العتوم يكتب: تمويل مقاولـي الانشاءات كسياسة مالية ايجابيّة وفعّالـة

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/01 الساعة 13:26

د. راضي العتــوم/ خبيــر اقتصــادي / الرياض

في الواقع، تأتي مقالتي هذه بعد متابعة لمطالبة المقالين الأردنيين بصرف مستحقاتهم بعد انتظار طويل للحكومة ممثلة بوزارة المالية، وبهذا الخصوص، كنت قد شاركت الرأي بالسياسة المالية الواجبة تجاه تمويل قطاع الانشاءات الذي تديره الحكومة خاصة ابّان الأزمة المالية العالمية نهاية عام 2008، حيث كنت مستشارا ماليا بأحد أكبر المؤسسات الحكومية في دبــي، كما جرى تقديم ذلك بداية ظهور تباطؤ صرف المستحقات في السعودية قبل عام ونصف تقريبا. وحتى أكون أكثر صراحة، فقد قدمت المشورة والنصيحة بعد اعداد دراسة متكاملة بعنوان " الانفاق العام على قطاع الانشـــاءات: نحـو استراتيجيّة اقتصاديــة كليّــة".

تولي دول العالم المتقدم الكثير من العناية والاهتمام بقطاع الانشاءات؛ ذلك كونه قطاعا من القطاعات الرائدة والقائدة للاقتصاد، حيث ينظر الى قطاع الانشاءات على أنه قطاع استراتيجي وحيوي، فأثره يمتد بروابط أمامية وخلفيّة لمعظم القطاعات الاقتصادية؛ ولهذا، نجد أثره أكبر على النمو الاقتصادي، فنموه يعني نمو الاقتصاد بنسبة أكبر، وتراجعه يعني تراجع الاقتصاد بنسبة أكبر، لذلك ينبغي الوقوف عنده، والاهتمام به بالدرجة التي يستحق.

ولا شكّ بأن الاهتمام بآلية التعامل مع مقاولي قطاع الانشاءات، وخاصة بمرحلة الركود أو التباطؤ في الاقتصاد، وبمرحلة يشاع فيها التلكؤ بتنفيذ الانشاءات المتعاقد عليها، وخاصة الانشاءات العامة من طرق، وجسور، وقطارات وسكك حديدة، وأبنية عامة حكومية وشبه حكومية يعدّ أمرا غاية في الحيوية والأهمية لتيسير الأنشطة الاقتصادية، ودفعها للتحرّك للحفاظ على الحدّ الأدنى من الزخم التنموي اللازم للابتعاد عن الحافّة ( Edge حتى لا يهوي الاقتصاد ويتراجع ).

أولا: أثــر الإنـفـاق العــام على التنمية الاقتصاديــة

تعـدّ التنمية الاقتصادية المستدامة الهدف الأساس الذي تسعى الدول لتحقيقه، ويأتي دور الدولة كراعية ومنظّمة للسياسات التنموية بكافة أطرها، وتشريعاتها، ونظم عملها، وبرامجها، وخططها الاستراتيجية، وكذلك في الاشراف على خططها التنفيذية للقطاعين العام والخاص على السواء.

ولا شكّ بأن الادارة الاقتصادية الحرّة تنطلق من فرضيّة أساس وهي أن آلية السوق لا يمكنها وحدها لعب كافة الوظائف المطلوبة لتحقيق التوزيع الكفوء للموارد، وتفعيل استغلال الطاقات البشرية، والماديّة، وتوجيهها نحو التنمية الوطنية. لذا فهناك أسباب للحاجة الى القطاع العام تتمثل بالتحفيز والمنافسة، والتأكد من توصيل السلع والخدمات، وتحمّل القطاع العام عواقب الآثار الخارجية كالتلوث وغيره، فالقطاع العام قادر على توزين المنافع والتكاليف في المستقبل، ودرء الضرر للآثار السلبية، وتوزيع الآثار الإيجابية على مقاصدها. اضافة الى تعزيز تطبيق التشريعات، وإعادة توزيع الدخل والثروة فيما بين فئات المجتمع بشكلٍ عادلٍ، وتعزيز الاهداف الاقتصادية الكلّية المتمثلة بتحقيق مستوى عالٍ من التشغيل، ومعّدلٍ متدنٍ من التضخم، ومن البطالة، ومعدلٍ مرغوبٍ للنمو الاقتصادي ... الخ.

ولذلك، وللقيام بهذه الادوار تقوم الحكومات بالانفاق كجزء أساس من تطبيق السياسة المالية؛ ذلك أن الانفاقَ أداة هامة في تحريك النشاط الاقتصادي وبخاصة في أوقات الركود كسياسة توسعية ، وكأداة للحدّ من توسّعه في حالات الازدهار والفورة الاقتصادية. وبتحليلِ واقعِ الإنفاق للموازنة العامة في الاردن وغيرها من الدول، فانه يمكنُ تلخيصُ مقاصد الإنفاق العام بالآتي:

 تغطية وتسديد الرواتب والاجور لموظفي الحكومة بهدف دعم إستمرار عمل جهاز الدولة المدني والعسكري، ودفع أو تسديد مستحقات التقاعد والتأمينات الاجتماعية، والوفاء بالتزاماتها بتعويض ودعم الفئات متدنية الدخل كمدفوعات تحويلية.

 تسديد مستحقات القروض الخارجية والداخلية.

 دعم الامن والدفاع للحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة العامة والخاصة.

 دعم المؤسسات العامة المختلفة، ودعم القطاع العائلي بصورة غير مباشرة للحفاظ على التوازن التنموي، وتشجيع الانتاج بقطاعات معينة، وتشغيل الشباب العاطل عن العمل، وهذه تعدّ من جانب الموازنة العامة للدولة مدفوعات تحويلية.

ويتبلورُ الأثرُ المباشرُ للانفاق العام على النمو الاقتصادي من خلال ما يُعرف بالمضاعف في الاقتصاد، وتحديدا مضاعف الانفاق العام. ويوضحُ مفهومُ المضاعفُ العلاقة فيما بين الانفاق المستقل والدخل، حيث تستمر هذه العلاقة في حلقات متتابعة مُسببة زيادة في الدخل قد تصل الى أضعاف الزيادة الأولية في الانفاق، وهو عبارة عن التغير في الدخل القومي الناجم عن التغير في الانفاق المستقل العام والخاص على حدّ سواء.

من المعروف أن الانفاق العام يساهم في تنشيط الطلب الكلي، وبالتالي يعدُّ جزءً هاماً من تيار الدخل، وهذا له دور فاعل في زيادة الدخل المتولد من ذلك الانفاق بحكم عمل المضاعف. كما أن للنشاط الحكومي قيمة مضُافة حيويــة وهامة تساهم في الناتج المحلي الاجمالي.

لذلك، يعني الانفاق العام أساسا بتحليل أركان الموازنة العامة للدولة، ومكوناتها، والسياسات المشتقة منها. ويرى الاقتصاديون أن الانفاق العام للدولة يزداد جرّاء العوامل التالية: العوامل السكانية، وتنامي الشؤون العسكرية والأمنيـــة داخل الدولة، وفي المنطقة والأقليــم، وتزايد التضخم بارتفاع تكاليف السلع والخدمات، والتغيرات التكنولوجية، وزيادة انتاجية العامل، ونمو حجم الانتاج، وزيادة ضرائب الدخل، وزيادة الاستهلاك، والتأثيرات الاجتماعية والسياسية، وغيرها.

كما يمكن اضافة العوامل التالية لما سبق، من وجهة نظري، لأثرها الواقعي والهام على تنامي الانفاق العام، وهي:

 التخلّف التنموي الاجتماعي، والاقتصادي، والإداري.

 النظرة السلبية لاقتصاد الدولة على أنه اقتصاد ريعي.

 عدم السعي للعمل كقيمة انسانية، والاتكال على الدولة وعلى الغير للمساعدة.

 تزايد البطالة، وبالتالي المدفوعات التعويضية (التحويلية).

 تفشّي الفساد المالي والاداري.

 ضعف البنية التعليمية والثقافية في المراحل التعليمية.

 التأثر بالتلاعب بالاقتصاد العالمي من خلال الاحتكار للسلع المتداولة عالميا.

 انتاج وافتعال الأزمات المالية العالمية، وتصديرها للدول النامية وغيرها، وهذه من أهم الأسباب وراء زيادة أعباء الانفاق العم، وتزايد عجز الموازن العامة.

ثانيا: أهميــة قـطاع الانشاءات في الناتج المحلي الاجمالي والتجارب العالمية المثلى لقطاع الانشاءات مساهمة واضحة في توليد القيمة المضافة للاقتصاد، وتكون مساهمته أكثر في اقتصادات الدول المتقدمة أكثر منها لغيرها، فقد وجدت دراسة اندونسية أن مساهمة قطاع الانشاءات في الدول المتقدمة تتراوح ما بين 7-10% من الناتج المحلي الاجمالي، في حين مساهمته بالاقتصاديات النامية تتراوح ما بين 3-6% من الناتج المحلي الاجمالي (Agung, 2006).

تولي الدول المتقدمة قطاع الانشاءات أهمية كبرى نظرا للدور الاستراتيجي لهذا القطاع في التنمية؛ إذ يعـدّ المرتكز الأساس للانطلاقة التنموية لكافة القطاعات الاقتصادية الأخرى لروابطه الأمامية والخلفية القوية مع معظم القطاعات؛ أي أنه قطاعا من القطاعات الرائدة في الاقتصاد، وبالتالي تسعى سياسات الانفاق العام دائما الى منحة أولوية كبيرة.

وفي واقع الأمر، فان للقطاع أهمية وخطورة في آن معا، فأهميته تكمن عند بدئه بالنمو والانتعاش، حيث يقود باقي القطاعات الى النمو ، وبالتالي ينمو الاقتصاد بمعدّل أعلى من معدل نمو هذا القطاع. أما جانب الخطورة، فيكمن في تراجعه؛ فعند بطء نموه، أو تراجعه فان القطاعات الأخرى ستتبعه في تراجعات متواصلة، وبالتالي يتراجع الاقتصاد بمعدلات أعلى من معدل تراجعه، وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية لقطاع الانشاءات في الدولة.

وتؤكد العديد من الدراسات على أن للقطاع روابط أمامية وخلفية قوية مع قطاعات الصناعة التحويلية، وينعكس ذلك بترابطه مع حلقات ودوائر الأعمال، ففي دراسة لجنوب أفريقيا أكدّت على أن قطاع الانشاءات يميل الى الانحراف الكبير نسبة الى التغير بمجمل القيمة المضافة للاقتصاد، فعنــد ارتفاع القيمة المضافة بالاقتصاد بنسبة 1%، فان القيمة المضافة بقطاع الانشاءات سوف ترتفع بنسبة تصل الى 2.5%؛ أي أن نموه سيكون أكثر من ضعف نمو الاقتصاد ككل (eCSECC, 2010,).

أما في الأردن، فيساهم قطاع الانشاءات بحوالي 5% من الناتج المحلي الاجمالي، ويوظّف ما يزيد على 86 ألف فرصة عمل والتي تشكل نسبة 6% من العاملين، أما قيمته وحجمة بالاستثمار فيزيد على ثلثي حجم الاستثمار في الاقتصاد.

1. تجربــة بريطانيــا
تولي المملكة المتحدة قطاع الانشاءات اهتماما خاصا، وهذا الاهتمام تبلور بوضوح، حيث رسمت استراتيجية متوسطة الأمد في السنوات الثلاث الأخيرة لتغطي السنوات 2025-2014 وهذا الاهتمام الحكومي ينعكس على القدر الهائل من التنظيم لسياسة الدولة تجاه هذا القطاع. فقد قدرت دراسات بريطانية أن سوق الانشاءات يتوقع أن ينمو على مستوى العالم بنسبة 70% بحلول عام 2025.
ووفقا للاستراتيجية اتجهت بريطانيا الى التطلّع الى تعزيز مساهمته بالاقتصاد؛ وذلك بتنمية القطاع الانشائي المحلي على مستوى الدولة، وتطويره لخدمة برامج التنمية، وكذلك الى تصدير خدماته للخارج، بحيث يدعم ميزان المدفوعات، وميزان التجارة على حدّ سواء(HM Government, July 2013,).
ويعي البريطانيون جيدا الأهمية الواسعة لقطاع الانشاءات بالاقتصاد، فيرون أن كل القيم الانشائية هي حيوية للتنمية، فالقطاع يبني، ويصنّع، ويعمل على صيانة كافة مناطق العمل؛ وذلك لتمكين الأعمال من الازدهار والانتعاش. فالبنية التحتية الاقتصادية تعزز آلية عمل الاقتصاد، حيث المدارس، والمستشفيات، والأبنية الزراعية، والتجارية، والصناعية، والخدمية، بالاضافة الى الأبنية السكنية كلها ذات دور حيوي وأساس في الاقتصاد.
يساهم قطاع الانشاءات في الاقتصاد البريطاني بقيمة مضافة تقدر ب 103 بلايين باوند£؛ وهذا يعادل ما نسبته 6.5% من الناتج المحلي الاجمالي للعام2014. وتبلغ عدد المنشآت العاملة بهذا القطاع 280 ألف منشأة، تشغّل حوالي 2.1 مليون وظيفة؛ وهذه تشكل 6.2% من العاملين ببريطانيا. وتبلغ حصة القطاع الخاص من قطاع الانشاءات 74%.
ومن الواضح اهتمام الحكومة البريطانية بدعم تنمية البنية التحتية، فقد أعتمدت مجموعة من الأمور بموازنة عام 2013 تضمنت زيادة خطة نفقاتها الرأسمالية بمقدار 3£ بلايين سنويا لعامي 2015- 2016وبما مجموعه18 £ بليون باوند استثمار اضافي حتى عام 2020.
يستند البريطانيون بالرؤيـــــــة الاستراتيجيّة للعام 2025 الى تظافر الجهود فيما بين الحكومة والأطراف جميعها بالقطاع، فرسم استراتيجية مشتركة هي منطلق أساس لنجاح خططهم الاقتصادية وغيرها. فقد حددت كافة الأطراف تطلعاتها لقطاع الانشاءات للدولة، فبدأوا برؤية واضحة ومتوافق عليها تمثلت بالآتي:
 الناس هم الغاية وهم المواهب القادرة على حمل المهام وتنفيذها.
 القطاع مميّز ويحتاج الى كفاءة، وتكنولوجيا متقدمة.
 ينبغي أن يكون قطاع مستدام قليل التلوث، ويصدّر الانشاءات الخضراء.
 أن يكون قطاع الانشاءات القطاع الذي يقــود النمو بالاقتصاد ككل.
 الانشاءات قطاع قيادي موجه من مجلس قيادي محترف.
وقد توافقت الحكومة البريطانية والشركاء من ذوي العلاقة بالقطاع على تحديد أربعة أهداف استراتيجية تتمثل بتخفيض الكلفــة المبدئية للانشاءات، وتقليص الانبعاثات من الغازات للأبنية الانشائية على البيئة بنسبة 50%، وتخفيض اجمالي الفترة فيما بين بداية المشروع وحتى الانتهاء من تنفيذه بنسبة 50%، وتحسين الصادرات للقطاع بنسبة 50%.
2. تجربــة اليابــان
يساهم قطاع الانشاءات بنسبة 11% من الناتج المحلي الاجمالي الياباني للعام 2014 وبنسبة 8% من التشغيل بسوق العمل، ويلعب قطاع الانشاءات في اليابان دور المحفز والداعم للاقتصاد خاصة في فترات التباطؤ والكساد الاقتصادي، بالاضافة الى كونه مخزونا اساسا للبنية التحتية. وعلى الرغم من أنه وبعد الانهيار المالي لمجموعة ليمان براذرز الأمريكية مع نهاية عام 2008 فان الكثير من الحكومات في الدول قد خفّضت من انفاقها العام، الاّ أن اليابان استمرت بزيادة الانفاق حتى عام 2010 لحماية بلادها من تفاقم الركود الاقتصادي، وتضاعف أثر الأزمة المالية، وبعد الهدوء والاستقرار النسبي، بعد عامين، قلّصت انفاقها على الأشغال العامة عام 2011 بنسة 18.3% عن العام السابق.
وعملت اليابان على دراسة أثـر المضاعف لخفض الضرائب على الأبنية السكنية لتحفيز الاقتصاد، وكذلك تمّ دراسة أثر المضاعف للاستثمارات العامة، فكانت أكبر أثرا من مضاعف الأبنية السكنية، هذا على الرغم من أن البعض ينظر للاستثمارات العامة على أنها غير منتجة ومضيّعة للأموال، الاّ أن اليابانيّين قد وجدوا أن فعاليتها كبيرة في الحركة الاقتصادية (Research Institute of Construction and Economy RICE, 2010,). ).
وعليه، فقد اهتمت اليابان عمليّا بالتمويل لقطاع الانشاءات وضمان القروض، واوجدت برامج التدريب والتطوير للمؤسسات وللشركات. اضافة الى حلّ النزاعات فيما بين الشركاء عند افلاس الشركات. كما أولت اهتماما عملـيا بالدراسات ونظـم المعلومات لقطاع الانشاءات. والتنظيـم لحوكمة المنتجات لقطاع الانشاءات، حيث جرى تطوير أنظمة حوكمة عام 2014، وسمي هذا ب القانون المعياري للبناء (The Building Standard Law BSL)، كما هناك قوانين مساندة للمنتجات الفرعية اللازمة للبناء يجب العمل على تطبيقها واتباع المواصفات الفنية اللازمة للابنية وللانشاءات بكل حيثياتها (INGÉROSEC Corporation , EU-Japan Centre for Industrial Cooperation, 2015)).
وعلى الرغم من الاهتمام الداعم للانشاءات ومؤسساته القائمة عليه في اليابان، الاّ أن هناك ضوابط وحاكمية دقيقة وشديدة الضبط للمنتجات الانشائية بتفاصيلها الدقيقة، فهناك قانون البنــاء المعياريBSL، والعديد من القوانين المنظمة لجزئيات الانتاج الانشائي، بل وتتعداه الى ضبط المخلّفات من الانشاءات لتستوجب العمل على اعادة تدويرها، وتتابع الحكومة ذلك بدقة يسندها قانون خاص بضوابط عدلية ملزمة.

ثالثــا: التوصيات المقترحــــة
مما لا شكّ فيه، أن الانفاق العام هو الأداة الفاعلة والمحرّك للنشاط الاقتصادي، فالسياسة المالية التي ركز عليها المبدأ الكينزي Keynesian Economics أثبتت فعاليتها كأداة للتخفيف من حدّة أزمات الركود الاقتصادي، خاصة وأن هناك توافقا عاما بين الاقتصاديين على دورها الفاعل. ويزداد الأمر أهمية في حالة الدول النامية التي تعتمد الى حدّ أكبر على توجهات الحكومة وبرامجها التنموية، لذلك يستجيب القطاع الخاص للتوجهات التنموية التي ترسمها الحكومة وتسعى لتحقيقها، هذا فضلا عن الآثار المباشرة للمشروعات العامة التي تخطط الحكومة تنفيذها والتي تقود القطاع الخاص الى النمو والازدهار. ولا شكّ بأهمية الدور الذي يلعبه قطاع الانشاءات كبنية ضرورية للتنمية، وعليه يوصي بما يلي:
 من الخطورة بمكان تخفيض الانفاق العام على برامج التنمية الانشائية وخاصة اذا كانت تحت التنفيذ؛ ذلك أنه عند بدء المشروعات بتنفيذ التعاقدات، فان الشركات المنفذة تكون قد التزمت بالكثير من الالتزامات المالية، والادارية، وتعيينات الموارد البشرية المتخصصة، فبعد توقف التنفيذ أو تباطؤه تقع الشركات في دوّامـة المشكلات المالية والادارية والفنية والبشرية، حيث تكون قد وقعت عقودا التزمت بها مع الغير، مما يقودها الى التدهور، والفشل وهذا ليس من صالح الادارة الاقتصادية، فيزداد الحال سوءا، ويؤدي ذلك الى حالة عميقة من الركود الاقتصادي، هذا اذا كان الوضع طبيعيا بالاقتصاد.

 أما في أوضاع الأزمات المالية، وأوضاع الركود الاقتصادي، فإنّ الأمر يكون أكثر خطورة، فبدل ان يواجه الاقتصاد حالة من الركود والتباطؤ البسيط، سيواجه حالة من الكساد والتدهور الاقتصادي، وهذه مرحلة صعبة وغاية في الخطورة، ينبغي تجنّبها والتصرّف بحصافة ودقة حيالها.

 أن تتبنّــى الحكومة استراتيجية خاصة لقطاع الانشاءات، يقوم عليها مختصون وذوي كفاءة عالية من ذوي الخبرة في المجالات المتكاملة: المهندسون بكافة اختصاصاتهم، والمسّاحون، والجيولوجيون، والمتخصصون المالييون، والاقتصاديون، وغيرهم من الفنيين المهرة يعدّ أمرا غاية في الحيوية والادراك.

 التأكيد على الايجابيات الكبيرة لاتباع المنهج الاقتصادي الكينزي في التعامل مع حالة التباطؤ الاقتصادي؛ وهذا يكون بعدم توقف الحكومة عن الاستمرار ببرامجها التنموية، وخاصة مشاريع البنية التحتية، والأبنية بأنواعها السكنية وغير السكنية، والاستمرار بالأنشطة والأعمال الاستثمارية لتحريك دفة الاقتصاد؛ وهذا يعني مواصلة تنفيذ مشروعات البنية التحتية من الانشاءات، وعدم التأخير في الالتزامات المتعاقد عليها، ومواصلة دعم وتعزيز المشروعات الاستثمارية للقطاعات الاقتصادية كافة.

 وخلاصة القول، فان السياسة المالية المذكورة ؛ والتي تتوافق والسياسة الكينزية للإنفاق العام قد اثبتت جدواها للكثير من دول العالم الغربي التي طبقتها ابـّان الأزمات المالية، واوضاع الركود والتباطؤ الاقتصادي حتى تخفف من آثار تلك الأزمات ، وتحاول عدم وصول الاقتصاد الى مرحلة الكساد، وهذا ما نوصي به لاتباعه من طرف وزارة المالية، والوزارات المعنية بالانشاءات مثل: وزارة الاسكان ، ووزارة النقل، ووزارة التخطيط ، وكذلك أمانة عمّان الكبرى.

وأخيرا، ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة، بعيدة عن أي طرف ، فإن صرف مستحقات مقاولي الانشاءات ينبغي أن لا يكون موضع تردد وتأخر، أو مماطلة، وأن يكون وفقا لما تمّ التعاقد عليه من حيث الفترات الزمنية للدفع حسب مراحل الانجاز للمشروع.

المراجــــع
1. Agung Wibowo, The Contribution of the Construction Industry to the Economy of Indonesia: A Systemic Approach, Indonesia, 2006. http:citeseerx.ist.psu.edu/, 2006.
2. eCSECC, Overview of the Construction Sector in the Eastern Cape, Research Report 2, South Africa, 2010. www.ecsecc.org, 2010 .
3. HM Government, Industrial Strategy: government and industry in partnership, Construction 2025, UK, July 2013.
4. INGÉROSEC Corporation , EU-Japan Centre for Industrial Cooperation, Sustainable Building & Construction Sector in Japan and Analysis of opportunities for European Firms, Japan, March, 2015.
5. Research Institute of Construction and Economy RICE, Construction Economy Report No. 55, Tokyo, JAPAN, Dec. 2010.

 

مدار الساعة ـ نشر في 2018/01/01 الساعة 13:26