي.
4- السعي لإثبات حق بعض الأطفال في النسب الشرعي لآبائهم وأمهاتهم، من خلال التعاون مع الجهات الشريكة المعنية، مثل مديرية الأمن العام، التي تطلب بين الحين والآخر، عن طريق مختبرها الجنائي إجراء فحوصات(DNA) لبعض الأطفال.
5- التنسيب لدائرة الأحوال المدنية والجوازات باستصدار الوثائق الثبوتية للأطفال مجهولي النسب سواء أكانوا محتضنين أو ملحقين بدور الرعاية الاجتماعية.
6- تشغيل الأطفال مجهولي النسب، بعد دخولهم مرحلة الشباب، على وجه الخصوص، الذين يصعب تحضينهم لأسباب مرتبطة بقضايا أمهاتهم.
7- التعاون مع مديرية الأمن لتشغيل دار حضانة مركز إصلاح وتأهيل النساء الجويدة، التي نص عليها قانون مراكز الإصلاح والتأهيل النافذ. الأمر الذي قد يمكن النساء النزيلات في المركز، من رعاية أطفالهن، ومشاهدتهم.
ب- على المستوى الوقائي: 1- توعية الأفراد، والأسر، والمجتمعات المحلية بالمشكلات الأسرية، وأسبابها، وآثارها، وطرق التعامل معها.
ج- على المستوى التشريعي.
1- مراجعة التشريعات، التي قد تعالج قضايا الأطفال مجهولي النسب، وتطويرها بالنهج التشاركي، في ضوء المعايير الدولية، مثل: قانون الحماية من العنف الأسري، الصادر عام 2008. و مشروع قانون حقوق الطفل، و مشروع نظام الاحتضان.
د- على المستوى التخطيطي الاستراتجي.
1- المشاركة في إعداد الاستراتجيات، والخطط الوطنية، المرتبط بالأطفال مجهولي النسب، وتنفيذها، مثل: استراتجيه تنمية الطفولة المبكرة، التي أفردت محوراُ للأمن الاجتماعي للأطفال في دور الرعاية، والخطة الوطنية الأردنية للطفولة للسنوات2004-2013 ، التي أفردت باباً للأطفال ذوي الظروف الصعبة.
2- توقيع بروتوكولات التعاون مع بعض وزارات الشؤون الاجتماعية في الدول الشقيقة، والصديقة؛ لتبادل تجارب أفضل الممارسات في مجالي رعاية الأطفال مجهولي النسب، والسيطرة على سلوك الداخلين بالعلاقات الجنسية غير المشروعة.
هـ- على المستوى البحثي.
1- تشجيع الباحثين على دراسة قضايا الأطفال مجهولي النسب، وتيسير أمورهم، ومن هؤلاء الباحثون على سبيل المثال لا الحصر الباحثة هاجر نصار، التي أعدت أطروحتها الجامعية حول التوافق الشخصي والاجتماعي للأطفال مجهولي النسب المحتضنين من قبل الأسر، التي تبين منها كبر معدل توافقهم مع الأسر الحاضنة لهم، ونجاح برنامج تحضينهم.
2- تشكيل اللجان، و عقد الملتقيات، وورش العمل، المتخصصة بقضايا الأطفال مجهولي النسب، واستخلاص الدروس والعبر المستفادة منها، وعكسها في سياسات حمايتهم، كما هو الحال بالنسبة للجنة الوطنية، التي تشكلت في مطلع العام الجاري. وورشة عمل»دور الأسرة التي لديها أطفال شرعيين في تنشئة ورعاية الأطفال مجهولي النسب. الدستور