مؤسسات الدولة تخضع للهيكلة
يمكن القول إن الدولة الأردنية شرعت ومنذ أكثر من سنة تقريبا بعملية واسعة وعميقة لإعادة هيكلة مؤسساتها الرئيسية شملت أيضا السياسات الاقتصادية والتشريعات الناظمة لعمل عديد السلطات والمؤسسات.
العام الماضي أنجز البرلمان حزمة متكاملة لتطوير التشريعات الخاصة بالمؤسسة القضائية، ودخلت كلها حيز التطبيق. المؤشرات الأولية تفيد بوجود تحسن ملحوظ في الأداء وسرعة البت في إجراءات التقاضي والرضى العام عن مستوى الخدمات.
القوات المسلحة الأردنية "الجيش العربي" أهم مؤسسات الدولة، تخضع منذ قرابة العام لعملية إعادة هيكلة واسعة لوحداتها وأسلحتها ومواردها البشرية لتعزيز قدراتها والاستجابة للتهديدات في إقليم يشهد وسيشهد تحديات غير مسبوقة. وتحرص قيادة الجيش، كما في اللقاءات التي يعقدها رئيس هيئة الأركان المشتركة مع المتقاعدين العسكريين، على توضيح وشرح خطط الهيكلة لأبناء المؤسسة من العاملين والمتقاعدين، لقطع الطريق على محاولات البعض لتشويه الصورة.
في الأثناء تبنت الحكومة برامج اقتصادية لتقليص الهدر في الدعم الاجتماعي، وكبح جماح المديونية وعجز الموازنة، وإحلال مبدأ الاعتماد على الذات بدلا من الاعتماد على المساعدات الآخذة في التراجع سنة بعد أخرى. وفي الطريق مشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل لمعالجة التهرب الضريبي، وشمول فئات جديدة في أحكامه.
وعلى قائمة مهمات الحكومة تحدي إصلاح القطاع العام، وترشيقه قدر المستطاع، وتحسين مستوى أداء المؤسسات الحكومية. وتشهد معظم دوائر الحكومة إحالات مستمرة على التقاعد تشمل المئات ممن بلغوا السن القانونية، مع سعي مبرمج لتسريح من يثبت عدم كفاءتهم من الموظفين، وضبط عملية التوظيف في القطاع العام. ومن المقرر أن تخضع مؤسسات حكومية مهمة لعمليات هيكلة واسعة في الأشهر المقبلة.
ويمكن قراءة الترتيبات الجديدة الخاصة بالمعالجات الطبية "الإعفاءات" في ذات السياق الذي يهدف لتخفيض الكلفة على خزينة الدولة، وحصر الخدمة بغير المؤمنين من المواطنين.
ينبغي النظر إلى هذه التحولات في سياق واحد، ومحاولة رسم تصور لما سيكون عليه حال مؤسسات الدولة بعد استكمال برامج الهيكلة والإصلاح، وطبيعة علاقاتها مع المواطنين ودرجة الثقة التي تحوز عليها.
هنا تبرز تحديات تنطوي على قدر كبير من الأهمية والخطورة تصاحب مرحلة التنفيذ وما بعدها، وتستدعي من المسؤولين في مراكز صناعة القرار التشبيك في التحليل والتنفيذ، لمعالجة الآثار الاجتماعية والسياسية والأمنية المترتبة على عملية إعادة الهيكلة، واحتواء التوترات في المجتمع، والقلق في أوساط العاملين بالمؤسسات، خاصة أن المرحلة المقبلة ستقتضي مراجعة لقوانين وأنظمة التقاعد في الدولة.
إن حساسية العملية تكمن في توقيتها، حيث تمرّ البلاد في مرحلة اقتصادية صعبة فاقمتها اضطرابات الإقليم، والتبدلات في سياسات الدول الحليفة والداعمة للأردن. لذلك يتعين العمل وبسرعة لتطبيق سياسة التشغيل المعتمدة للحد من البطالة في أوساط الشباب، وضبط إيقاع الأسواق للحؤول دون موجات جديدة من رفع الأسعار، والتعامل بحكمة مع نقاط التوتر الاجتماعي والبؤر الساخنة، وتطبيق القانون بإنصاف على الجميع.
وتقتضي الحكمة أيضا التأمل بالمشهد السياسي، والبحث في فرص تحسين مخرجات العملية الانتخابية ودور الأحزاب والنخب السياسية.
ما يشهده الأردن هو في اعتقادي أكبر عملية تحديث وهيكلة يشهدها في تاريخه، وينبغي مقاربتها بأفضل طريقة لضمان عبور محطاتها الصعبة.
الغد