قـراءة في تقرير صندوق النـقـد الدولي.. قياس الادماج المالي في الأردن.. والحذر الواجب
قـــراءة في تقريــر صندوق النـقـد الدولي
بعنوان " الأردن: قياس الادماج المالـــي في الأردن"
والحذر الواجب من توصيات الصندوق
د. راضي العتــوم/ خبيــر اقتصــادي/ الرياض
مدار الساعة - خاص - نعرض في المقالة الثانية، مقتطفات حيوية مع شيء من النقدّ والتحليل لنتائج وتوصيات التقرير لاطلاع القرّاء الكرام من الماليين والاقتصاديين والمهتمين بالشأن التنموي الرسمي.
وفي هذه المقالة ستناول فقط الجزء الخاص بقياس الادماج المالي في الأردن، كما نشر على موقع الصندوق (Source: IMF, Jordan: Selected Issues, IMF Country Report No. 17/232, July 2017).
بدأ الجزء بخلاصة مفادها أن تطور الادماج المالي في الأردن كان بطيئا خلال العقد الماضي وابتعد عن زمرة من المستهدفين وذوي العلاقة، فلم يتمكن النظام المالي من ايصال الخدمات والانتفاع بها الا القليل، كما أن بعض المناطق لم تصلها الخدمات المالية؛ مما سبب ضعف العمق المالي اللازم للتنمية الاقتصادية. وأشار الى أن تطور الاندماج المالي في الأردن قد اتصف بما يلي:
بطء الادماج المالي، ففي بعض الحالات ابتعد عن زمرة ذوي العلاقة، كما افتقر الى التقارب للمناطق الممكن خدمتها.
لقد راوحت القدرة على الوصول للخدمات المالية مكانها تقريبا خلال العقد الماضي.
فبلغت نسبة الفروع البنكية 18.3 فرعا بنكيا لكل مئة الف من السكان فوق السن القانوني عام 2015 ، في حين كانت 19.5 فرعا للعام 2004.
الانتفاع بالخدمات المالية ما زال متدنيا، حيث تقدر نسبة السكان البالغين الذين يملكون حسابات ودائع بنكية ب 62% عام 2015، وأن تغلغل الحسابات قد قلّ خلال السنوات العشر الماضية، فهناك 25% من الكبار لهم القدرة على الوصول الى خدمات المؤسسات المالية.
فما زالت الأغلبية وبواقع 86% يقترضون المال من العائلة، والأقارب، واصحاب العمل، والمحلات التجارية، والاقتراض الخاص غير الرسمي. وفقط 14% يقترضون من المؤسسات المالية... وهذا مؤشر ايجابي على المستوى الاجتماعي- الاقتصادي، وليس سلبيا.
اشارت المعلومات الى أن استخدام الهواتف المتنقلة للعمليات البنكية نسبيا غير فاعلة، إذ أن نصف بالمئة فقط يستخدمون الهاتف الخلوي لاجراء عمليات بنكية في عام 2014، وفقط 2.6% ممن لهم حسابات بنكية اجروا عمليات مالية باستخدام الموبايل.
هناك فرق جندري واضح بالقدرة للوصول الى التمويل، فتبيّن أن حوال 60% من الذكور البالغين لهم حسابات بالمؤسسات المالية عام 2014، مقابل نصف تلك النسبة للاناث... وهذا مؤشر طبيعي وايجابي، وليس سلبيا، حيث لا يمكن المقارن فيما بين الذكور بالاناث بالتساوي بالحسابات البنكية، ذلك لأن نسبة الاناث في سوق العمل لا تتجاوز 14% من العاملين، وأن نسبة كبيرة منهم ربات بيوت، فما الحاجة للحسابات البنكية ؟؟
الانتفاع من الخدمات المالية للشركات نسبيا عالية، وما زال ينظر لها كعقبة أمام التنمية، حيث وجد أن نسبة 83.3% من المؤسسات في الأردن تحمل شيكات أو حسابات ادخار لدى المؤسسات المالية، وحوالي نصفهم يستخدمون البنوك لتمويل استثماراتهم.
وفي استعراض لمفهوم مؤشر الادماج المالي، ومكوناته، فقد بني لقياس الادماج المالي وليسهّل المقارنة عبر الدول، وأن مفهوم المؤشر متعدد الأبعاد، إذ يتكون من بعدين:
الأول: القدرة على الوصول الى المؤسسات المالية؛ وهذا يحتوي على الوصول للعمق، ودرجة الاستخدام من قبل الأفراد، ودرجة الاستخدام من المؤسسات والشركات، وجودة الخدمات المالية (كمحو الأمية المالية).
والثاني: القدرة على الوصول الى الأسواق المالية؛ وهذا يتطلب التأكد من التركز السوقي، إذ أن درجة التركز السوقي العالي تعكس صعوبات الدخول الجديدة وكذلك صعوبة دخول المؤسسات والشركات الصغيرة.
واستنادا لحساب هذه المكونات، فإن مؤشر الادماج المالي للأردن أقل من الدول المماثلة؛ لكنه أفضل من دول مثل مصر، والسودان، وباكستان، وافغانستان، وأقل من الكويت، السعودية، والامارات، ولبنان، وتركيا، وايران.
ومن حيث المفهوم، يرتبط الادماج المالي بالعمق المالي وهو يقاس بنسبة الائتمان الى الناتج المحلي الاجمالي، وبالتنمية الاقتصادية، والتي تقاس بالناتج المحلي للفرد. فعلى الرغم من أن نسبة الائتمان الى الناتج المحلي قد بلغت 70.2% عام 2015، الا أنها لا تعكس نسبة مماثلة عالية للوصول الى الخدمات المالية. ومقارنة بالعمق المالي لدولة الامارات على سبيل المثال، فقد كانت 65.4%.
كما أشار التقرير، الى أن تشجيع الوصول الى الخدمات المالية يعدّ أمرا حيويا للتنمية الاقتصادية، فهو يعمل على تقوية الادخار المحلي، ويقود الى انشطة استثمارية اكثر، ويحفز النمو الاقتصادي، ويقلل من الفقر.
ويرى التقرير بأن الدراسات المقارنة بين الدول تفيد بأن عدم عدالة الدخل تقل بين الدول التي تتمتع بعمق أكثر للسوق المالي، وبقدرة أكبر على الوصول الى المؤسسات المالية، وأن التنمية المالية لها أثر نسبي ايجابي على الفئات الفقيرة... وهذا ليس صحيحا ولا واقعيا في اقتصادنا، فمع أن هناك آثار ايجابية من جانب، الاّ أن له آثار سلبية؛ فقد ازداد بعض الفقراء فقرا جرّاء الاقتراض من البنوك، ومن المؤسسات المالية وخاصة مؤسسات التمويل الميكروي، ولا أدلّ على ذلك من سجن عدد من الاناث اللواتي لم يتمكنّ من سداد قروضهن بسبب الفوائد العالية والتي تصل الى ضعف البنوك في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن تلك المؤسسات تعلن أنها في خدمة المرأة، وفي خدمة المشروعات الميكروية والصغيرة.
ويوصي تقرير صندوق النقد الدولي، الحكومة بتطوير استراتيجية شاملة، ووضع اجندة لتسريع تنمية اقتصادية حيوية، وتمكين الوصول الى أكبر عدد ممكن من السكان الى النظم المالية المهيكلة والمنظمة... وهذه توصية لها جوانبها السلبية على المدى البعيد كذلك. ويشير الى أن البنك المركزي اللبناني قد أدخل تشريعات تشجّع البنوك على تمويل المشروعات المبتدئة، ومؤسسات رأس المال المغامر، والحاضنات. كما أن مصر اعلنت عن اجندة متعددة للادماج المالي شملت تراخيص جديدة، قادت الى تحفيز ايجاد التمويل الميكروي، والتأجير التمويلي، والشركات الصغيرة والتشاركية، وهذا ايجابي، لكن ليس باغراق المجتمع بتمويل غير مدروس، وعالي الكلفة.
وغني غن الاشارة أن الاردن عملت بمرحلة حديثة على تطوير جهود عدة لتحسين الوصول الى التمويل، فقد عملت على تطوير استراتيجية ادماج مالي لتسهيل التوسع بالوصول الى التمويل، وأنشأت مكتب الائتمان Credit Bureau عام 2015 لتسريع قرارات التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ولتقييم الملاءة والقدرة المالية للمقترض، وتخفيف المخاطر التمويلية على المؤسسات.
كما أوجدت نظاما للسداد Payment System وكذلك تشجيع الخدمات الرقمية، وتشجيع لمحو الأمية المالية، وتقوية الحماية المالية للمستهلك. وزاد البنك المركزي دعمه للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال تمويل عمليات شركة ضمان القروض...!
وهنا يبدو أن الرأي المكتبي والبعيد عن الميدان هو الغالب على نتائج تقارير صندوق النقد الدولي، فلم يعلم خبراؤه أن ادخال الوسطاء على التمويل من ضمان، وتسديد، يزيد من كلفة التمويل للمشروعات الصغيرة، ويزيد عبؤها الاداري، وبالتالي يعيق نجاح المشروع، هذا اضافة الى أنهم يأخذون برأي المعلومات والمنشورات الرسمية، والتي غالبا ما تكون منمّقة وبعيدة عن الواقع والحقائق على الأرض.
ومن الواضح أن هناك تقدما هاما في تشجيع الخدمات المالية الرقمية، حيث طلبت الحكومة من المؤسسات العامة تكييف ومواءمة نظم الدفع الرقمية للمعاملات المتبادلة التالية:
من الشخص للحكومة Person-to- Gov P2G
من مؤسسة الأعمال للحكومة Business -to- Gov B2G
ومن الحكومة للشخصGov-to- Person G2P
فقد أشهر البنك المركزي وأعلن عام 2014 نظام الدفع والسداد الالكتروني للفواتير ونظام التقديم Presentment System، كما أكّد على التظافر مع جهود شبكة صندوق توفير البريد قائمة للافادة من انتشارها بالمملكة فلها 350 فرعا مرتبطة ب 656 فرعا بنكيا. وادخال برامج لمحو الأمية المالية وتم تطويرها، وسيتم ادخالها ببرامج التعليم للطلبة في المملكة من الصف السابع حتى الثاني عشر.
وفي ضوء تجارب دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، هناك مقاييس اضافية بحاجة للادراج لتحفيز تطوير الاستراتيجية المالية وهي:
ازالة العوائق الادارية والمؤسسية
دعم وصول المرأة الى التمويل، مع التحفظ على هكذا توصية!!
تحسين الحوكمة المؤسسية للشركات والمؤسسات
تحسين انتاج بيانات الخدمات المالية ومقاييسها
وأخيرا، أرجو التأكيد على قراءة تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعناية وبتحليل دقيق، ومواءمة توصياتهم مع الواقع الممكن على الأرض، ومع مصلحة الوطن قبل الولوج في تطبيقها، حتى لا تكون النتائج عكسية على التنمية المالية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع وللدولة (وهذا تحديدا ما أشارت الية عدة تقارير لخبراء ولرؤساء من الصندوق ومن البنك بعد خروجهم منه).