جعجعة ليس لها طحن

مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/18 الساعة 00:37
في بلدنا الكثير من الأنشطة التي تأخذ اشكالاً مختلفة، منها أن بلدنا يعج بالندوات والمحاضرات والمؤتمرات وحلقات النقاش، وهي تعقد بصورة يومية بالعشرات، وحول كل شيء ابتداء من التطرف والإرهاب ومقاومتهما، وهي المقاومة التي صارت حرفة ومصدر ارتزاق عند الكثيرين، دون أن تترك أثراً على أرض الواقع، بل إن الدراسات والحقائق على الأرض تقول إن وتيرة التعصب الذي يقود إلى التطرف، والذي يفضي إلى الإرهاب في تصاعد، وأن أنصاره في تزايد.

غير الندوات والمؤتمرات حول التطرف والإرهاب التي تكاثرت في بلدنا خلال السنوات القليلة الماضية، فإن بلدنا يغص أيضا بندوات ومؤتمرات حول كل شيء، ابتداء من ندوات مناصرة المرأة التي تأخذ مسميات كثيرة، لكنها جميعا لم تؤد إلى أي تحسن حقيقي في واقع المرأة،مروراًبندوات ومؤتمرات حول مرض التوحد والتطعيم وصولاً إلى مؤتمر التذكير والتأنيث... وغير ذلك كثير من العناوين والمسميات،فلم يعد الموضوع الذي تعقد من أجله الندوة أو المؤتمر أو النتيجة التي سيتم الوصول إليها هو المهم بل المهم أن نعقد المؤتمر، والندوة لتقديم فواتير التمويل، أو لنسجل حضوراً إعلامياً، أو لإثراء قائمة الإنجازات الوهمية في تقاريرنا السنوية .

كما صارت بلادنا مترعة بحفلات توقيع الكتب، فلم تعد قيمة الكتاب هي المهمة، بل هو حفل التوقيع، وكعادتنا في تفريغ كل شيء من محتواه، فرغنا حفلات توقيع الكتب من مضامينها، وتحولت إلى مجرد حفلات استقبال يحضرها الأهل والعشيرة في معظم الأحيان، ويغيب عنها أهل الاختصاص.

ومثلما صاربلدنا مترعا بحفلات توقيع الكتب،فقد صار متخما بالمهرجانات التي يكاد عددها يصل إلى عدد المدن الأردنية، ناهيك عن مهرجانات المواسم ومهرجانات الخضار والنباتات.

أما المبادرات في بلدنا فحدث عنها ولا حرج فقد تجاوزت حدود التخمة، بصرف النظر عن قيمة المبادرة وجديتها وضرورتها، والأهم استمرارها، فكثيرة هي المبادرات التي سمعنا عنها ثم تلاشت كفقاعة الصابون دون أن تترك أثراً .

ومثل المبادرات وكثرتها في بلدنا كذلك شأن المسابقات، فقد تنوعت وتشعبت، إلى الدرجة التي يظن المرء منا أنه في كازينو كبير، يغري رواده على ممارسة كل أنواع الميسر وألعابه،واللهاث وراء السراب والأحلام الموعودة دون نتيجة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماهو حجم التأثير الحقيقي لكل هذا الذي نعيشه في بلدنا من ندوات ومؤتمرات وحلقات نقاشية، وإلى أي حد يقترب ذلك كله من واقع الناس، ومن المشاكل التي يعيشها مجتمعنا، ومامدى مساهمته في إيجاد حلول لهذه المشاكل، أخذين بعين الاعتبار أن جل الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش التي تعقد في بلدنا تقف عند حدود وصف المشكلة أو الحديث عن مظاهرة وعمومياتها، ومن النادر أن تذهب إلى الحلول بصراحة وجرأة، وأن هي فعلت ذلك فمن الأكثر ندرة أن يتم متابعة توصيات وقرارات هذه الندوات والمؤتمرات، علماً بأنه لو تمت هذه المتابعة لكانت حلت الكثير من مشاكل مجتمعاتنا؟

أما السؤال الثاني فهو هذا الحجم الكبير من الكتب التي تطبع في بلدنا، وتقام لها حفلات التوقيع ما هي القيمة المعرفية التي تضيفها إلى البناء الثقافي في بلدنا، وهو سؤال لا نستطيع الإجابة عليه إجابة دقيقة، لأنه ليس لدينا حركة نقدية، مثلما أنه ليس لدينا في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروءزوايا وبرامج متخصصة لمتابعة الإنتاج الفكري والعلمي، وتقديم قراءات متخصصة حوله، فمعظم ما يكتب حول المؤلفات الأردنية يدخل في باب المجاملات، أو الانطباعات، أو المماحكات الشللية، لذلك نكرر الدعوة إلى قيام حركة نقدية جادة في بلدنا لتقويم أو تقيم الإنتاج الفكري والعلمي بكل أنواعه؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل هذا الزحام في المبادرات هي علامة صحة وعافية، أم هو انعكاس وتجسيد للفردية وغياب روح الجماعة؟ بدليل هذا التشابه والتكرار في المبادرات؟ حتى داخل المنطقة الواحدة والأهم من ذلك: ما هو مدى استمرار هذه المبادرات ومدى فائدتها للمجتمع وإسهامها في إيجاد حلول جذرية للمشاكل التي تتصدى لعلاجها؟

خلاصة القول في هذا المشهد الذي نعيشه: أنه أشبه ما يكون بحوار طرشان، يعلو فيه الصراخ والضجيج، دون أن يفهم أحد على الآخر، مما صار يستوجب معه أن تتصدى جهة ما لضبط إيقاع كل هذا الذي يجري، لأنه أولاً مكلف، ولأنه يخلط الغث بالسمين، ولأنه يؤثر سلباً على المشهد الثقافي والفني والفكري في بلدنا، ويحوله إلى مجرد جعجعة لا يرُى لها طحناً الرأي
  • صورة
  • يومية
  • عناوين
  • قائمة
  • الأردن
  • نعي
  • موميا
  • سموع
  • صحة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/18 الساعة 00:37