الراجحي يكتب: «الآن حصحص الحق»

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/26 الساعة 14:49
د. مناور بيان الراجحي
رئيس قسم الاعلام-جامعة الكويت مشهد 1: في مطلع العام 2014، قبل أربعة أعوام بالتمام، أجلس مع ابني الحبيب طلال في مدينة "ناشفل" بولاية تينسي الأمريكية، قائلاً: ابني الحبيب أنت لم تعد صغيراً، وأنت أكبر إخوتك، يجب أن تعرف ما يدور لأننا مقبلون على مرحلة صعبة قد تزلزل أركان أسرتنا السعيدة وبيتنا الجميل، ابني الحبيب لقد وقعنا ضحية عملية نصب كبيرة من قبل شياطين المال..."، لا أعلم من هم لكن حتماً أنهم شياطين وساعدهم من هم على شاكلتهم، لقد زوروا واختلسوا ملايين الأموال من البنوك باسم شركتنا، مع تزوير توقيعاتنا أنا ووالدتك الطيبة الحبية، واستغلال عدم وجودي في البلاد، فاعلم ابني الحبيب أن الموقف صعب، وأدعو الله أن ينجينا منها علي خير، أقول هذه الكلمات وقلبي يتفطر علي ولدي الذي يتلقى أول صفعة قوية من الحياة. مشهد 2: أعود الي الكويت أسلك أقصر الطرق، أحاول أجلس مع أصحاب المؤسسة المالية الكبيرة أملاً في وجود حل للمشكلة، لنتوصل سوياً إلى هؤلاء الشياطين الذين كانوا أمامي بكل جبروت السرقة والكذب والتدليس والتزوير، لأعلم يقيناً أن الطريق طويل وأن الابتلاء شديد، فاللهم أعني على التحمل، ساعتها نظرت إلى حيطان تلك المؤسسة، وقلت من يضحك أخيراً يضحك كثيراً، فلا تتعجل، فلم ينته الدرس يا غبي. مشهد 3: أعوام من الدموع تبلل القلب قبل العين، أبحث في هاتفي عن من أتصل به، فلا أجد؛ بل إن البعض أصبح لا يرد على اتصالاتي ويتهرب مني، المشكلات والشروخ أصبحت تظهر في محيطي الاجتماعي، والمقربون مني يسألونني: ما بك فأكتفي بالصمت، في لحظات كثيرة أدعي الضحك والسعادة أمام الوجوه التي تحوطني، وفي القلب بركان من الألم لا يعلم قدره إلا الله، مع انحسار الناس شيئاً فشيئاً، كان اليقين يزداد شيئاً فشيئاً، وفي لحظة خلوة نادرة، فهمت جيداً رسالة قوية غيرت مجرى حياتي، فالأسباب والظروف تنقطع من حولي، لألجأ فقط الى مسبب الأسباب ورب الأرباب، فكان هذا هو الدرس، وكان هذا هو الثواب، فاللهم ثبث قلبي على التعلق بك، وبمحبتك. مشهد 4: أنزل من على عتبات سلم المحكمة بعد استلامي تقرير الأدلة الجنائية المرسل إلى نيابة الأموال والخاص بالتزوير مسرعاً من شد الفرح متمتماً بكلمات الحمد والشكر للمولى عز وجل، ومردداً "الحمد لله بعد أربع سنوات.. الآن حصحص الحق". وفي اليوم التالي أجلس مع أخي المحامي "خالد" أمام قاعة المرافعات، ولساني يلهج بالدعاء أللهم أسبقني إلى قلوبهم، ويساعدني في إيصال مظلمتي ورسالتي لكل الحاضرين. مشهد 5: يفسح لي سيادة القاضي المجال للحديث عن مظلمتي، فيُجري الله على لساني فيضاً من الكلمات التي لم أكن أتوقع أن تعبر عن كل البراكين التي تغلي في داخلي؛ ولكن الحمد والشكر للقادر المنان الذي أعانني ووفقني وأراحني. أقول: سيادة القاضي أربعة أعوام كنت فيها ما بين مخفر ونيابة ومحكمة، على جرم لم أرتكبه، وعلى قروض وأموال لم أعلم عنها شيئاً، وعلى توقيع لم تخطه يداي، ولم أكن فيها حتى في البلاد، أربع أعوام من العذاب والصبر والبكاء، أربع أعوام من الانكسار والحصار والعزلة عن الصحبة والأهل والتواصل مع الناس، والتخلي عن الأحلام والطموحات، أربع أعوام لم أقضها في سجون الداخلية، وإنما قضيتها في سجون الحياة المؤلمة التي جعلت الأرض تضيق عليّ بما رحبت، فلم أجد ملجأ إلا إلى الله، والى الله كان المشتكى، وبه كان التوفيق والنصرة، والحمد لله، بعدها وقف الحضور فقلت ربي سبقني لقلوبهم نعم "الآن حصحص الحق". رسالة خاصة لأهل بيتي وأسرتي: بعد أربعة أعوام من العذاب والألم، فتح الله لنا صفحةً بيضاء جديدة، تشرق الشمس فيها على بيتنا وتعود الحياة لنا بصفوها وحلوها، أسرتي الكريمة عذراً على هذه المرحلة، فلقد مرت بعض اللحظات كدت أضيع فيها من نفسي، وأنتم أغلى علي من نفسي، فاسمحوا لي أن أعوضكم على صبركم وتحملكم معي، وبإذن الله القادم أجمل. رسالة لأهل ديرة الخير: شكراً بلدي العظيمة أرض الخير، شكراً قضاءنا الشامخ، شكراً يعانق السماء لأخواني المحاميين ثامر ومبارك وجميع العاملين في مكتبهما، شكراً لكل أهلي وأصدقائي وزملائي الذين ساندوني ووقفوا بجانبي ولك من دعاء لنا في ظهر الغيب. رسالة إلى شياطين المال: بالنسبة لكم لم ولن ينتهي الدرس؛ ولكني أعدكم بالمزيد من الدروس خلال الفترة القادمة، اتقوا الله فينا، فإن أصحبتم كباراً، فانظروا كم بيتاً هدمتم، وكم أسرةً أفقرتم، وكم ذنباً اقترفتم، وكم خطأً ارتكبتم، وكم انهياراً في اقتصادنا احدثتم، يارب لك الحمد كما ينبغي لجلالك وعظيم شانك، اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك يا أكرم الأكرمين، ويا أعدل الحاكمين.
  • رئيس
  • مال
  • الطيبة
  • لب
  • لحظة
  • نادرة
  • محكمة
  • قروض
  • كريمة
  • اقتصاد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/26 الساعة 14:49