تشوهات في وجه المجتمع
مع غياب اجهزة الرصد والمتابعة للظواهر الاجتماعية المُصاحبة للاوضاع الاقتصادية الصعبة , ترتفع وتيرة الاعتداء على هيبة الدولة والتطاول على حقوق الافراد والمؤسسات وتتنامى وتيرة تحصيل الحق بالقوة الفردية او العائلية والاخطر ظاهرة العصابات المنظمة التي تقوم بمهام الدولة في تحصيل الحقوق وأخذ الاتاوات مقابل الحماية من العصابات المنافسة , ورغم الحديث بصوت مرتفع من قطاعات تجارية هامة الا ان ردود الفعل ما زالت محصورة في جمل التبرير الممجوجة عن مناقضة هذه التصرفات للاخلاق الاردنية ومخالفتها للعادات الاجتماعية السائدة.
خلال اسبوع واحد ودون فواصل تناقلت الانباء , اخبار الاعتداء على عاملين في احدى الكسارات وانتشر فيديو صادم جدا للاعتداء بحكم ان الضحية احد اصحاب الاعاقة , وامس كانت صورة وزير العمل منتشرة وهو يزور احد ضحايا العنف المجتمعي وهو مدير شركة قام بالاعتداء عليه مستثمر في قطاع النقل , اي ان الازمة تتفاقم وبات الاستثمار مهددا , ليس بالقوانين الطاردة بل بالتصرفات المسلكية الطاردة , ونعلم جميعا ان هناك مناطق ساخنة يبتعد عنها الاستثمار لما سمعه المستثمرون الجدد او المفترضون من سابقيهم , فهم يدفعون اتاوات على اشكال متنوعة , منها التعيينات الجبرية في المؤسسات دون حضور , وكذلك دفع اتاوات لاشخاص نافذين في المنطقة .
المجتمع الاردني يعيش حالة تناقض حاد على المستوى الامني الاجتماعي , فهو يرى صلابة أمنية مقدّرة ومحترمة من الجيش والاجهزة الامنية وقوات الدرك في ردع الارهابيين وصدّ ارهابهم قبل وقوعه مما يستوجب ليس رفع القبعة لهم بل واعلاء شأنهم كحرّاس للوطن وهيبته , مقابل تراخٍ مستفز احيانا من الاجهزة الشُرطية وتحديدا جهاز الامن العام , الذي يدرك طبيعة التحول في السلوك الجُرمي ويعرف اصحاب الاسبقيات واسلوب عملهم , بل انه مصدر معلوماتنا عن هذه التحولات واشكالها .
نحن كدولة وكأفراد نعتز ونفتخر بمستوى الامن والامان وربما هذه بضاعتنا الرائجة في الاقليم وهذه احدى ابرز عوامل جذب الاستثمار والسياح , فهل نخسر هذه التجربة الفريدة من الخاصرة السهلة جدا , فالنجاح الذي تحققه المؤسسة العسكرية والامنية مدهش للقريب والبعيد رغم انه عمل صعب جدا ويحتاج الى مجهودات جبارة تعجز عنه دول كبرى وذات امكانيات اقتصادية هائلة , بل ان راتب احد افراد تلك الاجهزة في تلك الدول يفوق راتب قائد جهاز امني في بلدنا بأضعاف , فلماذا الخلل وما هي ادوات معالجته , سواء القانونية او الـتأهيلية والتدريبية والادارية , حتى نحقق التوازن بين الصعب والسهل , عكس كل دول الدنيا , حيث ننجح في الصعب ونخسر في السهل .
لست من انصار نظرية المؤامرة , لكن ذلك لا ينفِ اننا بلد مستهدف من دول وتنظيمات ارهابية , فالنجاح الذي يحققه هذا البلد على المستويات القومية والانسانية يجلب الاحقاد والارهاب , ومواقف الشعب الاردني وقيادته محط اعجاب الجميع , وليس مقبولا ان نعجز عن مواجهة ظاهرة العنف المجتمعي وسطوة المجرمين واصحاب الاسبقيات , ولا يجوز تكريس نمط الاعتداءات على الاستثمارات بحجة الصلح العشائري واسقاط الحق الشخصي , فثمة ظواهر تتصاعد تنسف كل ما تبنيه الجهود الامنية العظيمة , فالامن الداخلي والوضع الداخلي هو الذي يمنحنا المقدرة والقدرة على مواجهة حرائق الاقليم وتداعياته القاتلة , والهيبة لا تتجزأ , والكل يشكو من تزايد مظاهر العنف الاجتماعي وتزايد مظاهر الاعتداء والتطاول على القانون سواء من نافذين ومسؤولين واتباعهم ومحاسيبهم او من المواطنين الذين استسهلوا كسر القانون والتجاوز عنه.
الدستور