الاردن وإسرائيل وترامب
ايمن دهّاج الحنيطي
من يعتقد ان المواقف المتشددة المنحازة لإسرائيل، والتي ابداها وما زال، الرئيس الاميركي المنتخب الجمهوري، دونالد ترامب، حيال الصراع العربي الاسرئيلي، انها لغايات انتخابية فقط، فهو واهم، فالرجل عازم على تسوية الصراع وفقا للوصفة الاسرائيلية.
حل الدولتين الذي كانت تتمحور حوله حلول الصراع، ويشكل للان عنصرا اساسيا في السياسة الخارجية الاردنية، سيدفن فعليا مع تنصيب ترامب في العشرين من كانون الثاني، وغالبا بحضور نتنياهو كما يعد الان، ويحشد مناصرو ترامب من الاسرائيليين عبر صفحتهم على الفيسبوك Trump Whit & Blue
ترامب وعد بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، وعلى الاغلب سيفعل، ولن يمنعه من تنفيذ وعده شيء في ظل الوضع العربي المتردي جدا، فمنذ فوزه بالانتخابات في 9 تشرين الثاني ولليوم، ما يقوم به مساعدو ترامب، هو تفحص المواقع العائدة لملكية الخارجية الاميركية في القدس من القنصلية القديمة في شارع ارغون رقم 18 ، مرورا بالقنصلية العامة القائمة منذ العام 2009 في حي ارنونا، بمساحة 19 دونم، ثم نطاق فندق "دبلومانت"، ومبنى اخر في شارع نابلس، وارض واسعة مسيجة بمساحة 31 دونم بين غرب وشرق المدينة، استاجرتها الخارجية الاميركية لمدة 99 سنة مقابل دولار اميركي واحد في السنة.
بديل حل الدولتين سيكون وصفة اليمين الاسرائيلي المتشدد ، والتي املاها على مساعدي ترامب، وزير التعليم الاسرائيلي زعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت عندما زارهم في نيويورك بعيد الاعلان عن فوز ترامب، وهذه الوصفة هي : حكم ذاتي فلسطيني، والعنوان الاساس سيكون الاردن طبعا، وذلك بعد ضم المنطقة "ج" من الضفة الغربية لاسرائيل، واعلان السيادة وتطبيق القانون الاسرائيلي على الكتل الاستيطانية معاليه ادوميم، ومحيطها وبذلك تعزل القدس كليا عن الضفة، وعلى مستوطنة ارئيل حيث توجد جامعة للمستوطنين، واعلان دولة فلسطينية في غزة بضمانات امنية تركية.
هذه الوصفة الاسرائيلية جاهر بها وزراء ائتلاف نتنياهو جليا بعد قرار الامم المتحدة الاخير رقم 2334 الذي ادان الاستيطان، وخطاب كيري الاخير وعرضه رؤية ادارة اوباما المتاخرة للحل في الشرق الاوسط ، فقد اعلن الوزير بنيت عبر الاذاعة العبرية الجمعة 30 ديسمبر صراحة ان حكومة اسرائيل الحالية هي حكومة فرض السيادة على الضفة، لا حكومة اقامة دولة فلسطينية ثانية.
ترامب اعلن عبر "نيويورك تايمز" انه سيعمل على انهاء الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين من خلال خبراته الاقتصادية، أي على مبدأ "السلام الاقتصادي" وهي في الاصل فكرة نتنياهو، الذي لقنه اياها، حيث كان بيبي من اوائل المتصلين بصديقه الحميم ترامب لتهنئته بالفوز، وجرت بينهما مكالمة هاتفية استمرت 45 دقيقة .
"السلام الاقتصادي" سيركز اساسا على علاقات تطبيعية مع الدول العربية،وتبادل تجاري واسع، وخطوط طيران،وفقا لبنود مبادرة السلام العربية بعد التعديل طبعا، وحتى يضمن ترامب انهاء الصراع بما يرضي الاسرائيليين، حتما فانه سيدعم الاردن اقتصاديا، وذلك لتعزيز ارتباط سكان الضفة الغربية - منطقة الحكم الذاتي - ورجال الاعمال فيها بالاردن، هذا السيناريو تحدث به جليا البروفيسور هليل فيرش من مركز بيغين – السادات في جامعة بار ايلان الاسرائيلية خلال ندوة اقيمت في 21 نوفمبر الماضي لبحث انعكاسات فوز ترامب ، وشارك فيها يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الامن القومي الاسرائيلي.
فيرش وغيره من الباحثين الاسرائيليين ، يرون في ترامب " فرصة لاسرائيل لن تتكرر، لذا يجب استغلالها لتحقيق المصالح الاسرائيلية ، والمصلحة الاسرائيلية رقم واحد هي تصفية حل الدولتين"، وفقا لفيرش، "والبديل يجب ان يكون خطة غير رسمية تضمن ازدهار الاردن اقتصاديا، حتى تتوجه اليه انظار ومصالح رجال الاعمال الفلسطينيين في الضفة الغربية"، ولضمان نجاح ذلك – والقول لفيرش طبعا- "يجب تجديد طرح الصيغ الضامنة لاعادة السيطرة الاردنية على الضفة الغربية مع التركيز على الخليل ونابلس بالدرجة الاولى".
اذن، حقبة ترامب المقبلة ستطرح فيها مجددا، وبقوة، صيغ الكونفدرالية والفيدرالية وغيرها، وستعمل ادارته على دعم الاردن اقتصاديا من باب مكافحة الارهاب، لكن كيف للاقتصاد الاردني ان يتعافى والدين الخارجي وصل الى 30 مليار دولار ؟ كيف للمواطن الاردني ان ينتعش اقتصاديا، ودخله في المجمل لا يساوي ربع دخل الاسرائيلي او الاميركي او حتى الفلسطيني القاطن في اراضي ال48 وعاصمته الاغلى عربيا، ومحافظاته فقيرة؟
اخيرا، لا بد للدبلوماسية الاردنية ان تعيد النظر في سياساتها السابقة ، وتستعد جيدا لحقبة ترامب، فعليا لم يعد بيد الاردن سوى ورقة "حق العودة"، فعندما طرحت مبادرة السلام العربية في بيروت عام 2002، طرح معها تعويضات للاردن بقيمة 40 مليار دولار على استضافته للاجئين جراء الصراع العربي الاسرائيلي.
وهذه دعوة لمعالي وزير خارجيتنا الجديد الزميل ايمن الصفدي، الدارس في الولايات المتحدة، لاعادة فتح الملفات السابقة، والمعروف عن الصفدي انه من اصحاب الحنكة والادارة الحصيفة، وبالتالي لن تفوته الاستفادة قدر الامكان من خبرة ناصر جودة التي تراكمت لقربه من ملف الصراع لسنوات عديدة مضت.