القدس مدينة السلام وعنوانَ الصمود والتحدي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/23 الساعة 22:01
القدس مهوى الأفئدة، وموطن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وعنواناً للصمود العربي الفلسطيني في وجهة آلة الحرب العنصرية الإسرائيلية، وهي مدينة ليست كباقي المدن، ولا عاصمة كباقي العواصم، إنها عاصمة العالم، ومركز الإشعاع الذي لا يذوي ولا ينطفئ، ويتفجر بمعانٍ تاريخية ودينية وحضارية.
إن التفريط في القدس يعني تفريطنا في جزءٍ من تاريخنا وجزءٍ من ديننا وجزءٍ من حضارتنا، كما أن التفريط فيها جريمة الجرائم في حق الماضي والحاضر والمستقبل ولذلك فقد كانت هبة الملك عبد الله الثاني دفاعاً عن القدس هبة الرجال الصناديد، ووقفة القيادة الحكيمة لمن ارتبط أسمه بحماية المقدسات، فهو حاميها وهو السيف في وجه من يريد مس وحدتها وتضيع حق العرب والمسلمين والمسيحيين فيها.
لقد ارتبط الهاشميون تاريخياً بعقدٍ شرعيٍ وأخلاقيٍ مع القدس، فحفظوا لها مكانتها، تلازماً مع تأكيد تبنيهم لرسالتهم التي ناضلوا من أجلها، وهي حرية الشعوب والحفاظ على كرامة الأمة، ولذلك عملوا على التصدي منذ تفجر الصراع العربي الإسرائيلي للعقلية الإسرائيلية التي تعمل جاهدة لإلغاء طابع هذه المدينة المقدسة وطمس معالمها العربية والإسلامية، وجعلها مدينة يهودية الوجه والقلب واللسان متجاوزة قدسيتها لدى المسلمين والمسيحيين على حدِ سواء.
أما اليوم، وقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب إلى القدس فقد ازدادت الخطورة وتعمقت الأزمة، لان هذا القرار يشكل اعترافاً من الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا يمثل خرقاً لقرارات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، التي تؤكد أن وضع القدس يتقرر بالتفاوض بين الأطراف المتصارعة، ولذلك تعتبر جميع الإجراءات الأحادية التي تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض لاغيه وباطلة.
ان القيادة الهاشمية قد أعلنت وبشكلِ جليِ لا لبس فيه رفضها لهذا القرار الذي يكرس الاحتلال ويزيد التوتر ويؤجج الغضب ويستفز مشاعر المسلمين والمسيحيين على امتداد العالمين العربي والإسلامي، لأن قضية القدس من قضايا الوضع النهائي التي يجب أن يحسم وضعها في إطار حل شامل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وبما يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف سبيلاً وحيداً لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام، ووفق قرارات الشرعية الدولية.
إن اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل باطل قانوناً كونه يكرس الاحتلال الإسرائيلي للجزء الشرقي من المدينة الذي احتلته إسرائيل في حزيران عام 1967، وكل إجراءات إسرائيل في القدس التي تهدف إلى تغيير طابعها ووضعها القانوني ولذلك تعمل جاهدة لتهويد كل شيء فيها من الحجر إلى الشجر والبشر، بما في ذلك إعلانها عاصمة لها هي إجراءات باطلة ولاغية بفعل الشعب المجاهد في القدس وفلسطين الذي يقاوم للحفاظ على عروبتها، ومعه كل أحرار العالم.
أن الاعتراف بإسرائيل من قبل الأمم المتحدة رغم عدم مشروعيته قانوناً لاستناده إلى وعدٍ ممن لا يملك إلى من لا يستحق تضمّن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على بعض الأراضي في أرض الانتداب السابقة لفلسطين، وبما أن امتلاك الأراضي هو أحد المعايير لوجود دولة، إلاّ أنه لم يتضمّن اعترافاً بالسيادة الإسرائيلية على كل الأراضي التي استولت عليها إسرائيل. ولذلك تعتبر معظم دول العالم، أن إسرائيل تُمارس فقط سلطة واقعية على القدس، ولذلك جاء قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة برفض قرار ترامب بنقل السفارة الامريكية الى القدس انتصاراً للحق وصفعه في وجه إدارة ترامب الحمقاء.
إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يعيد التأكيد على مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967 كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242. وبناءً عليه، تبقى السيادة على القدس الشرقية معلّقة كما هو الأمر بالنسبة لبقية فلسطين.
لقد وقف الأردن بشعبه العظيم الى جانب الحق الفلسطيني وشارك المجاهدين من شرق الأردن في كل معارك الصمود والتحدي، وشاركت قوات الجيش العربي الأردني في كل الحروب دفاعاً عن القدس وفلسطين، وخاضت معارك ضارية في باب الواد واللطرون وغيرها، لإنقاذ القدس وباقي الأراضي الفلسطينية، لكن آلت الأمور إلى ما آلت إليه ولكن الأردن لم تتخلى مطلقاً عن وقفتها إلى جانب الحق الفلسطيني رغم مرارة الأيام.
ويقيننا أنه مهما ادلهمت الخطوب وعبست الأيام فلن يتسرب اليأس إلى قلوبنا ولن نقول للقدس إلا مهلاً يا أنشودة الحياة وصبراً جميلاً يا أم الأنبياء والشهداء، ولن نقول للقدس وداعاً، بل لقاءً مرتقباً ونصراً مؤكداً إن شاء الله، فالحق لا بد له أن ينتصر ولن ينجح أي قرار أن يحول قلوبنا عن عشق القدس وفلسطين ولن تركع الجباه العربية والفلسطينية الا لله عز وجل.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/23 الساعة 22:01