أبو غنيمة يسأل: لماذا المعارضة في الأردن تُهمة وجريمة؟!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/19 الساعة 00:23
د. أحمد زياد ابو غنيمة

أذكر ان الوالد رحمه الله حضر لقاءً على شرف أحد الامراء في منزل رئيس وزراء سابق ذات مساء في العام 1998 حضره العديد من أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة وكان تقريباً هو الوحيد المحسوب على المعارضة في ذلك اللقاء.
ذكر لنا رحمه الله أنه بعد ان استمع لكلام العديد من الحاضرين قبل قدوم الامير وهم يتحدثون عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها البلد في ذلك الوقت، أيقن أن هذا اللقاء سيكون الاول والأخير له مع احد افراد العائلة المالكة، فقد انقلب حديث الجميع بعد قدوم الامير إلى انقلاب مواقفهم من الهجاء والرثاء للاوضاع إلى المديح والثناء لما تشهده البلاد من رخاء وازدهار ورغد العيش.
وحين جاء دور الوالد للحديث بحضرة سمو الأمير، قال له:" يا سمو الأمير مُعظم الحاضرين تحدثوا قبل حضورك بعكس ما تحدثوا به بعد حضورك، وانني أقول لسموك ان لا تُصدّق ما يقولون فالوضع غير ما قالوا بحضورك ". وكان ذلك هو اللقاء هو الاول والأخير للوالد رحمه الله كما تنبأ تماماً.
أستذكر هذه الواقعة للوالد رحمه الله ، ونحن نعيش في وطننا أزمة ثقة بين مؤسسات الدولة وبين افراد الشعب، وبين مؤسسات الدولة وبين المعارضة السياسية الوطنية، ومبعث هذه الأزمة أن الشعب والمعارضة السياسية الوطنية باتوا على يقين كامل أن الحكومات المتعاقبة تنسى وتتغافل انها كانت في يوم من الأيام من أفراد الشعب قبل أن تُصبح في مواقع المسؤولية، فتبدأ هذه الحكومات بالتفكير في جيوب المواطنين وكيف السبيل إلى سد عجز موازناتنا عبر سنين طويلة من جيوبنا، يُفكرون في جيب المواطن ولا يُفكّرون بتقليص نفقاتهم ومصاريفهم وتوزيع العطايا والهبات والمناصب وعضويات مجالس الإدارة على من اعتادوا التصفيق لهم في كل شاردة وواردة.
شهد تاريخ الأردن السياسي نماذج مضيئة من المعارضة السياسية، سواء كانوا أفراد او جماعات أو تيارات أو أحزاب ، ولم يشهد الأردن في تاريخه المُمتد لعقود طويلة أية حالة لتصفية مُعارض أو إعدامه، وهذا يُسجل للنظام السياسي في الأردن استيعابه لكل أنواع المعارضة السياسية أفراداً وجماعات وأحزاب ، حتى تلك التي ثُبت عليها مشاركتها في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 1957 أو تلك التي كانت تدعو من عواصم عربية لقلب نظام الحكم وأن "الطريق لتحرير القدس لا بد أن يمر من تحرير عمان!".
منذ عدة سنوات ونحن نشاهد الفجوة تتسع بين مؤسسات الدولة السياسية والأمنية وبين المعارضة السياسية الوطنية، فيتم استبعادها من أية حوارات مع أركان الحكم في الدولة ومع أصحاب القرار، فلم تعد مؤسسات الدولة كما يبدو تتقبل أي رأي معارض لسياستها، ولم تعد في بعض الأحيان تتحمّل ان تُشاهِد فوزاً لتيار سياسي في نقابة أو جمعية أو نادٍ.
المُعارضة السياسية المؤطرة حزبياً أو فردياً في أي بلد هي مصدر قوة للدولة وليست مصدر ضعف، وهي المقياس الحقيقي لتقبُّل الدول للرأي والراي الآخر ، وهي المرجع لتصويب أي خلل في سياسات الدول ، وخصوصاً إذا كانت تُعرف بأنها مُعارضة وطنية لسياسات الدولة وليس معارضة لنظام الحكم.
استمرار مؤسسات الدولة السياسية والأمنية في شيطنة معارضيهم وإطلاق مختلف التهم ضدهم واعتقالهم ليس في مصلحة الدولة ومؤسساتها وشعبها، وخصوصاً ونحن نعيش في سلسلة من الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية الخانقة، التي تستدعي استنفار كافة القوى والتيارات والأحزاب المُعارضة منها قبل الموالية للبحث في الآليات المناسبة للخروج من هذه الأزمات بتصورات وطنية وسياسية تخدم استقرار وطننا وحفظ امنه واستقراره.
يستذكر الأردنيون باعتزاز وفخر صورة متداولة للخال الشهيد وصفي التل أبان كان رئيساً للوزراء وهو في زيارة لدائرة المخابرات العامة في عمان آنذاك، ويقال شرحاً للصورة ( بانه عندما زار ” الشهيد وصفي التل ” دائرة المخابرات رأى الاف الملفات تملأ رفوف احدى الصالات هناك، وعندما سألهم عنها قالوا له: بانها تتعلق بحركات وافراد يعملون ضد الوطن. فغضب كثيراً وقال لهم : ليس كل من لا يوافقنا خائن والاردنيون شرفاء لا يعملون ضد وطنهم، وامر بحرقها واشرف على ذلك بنفسه).
"ليس كل من لا يوافقنا خائن"... هذا ما قاله الشهيد وصفي التل قبل خمسين عاماً، فهل نسمعها الآن !!!
لماذا المعارضة في الأردن في وقتنا الحاضر " تُهمة " و" جريمة "!!
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/19 الساعة 00:23