الدولة وكرامة المواطن

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/28 الساعة 00:34

العلاقة بين الأردنيين والكرامة علاقة جدلية فهم يعشقونها ويتوقون لها ويتغنون بها وبمعانيها وفي الوقت نفسه يفاجئون أحيانا بانهم مجبرون على العيش في ظروف والمرور بمواقف تسلبهم شيئا منها. منذ نعومة أظفارهم وفي الصفوف الأولى يتعلم أطفالنا أن الاردن يقع في الجزء الآسيوي من العالم العربي.. ويتعرفون على الحضور الطافح لمفردة الكرامة في أسماء الأماكن والأشخاص والصفات والأفعال. فبلادهم محفوفة بالكرامة من الشرق والغرب.

ولا ينسى الصغار مهما كبروا أن معركة الكرامة تتصدر تاريخ انتصارات جيش بلادهم وأن قصائد الشعراء وأحاديث الآباء وأغاني المطربين مشبعة بذكر الكرامة؛ فيتذكرون جيدا الراحل إسماعيل خضر في أغنية "أنا الأردن" التي تقول (صنع الأمجاد شعبي بالشهامة.. يحمل الفأس بساعد.. يحمل الرمح بساعد..صاغ نصر العرب في يوم الكرامة). ويرددون مع ديانا كرزون (راسك في العالي مرفوع الهامة...انتا اردني اهل الكرامة).

في كل يوم يجري الحديث عن الكرامة ويستعين الناس بالدين والتقاليد والحكم والشعر والأقوال المأثورة غير آبهين إلى حقيقة أن بعض الأفراد والشرائح الاجتماعية يفتقرون إلى مذاق الكرامة الحقيقية وأن معاناتهم تتضاعف عاما بعد عام. الفقر والجوع والبطالة والتمييز والفساد وغياب العدالة وضعف التخطيط وتراجع الاهتمام بالتنمية وبناء قدرات الانسان والحروب بعض من الأسباب التي نالت من كرامة الانسان وحالت دون التقدم في اتجاه الرفاه والسعادة التي طالما حلم بها إنساننا العربي.

اضافة الى ذلك شكل البناء الاجتماعي وما فيه من تراتبية على أسس العمر والنوع والدين والانتماء والثروة والتعليم والرتبة عاملا مهما في تبرير التمييز والتباين في تعامل سلطات ووحدات وتنظيمات المجتمع مع الافراد والجماعات. ففي مجتمعاتنا يحصل المراجعون وطالبوا الخدمات من الدوائر والمؤسسات الحكومية على درجات متفاوته من الترحيب والاحترام والسرعة تبعا لمواقعهم ومكاناتهم في البناء الاجتماعي.

ففي كثير من الحالات يجري الاعتداء على حقوق الأفراد والجماعات واقصاؤهم وتهميشهم لحساب اشخاص وفئات اخرى تحت مبررات الاحترام والتقدير والامتيازات والاستحقاق لاعتبارات ترتبط بالرتبة أو القرابة او النفوذ متجاهلين مبادئ المساواة والحق والعدل وتكافؤ الفرص التي نصت عليها الدساتير والشرائع واللوائح الداخلية للمؤسسات.

في كل مرة يجتمع فيها الأقارب أو الأصدقاء يتبادلون عشرات القصص والروايات عن الانتهاكات التي وقعت على حقوقهم أو حقوق أشخاص آخرين في محيطهم. الكثير من التوتر والانفعالات والمشاجرات التي تحصل ونشهدها في الأماكن العامة والميادين ترتبط بإحساس الأفراد بتعديات الآخرين على حقهم او الخوف من حصول هذا التعدي. بعض الاشخاص الذين يحرصون على مواجهة الغير بملامح جدية يلجأون لذلك كإجراء وقائي لحماية حقهم والدفاع عن كرامتهم.

الكرامة قيمة وحق إنساني لا شروط لنيلها والاستمتاع بها. وقد نصت الشرائع والدساتير على ضرورة وجودها وصيانتها وسموها على كل الحاجات والقيم والمبادئ. في الإسلام وسائر الأديان السماوية تأكيد على الكرامة كسمة للإنسان جعلته فوق المخلوقات وأكسبته القدرة على إدراك حق الاخرين فيها وتطوير مفهومها ليشمل كل ما من شأنه احترام الانسان وتقدمه ورفع منزلته وتحسين شروط معيشته.

في غالبية المجتمعات المعاصرة تعتبر كرامة الانسان امرا مقدسا لا يجوز المساس بها وتتحمل الدولة بكل سلطاتها مسؤولية احترامها وصيانتها وحمايتها؛ ففي الدستور الألماني يتقدم النص الخاص بمسؤولية السلطات حيال الكرامة على كافة مواد الدستور ويشمل الحق كل البشر دون اشارة او تخصيص للعرق أو الديانة أو الجنس.

في مجتمعاتنا يشكل بعض الفقراء والمسحوقين والمهمشين اضافة للعاطلين عن العمل والمعتدى على حقوقهم وضحايا التمييز والمحرومين من الفرص المتساوية طلائع الجماعات المستعدة لافتعال العنف وإثارة الشغب والانضمام للجماعات المعادية للمجتمع والخارجة على سيادة القانون.

عبارة "ما بسمح لك" وغيرها من التعبيرات التي يتسلح بها من يشعرون بالخوف والتوتر والقلق وربما الإحساس بالظلم تشكل مؤشرا مبكرا على استعداد أصحابها لمعاداة المجتمع وربما الخروج على سلطاته.

الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/28 الساعة 00:34