شجر ومطر وشوية لصوص ..

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/21 الساعة 00:54
السرقة المادية مؤذية بالنسبة لمن تمت سرقته، لكن المؤذي أكثر سرقة الجهود والمعاني، ومصادرة حقوق الجميع من قبل فئة اقترفت السرقات في كل مراحل حياتها، فأصبحت قلوبها مغلفة بطبقات من صدأ..كيف يمكنك أن تحدث هؤلاء عن قداسة الشجرة وخير المطر ومصلحة الوطن؟! .. بالتأكيد ستكون المهمة صعبة، ولنقل شيئا عن الشجر وعن المطر الذي انهمر: في الوقت الذي تقدم فيه مؤسسات الدولة الأردنية جهدا موصولا لحماية الشجرة وتكثيرها، لتوسيع رئة الوطن وتلطيف قسوة الحياة على الكائنات، تجد من يتعامل مع الشجرة باعتبارها «لقيّة وهديّة»، له الحق في اغتيالها من أرضها، وتحطيبها وبيعها من أجل قروش معدودة، ويتغاضى عن كل تلك الجهود التي تقوم بها الدولة والناس لرعاية الشجرة وحمايتها، فكلها تتجه من أجل تخضير الحياة والقلوب لتحاكي معنى الجنة، لأن أحد معاني الجنة هو «الخضرة..التي رمزها الشجرة»، لذلك قالوا عن البساتين جنان وعن الحديقة «جنينة».. لكن القلوب غلف؛ ولا تشعر أو تعقل، وستجد من يعترض على القول إن القلب يعقل ويفكر ويفهم ويتيقن ويتقي .. المنخفض الجوي أودى بحياة أكثر من 100 شجرة في المدن، وهي أشجار تزين المنازل والطرقات وتجعل الدنيا من حولنا أجمل، وتورف على القلب رقة يدركها المحروم منها، الذي يعيش في صحراء حيث لا شجر ولا مطر، ولصوص الحطب -أيضا- اعتدوا على الأشجار وعلى حراسها من طوافي مديرية الحراج، ولا أجد كلاما يصف رداءة أنفس هؤلاء الذين يحطبون عنوان الحياة ليبيعوه في سوق الفحم الأسود، هل القصة مجرد جوع مقيم؟! على أي حال لن يشبع المبتلى به أو يروى.. لا أفهم كيف يقوم أحدهم بقطع شجرة عمرها عشرات السنوات على أقل تقدير ليكسب دينارين او 5 دنانير من مال حرام؟ هذا ما أسميه انمساخا وانعكاسا في كل السياقات، فحتى الحيوانات السائمة ترعى الشجر ولا تغتاله، فهي تتركه كي ينطلق بحياة خضراء متجددة، لكن هؤلاء ينتزعون حياة الشجرة وينتزعونها من حياتنا لتصبح أكثر قسوة. حتى المطر رغم أنه نعمة غيبية أخرى؛ وجدنا في الأسبوعين الماضيين من يشكك بوجوده في حياة البشر، فخرج علينا مختصون يحذروننا من أقسى صيف، وتساءل بعضهم عن مياه المجاري وأين ستجري من حياة المواطنين بعد انحباس المطر! وقالوا إن الأردن سيلجأ الى هذه المياه، وكأنهم تأكدوا من أن رحمة الخالق رفعت عن الأردن، وأصبح بلدا صحراويا لا يدركه الغيث الإلهي، لتجيبهم السماء بمطر منخفضين انهمر سويعات مع كل منخفض، ليستقر في سدودنا أكثر من (70) مليون متر مكعب من ماء، ويصبح حجم مخزونها أكثر من (100) مليون متر مكعب، ويزيد منسوب الماء فيها ليبلغ حوالي ثلث المخزون الكلي لسعتها الكلية المقدرة بـ (330) مليون متر مكعب، وقد «فاض» بعضها كسد الوالة والموجب واللجون ..ماذا ترانا نقول عن هذا النوع من فقر الإحساس والمشاعر والعقل؟ ألا يخجل هؤلاء من الإساءة لبلدهم عندما يتحدثون بأن مياهه ستعتمد على المياه العادمة؟ أي علم هذا وأي خبر!. في هذا الأسبوع ربما أحدثكم عن بعض المرضى، الذين «عميت قلوبهم» وتآكلت بالحقد على كل جهد أردني يقوم به مواطن أو مسؤول، ولا أكتب عنهم للتحذير منهم فقط، بل لأنني ما كنت أعتقد قبل هذا بأن هذه الكائنات تعيش بيننا، أنا أشعر حقا بأنهم حالة تستحق الوقوف عندها، تقصيا لمصادر صناعة الجهل والتخلف والأزمات في بلد مبتلى بهؤلاء، وبمكائد ومصائد مجرمين يقبعون خلف وأمام الحدود. انهمري بالعطر، وبقطر ندى منساب من أوراق الشجر، واهدري بشلالات من حبات المطر..أغرقينا؛ لكن بطوفان هالات ضوء الشمس والقمر..انهمري رقة كي يزهر القلب وتنبجس عيون الضوء من قلب حجر. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/21 الساعة 00:54