«الوضع الراهن وآليات بناء المناعـة الوطنيـة الأردنية»
مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/07 الساعة 14:54
مدار الساعة - كتب .. أ. د. أمين مشاقبة
ان المملكة الأردنية الهاشمية تمر بمرحلة صعبة وضغوط متعددة الجوانب، جزء منها لمواقفه العروبية الأصيلة في الدفاع عن القدس الشريف والقضية الفلسطينية، وقيادته للحراك الدبلوماسي على المستويين الإقليمي والدولي، وجزء آخر يعود لاستمرار الأوضاع الإقليمية الراهنة وعدم إيجاد حلول للأزمات المحيطة بالأردن، وأخيراً فإن الأوضاع الاقتصادية من عجز الموازنة العامة، وحجم المديونية وتدني المستوى المعيشي وارتفاع الأسعار إلى ذلك ذلك، جميعها عوامل مؤثرة على الوضع العام للدولة.
إن الحالة الراهنة تتطلب وقفة أردنية شعبية داعمة للأردن الدولة وللقيادة في مساعيها لحماية الأردن وأمنه ومستقراً. وعليه إن بناء جبهة وطنية داخلية أمر يفرض نفسه علينا حماية للوطن الدولة ومؤسساتها العريقة.
إن وعي الشعب الأردني بكل مكوناته الاجتماعية ظاهر للعيان وأمر حيوي فحالة الإدراك للراهن تدفع بنا إلى الدفع بحالة الوعي والإدراك الوطني للأوضاع السياسية والاقتصادية إلى الأمام، وأهمية الوقوف مع القيادة العقلانية، والحكيمة والرائدة والمؤسسات الأمنية، والأجهزة المختلفة من أجل الخروج من المرحلة الصعبة والولوج إلى مستقبل أفضل، وهذا ليس سهلاً بالمطلق وإنما يحتاج لحالة الوعي والإدراك لدى المواطن الأردني، ودرجة التحمل لفترة وجيزة من الزمن، ولكن الوعي والتحمل وحدهما لا يكفيان، إنما المطلوب العمل الجاد والدؤوب والمخلص لإيجاد حلول اقتصادية عصرية للمشاكل القائمة والبحث عن بدائل عملية خلاقة لمعالجة الأزمات المختلفة من إدارية، واقتصادية، واجتماعية وسياسية، وقبل الولوج في البحث عن الحلول لهذه الأزمات علينا أن نبرز الحال الراهن على الصعيدين الإقليمي والدولي.
إننا أمام إدارة أمريكية تمثل اليمين المحافظ المتصهين وهي صهيونية أكثر من الصهيونية ذاتها، أطلقت رصاصة الرحمة على العملية السلمية بإعلانها أن القدس عاصمة “دولة إسرائيل” وقدمت الدعم الكامل لحكومية يمينية متطرفة يقودها ثلاثي سياسي متطرف كل يزاود على الآخر، ونحن أمام حكومة إسرائيلية متطرفة جداً تسعى لكسب الوقت وتصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى، والأردن هو أكبر المتضررين من مثل هكذا سياسات، فنحن أمام حكومة تستند إلى استراتيجية فرض الأمر الواقع في القدس، والضفة الغربية دون احترام للقانون الدولي أو الرؤية العربية أو اتفاقيات السلام المعقودة. إذن هناك تغير في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، فهناك محاولة لتحييد المؤسسات وفرض وجهة نظر الرئيس ترامب على الجميع، علماً بأن الكونغرس الأمريكي متقدم على الإدارة في خدمة إسرائيل. إن التعامل مع هذه الإدارة أمر صعب جداً يتطلب منا كظم الغيظ أحياناً وبكل الأحوال فإن أمامنا سنين عجاف قادمة علينا تحملها بمرها لأنه لا يوجد حلاوة فيها.
إن الأردن تاريخياً دولة منفتحة، محدثة، معتدلة، متوازنة وعليها أن تتحرك بهامش واسع على قوى الإقليم لخدمة مصالحها دون ضرر أو إضرار بمصالح الدول الشقيقة، فالدولة الأردنية دوماً مع القضايا العربية بعيداً عن سياسة المحاور.
وأمام هذا كله فإن أهمية المحافظة على الدولة الوطن الأردن الهاشمي أمر حتمي وضروري جداً في المرحلة الراهنة والمرحلة المستقبلية، نعرف أن الواقع محدود للسلوك السياسي لكن بالعقلانية والحكمة والاحترافية والعمل نستطيع أن نحقق ما نريد، وليس بالنار والغضب، بل بالتروي والحكمة والهدوء نستطيع ذلك. قبل ما يقارب من ثلاثين عاماً كتبت أن مسيرة الأردن لم تكن سهلة، ومليئة بالصعاب، ورغم كل المراهنات تجاوز الأردن كل الصعاب واستطاع أن يحافظ على استقرار سياسي نسبي، واليوم أكرر نفس الجملة، إن حالة التلاحم بين القيادة والشعب كانت السبب، واليوم حكمة القيادة ووعي الشعب سيكون المشعل للخروج من الأزمات، ونضيف لذلك أهمية إعادة بناء الجبهة الداخلية للدولة الوطن، وبناء المناعة الوطنية الداخلية لمواجهة التحديات والأزمات الداخلية والاستهداف الخارجي، وهذا يتطلب العمل على ما يلي:
أولاً: الاستمرار في بناء أساسيات الدولة من مؤسسات جديدة ذات وظائف محدودة، وإعلاء سيادة القانون من أجل تحقيق مستويات عالية من العدالة والمساواة.
ثانياً: إلغاء حالة فقدان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة وتحسين العلاقة بينهما وزيادة درجات التواصل القائم على الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم ومستمر وليس موسمي، وفتح قنوات التواصل بين المسؤولين العامين والمواطنين.
ثالثاً: توفير المعلومة الصحيحة في الشأن العام للمواطن، حيث أن المواطن الأردني واعي وصاحب حكمة وهمة عالية وغياب المعلومة يبعث على الإشاعات والاجهتهادات التي من الممكن أن تضر ولا تنفع.
رابعاً: تفهم وإدراك ماهية الاحتياجات العامة للمواطنين من قضايا معيشية، وفقر، وبطالة وإيجاد الحلول العملية المناسبة والعصرية لحلها ومحاولة إراحة المواطن من العناء والتعب نتيجة لتلك الاحتياجات والمشاكل والتحديات.
خامساً: التخفيف على المواطن من كثرة الإجراءات التنفيذية.
سادسا: إعادة النظر بالخطاب السياسي للدولة وتجديد الثوابت الوطنية من خلال حوارات وطنية معمقة للوصول لصيع حداثية مقنعة تعزز العقد الاجتماعي القائم.
سابعا: وقف سياسات الإقصاء والتهميش للنخب الوطنية الأردنية وإعادة صياغة للعلاقة بشكل يستند للمصالح الوطنية العليا في ضوء قواعد العدالة والإنصاف.
ثامنا: إعادة النظر في الإدارة الحكومية التي تعاني من أزمات وهي جزء من الخلل وإيجاد خطط للاستجابة الفورية للأمات من منظور علمي، عملي، عقلاني.
عاشراً: توطين ثقافة العمل المهني والتقني والفني لدى النشء وإعادة النظر في القيم الاجتماعية السائدة والعمل على بناء منظومة جديدة للقيم الاجتماعية.
حادي عشر: الاستمرار في مكافحة الفساد بكل أشكاله وتعزيز ثقافة النزاهة والشفافية في الحياة العامة للدولة.
ثاني عشر: الاستمرار في تطوير سياسات التعليم العام والتعليم العالي.
ثالث عشر: بناء وتطوير إعلام دولة وليس إعلام أشخاص وحكومات، وتحديث البرامج لمواكبة المتغيرات المتسارعة ومتابعة الثورة الرابعة في مجال الإعلام الحديث والتكنولوجيا المتطورة.
إن بناء الجبهة الداخلية وتمكين المناعة الوطنية أمر يتطلب جهداً دؤوباً ومتابعة حثيثة لحماية أمن الوطن واستقراره ويحتاج أهل الهمة لرعايته من أجل الديمومة والاستمرار.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/07 الساعة 14:54