ترك التدخين ببساطة مذهلة

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/17 الساعة 00:23

أود أن اعيد هنا، بسط تجربتي السهلة البسيطة، في التخلص من وباء التدخين الذي تخطيت شروره ومضاره، بيسر وبساطة، لأنني اسمع باستمرار، أصدقاء عقلاء يقولون إنهم لا يتمكنون من ترك التدخين. وأحيانا يعلنون أن ضغوط الحياة وأحوال الأمة، تُكرِهُهم على التدخين، الذي يجدون فيه ضالتهم وسلواهم.

راجعت الطبيب لآلام في قدمي، قال لي إن جسمك مرسومٌ رسماً، فما الذي تفعله، قلت: أمشي يوميا. قال مستغربا: ولكنني أرى علبة السجائر في جيب قميصك، فكيف تجمع بين الرياضة ونقيضها ؟!!

كنت امشي في كل صباح لفَّةً كاملة طولها 5 كيلومترات في غابة الهلتون القريبة من منزل السفير في الرباط، التي تتميز بمساحتها الفسيحة وبأشجارها الباسقة وبزهورها المتنوعة، وذلك طيلة مدة خدمتي سفيرا في المغرب التي استمرت من آب 1998 إلى تشرين الأول 2003.

كانت جملة الطبيب المغربي ترنّ في رأسي، اقلبها بين حين وآخر وأثني على ما فيها من نصح. وكانت ترن في رأسي أيضا، ملاحظة ودودة من صديقي سفير سلطنة عمان في المغرب، الذي قال لي: كل شيء فيك ممتاز يا
بوعمر، الا شيء واحد!. قلت: الحمد لله انني بسيئة واحدة لا اكثر. وسألته: ما هو هذا الشيء «العاطل» الذي تراه فيّ أخي أبو علي؟ رد جادا: عادة التدخين التي لا تتناسب مع وعيك.

حل اليوم الموعود. خرجت من غابة الهلتون، وكانت الساعة السابعة صباحا تقريبا، ماشيا إلى المنزل القريب، وأنا غارق في العرق والنشوة، ولما حاولت أن آخذ نفساً عميقاً، كما افعل بعد أن أُنْهي المشي الصباحي، تعثر النَّفَسُ و»دَقَر» ولم يخرج متواصلاً سلساً كما في كل مرة!! كان مثل «جعرة» مبدل السرعة «القير» عندما لا يتحرك بانسجام.

قلت لنفسي: نَفَسي يتعثر الان، فكيف يكون بعد مرور عشر سنوات من التدخين؟! وقلت لنفسي: هل يجب أن تنتظر الجلطة يا محمد حتى تقلع عن التدخين؟! وصلت إلى المنزل واتخذت أسرع وابسط قرار في حياتي على الإطلاق.طلّقت التدخين. كان ذلك في حزيران عام 2002 بعد تدخين لا إفراط فيه، استمر نحو ثلاثين سنة.

أقولها بأمانة وبوضوح، إنني تركت التدخين ببساطة متناهية، لم أتوقعها أبدا، تركت عادة التدخين المدمرة، بلا أية «آلام» وبدون «تخطيط» ولم اشترِ بزرا ولا ملبسا ولا علكة وحتى إنني لم احلف على المصحف، ولا حلفت بالطلاق، لألزم نفسي ولأعزز صمودي وثباتي، ولدرء إمكانية العودة إليه مجددا.

منذ ذلك اليوم، قبل نحو 15 عاما، وأنا أتناول شراب (Mucosolvan) المضاد للبلغم مرتين في العام، ولا تزال بقايا البلغم هناك في رئتيّ. لم تكفِ 15 عاما، من الامتناع الكلي عن التدخين، ومن فرض القيود الصارمة على التدخين السلبي على الأصدقاء الأعزاء، الذين تحمّلوني ولا يزالون، إلا أن مفعول التدخين الشديد الضرر، لا يزول لمجرد التوقف عن معاقرته. المهم أن 15 عاما وأكثر قد مرّت على تركي التدخين، ونَفَسي لا يتعثر ولا «يدقر»، بل أصبح متواصلا سلسا، كما أحب وأريد.

تحاشيت أن أسوق الأمثلة والمعلومات العلمية على مخاطر التدخين ومضاره، لأن من أوجه لهم هذه الملاحظات، يعرفونها. وهي مبثوثة على «الجوجل» وغيرها من محركات البحث على الانترنت، ومن الطبيعي أن يتهمني البعض بالحكمة المتأخرة أو بالإشارة إلى أنهم سيتوقفون عن التدخين بعد أن يدخنوا 30 سنة كما فعلت.

حسنا، إن «جهلي» 30 سنة لا يوفر مبررا للأصدقاء، لتكرار الخطأ الذي وقعت فيه، كي لا أقول الخطيئة التي ارتكبتها بحق نفسي وبحق الآخرين، وتنبهت لشرورها في الوقت المناسب. وفي تقديري المعتمِد على تجربتي المباشرة، إن ترك التدخين هو قرار أبسط من أكثر القرارات التي نتخذها، لأن وضوح منسوب الضرر الناجم عن الاستمرار فيه، مُجْمعٌ عليه وهو ضرر واضح جليٌ لا مراء فيه.

لا تخطط لترك التدخين يا صديقي المبتلى به، لا تنتظر شهر رمضان لتستعين وتستقوي به على التدخين، فعادة التدخين ليست قوية كما تتوهم وليست «كِتْبة» تظل معك إلى الأبد، وترك التدخين يجب أن يتم الآن وفورا وبلا تخطيط وبلا أَيْمان مغلّظة وبلا إبطاء أو إرجاء.

إِعزِم/ي وتوكل/ي على الله.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/17 الساعة 00:23