...يا وحدنا

مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/27 الساعة 00:26

من حق الأردنيين أن يصرخوا مرة أخرى "... يا وحدنا ", وهم يخوضون منفردين معركة القدس المحتدمة هذه الأيام, إلا من إمتدادهم غرب النهر الذين يخوض شقاً من المعركة, فيواجهون بصدورهم العارية الرصاص الحي المصنوع أمريكياً والممول عربياً, بينما نخوض نحن الشق الآخر من هذه المعركة, ليس بصدر مكشوف فحسب, بل وبظهر مثخن بطعنات من كان يفترض أنه شريكنا في معركة القدس,فبعض الذين تخلوا عن أدوارهم في الدفاع عن القدس, لم يكتفوا بذلك, لكنهم انتقلوا إلى الخندق الآخر, يُخذلون إرادتنا عن الاستمرار في الدفاع عن القدس, ويضيقون علينا الحصار سياسياً واقتصادياً, لعلنا نركع ونستسلم, وقد نسي هؤلاء أننا في كثير من مفاصل تاريخ أمتنا خضنا معاركها وحدنا, بعد أن تخلى عنا شركاء الدم والمصير كما كنا نتوهم, ففي خمسينيات القرن الماضي صدقنا وعودهم بالدعم والمساندة فتخلينا عن " معونة " البريطاني باعتباره مستعمراً, خذلنا في معركة الاستقلال, فجاء خذلان الإخوة أشد وأقسى, لكننا صمدنا ولم نخرج من عروبتنا وبقينا نقبض على جمرها, وواصلنا مشوار بناء وطننا.

وبعد هزيمة الأمة في حرب حزيران 1967, التي خضناها ونحن نعرف نتائجها سلفاً, لكننا رفضنا التخلى عن أمتنا, كما تخلت هي عنا أكثر من مرة,أهدينا لها في معركة الكرامة انتصاراً عسكرياً حقيقياً, مرغنا به أنف إسرائيل, وكسرنا وحدنا أسطورة الجيش الذي لا يقهر.

وفي محنة السبعين, راهن بعضهم مرة أخرى على نهايتنا, وتركونا وحدنا في مواجهة الفتنة التي صبوا عليها الكثير من الزيت, وظنوا أنهم قادرون على شق صفنا ووحدتنا الوطنية, وفاتهم أننا كنا نتعامل مع الفتنة على أنها معركة سياسية, كان فيها على شاطئنا الوطني رجال من إربد وطبريا والسلط ونابلس والكرك والخليل وعمان والقدس, وكان فيها على الشاطىء الآخر أناس من نفس المدن, وانتصرنا وحدنا على الفتنة كأردنيين من على جناحي النهر.

وفي محنة العرب في تسعينيات القرن الماضي, إنحزنا وحدنا إلى الحل العربي, ووقفنا في وجه العدوان الذي قادته أمريكا, وحولها الكثير من العرب, ورفضنا أن نساوم على عروبتنا, ودفعنا الثمن حصاراً فرضه علينا إخوة الدم والمصير المشترك قبل أن يكتشفوا أننا وحدنا كنا على حق.

وها نحن اليوم نخوض وحدنا معركة القدس, ونقف في وجه القرار الأمريكي الأهوج, المسنود بصمت عربي أحياناً, ومعلن بالسلوك في كثير من الأحيان, ومع ذلك سنواصل معركة القدس إلى نهايتها المأمولة, ولن يثنينا خذلان العرب لنا, فقد تعودنا على هذا الخذلان في كل معاركنا الفاصلة فخضناها وحدنا, وخرجنا في كل واحدة منها أقوى مما كنا, بعد أن ضمدنا الجراح التي تركتها على جسدنا كل معركة من هذه المعارك التي خضناها وحدنا, نيابة عن أمتنا.

وحتى نحقق ما نصبوا إليه من انتصار في معركة القدس, التي هي أخطر المعارك التي نخوضها, والتي ستكون أطولها, علينا أن نعي تماما دعوات جلالة الملك لنا في الآوانة الأخيرة بضرورة الاعتماد على النفس, وأول ذلك أن نعد أنفسنا للتعامل مع مرحلة اقتصادية صعبة, فقد صار من الواضح أن أحداً من إخوتنا لن يمد لنا يد الدعم, فصار علينا أن نعيد النظر في نهجنا وسلوكنا الاقتصادي, فنعظم الإنتاج على حساب الاستهلاك, الذي آن آوان أن نعمل جادين على ترشيده في كل المجالات, حتى لا يكون الاقتصاد مدخلاً إلى ابتزازنا وتركيعنا, كما تم الرهان على ذلك خلال السنوات الماضية.

وبموازاة الاعتماد على الذات اقتصادياً, لابد من العمل على تمتين جبهتنا الداخلية, وسد كل الثغرات, التي يمكن أن ينفذ منها أحد لتفريق صفنا, وتوهين إرادتنا,وأول الثغرات التي يجب أن نسدها هي ثغرة الإشاعات التي تنتشر بيننا في كثير من الأحيان انتشار النار في الهشيم, أما الثغرة الأخطر التي لابد من الإنتباه إليها, فهي ثغرة الجهوية والإقليمية التي يسعى العدو إلى إثارتها بيننا, وهي خطر في أيام الرخاء, فكيف هي في أيام الشدة التي نعيشها الآن, ونحن نخوض معركة القدس, التي تم التمهيد لها بحصارنا اقتصادياً وسياسياً, فصرنا وحدنا في مواجهة العاصفة, وقد تعودنا أن ننتصر على العواصف وحدنا وبوحدتنا وبتلاحمنا قيادة وشعباً,وسنفعلها هذه المرة أيضاً.
Bilal.tall@yahoo.com
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/27 الساعة 00:26