نعم نستطيع

مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/23 الساعة 00:17
من المرات النادرة التي تتوافق فيها الحاجة الوطنية مع اللحظة القومية والاقليمية، على أمل ان يلتزم الرئيس الامريكي ترمب بوعده ويقطع المعونة الامريكية عن الدولة الاردنية، ليس بوصفها رافضة لقراره الداعشي بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني ونقل سفارة دولته اليها - بوصف القرار بظلال دينية - بل لكونها احدى ابرز الدول المحرضة على اسقاط قراره في المحفل الدولي ، فهذا الشرف القومي والوطني والانساني الذي نعيشه، تخدشه المعونة وتنزع منه الدسم، فنحن شعب نصحو مع الفجر، نلعن الفقر وامريكا، ونرنو الى الصلاة حسب التوقيت المحلي لمدينتي عمان والقدس، فكل ما فينا مربوط فيها، وكل ما لنا مقسوم معها، منذ اول صوت اذاعي جهر باسم المملكة هناك وحتى نترك هذه الدنيا وما عليها. قافزا عن الاسباب التي اوصلتنا الى المأزق الاقتصادي وعائد اليها في ثنايا المقال، فإن شعار الاعتماد على الذات هو اكثر شعار نحتاج اليه ليس اليوم بل كل يوم، فالمعونات رفعت منسوب التكاسل الوطني العام وفتحت الابواب لكل الانماط الاستهلاكية وخلقت بين ظهرانينا من يستثمر فينا لحساب الممول، فتولدت طبقة سياسية واقتصادية تسللت الى اعصاب الدولة الحساسة بفعل علاقاتها مع الدول المانحة، بل لعل رصيد تلك الطغمة الوحيد هو علاقتها مع دول المنح، ونجحت تلك الطبقة في تجريف الوعي وتصحير الحياة السياسية والاقتصادية حتى وصلنا الى طبقة العظم، فلا لحم ولا شحم على جسدنا الوطني اليوم، ووصلت بنا الحال ان نفكر او يتسلل الى وعينا المقايضة بين شرفنا القومي والوطني والمعونات القادمة، وانتصرنا لشرفنا وبشرفنا على هذه الضغوط . هذا النصر المتمثل حالة امتداد شعبي في كل ميادين وساحات الاردن، يغري بمزيد من النصر، للخلاص من ثِقل المعونات والمنح واثرها على السياسة والسيادة، ويرفع وتيرة العودة الى الاصول والثوابت السياسية والاقتصادية وانعكاساتها على الثقافة والاجتماع والسلوك العام، بعد ان استمرأنا المعونة السهلة وفرشنا السجاد لشحنة القمح واستفحل دور المؤسسات والاشخاص الممولون من الخارج، بل ان طغمة منهم تتحدث عن القدس بوقار المثقف والسياسي الوطني وبعضها سعى الى المشاركة دفاعا عن القدس بمؤتمرات ممولة من المال الحرام، فصارت العلاقة مع الخارج واستجرار الدعم منه تأشيرة نفاذ الى السلطة والتأثير، وسقطت معادلة ابناء الدولة ومخلصيها ومخلّصيها في بئر سحيقة من عدم اتقان اللغة الانجليزية وضعف معارفه وموارده الخارجية وانعدام العلاقة مع السفارات وجهات التمويل . وحتى لا نغافل الوعي المطلوب، فإن النصر الذي تحقق على المسار السياسي والمعنوي، ليس له اثر على الواقع، اي لا يُحدث تأثيرا او تغييرا على الارض؛ لأن استثماره منوط بالشخوص الموصوفين اعلاه أنفسهم ، وهؤلاء يبحثون عن القشور كأصول ولا يعرفون معنى الجذور والبناء عليها، بل انهم يحاولون اليوم تمرير الانماط الاقتصادية التي اوصلتنا الى مأزقنا الوطني، تحت ذرائع الكرامة الوطنية وعدم المقايضة على الموقف السياسي، على عكس المطلوب الوطني، بأن يتم تغيير الانماط وادوات الانتاج، لننتقل من طور المعونة والاعتماد على الخارج لصالح الاعتماد على الذات وتغيير البيئة الاقتصادية والسياسية لصالح استثمار الموارد الوطنية بحصافة ونزاهة، فنبدأ بضبط القوانين التي سمحت لتلك الطبقة بالاستئثار بمواردنا بالخصخصة واللصلصة وتدمير التعدين والزراعة وترويع قطاعات الخدمات الناجحة بمزيد من القهر والضرائب . نبدأ بإعلاء قيمة النزاهة والمحاسبة والعدالة، واطلاق الحريات السياسية وقطع دابر العبث والتدخل، ونفتح باب الاستثمار الواعي، في قطاعات ناجحة، السياحة والسياحة العلاجية، الزراعة المتطورة واستثمار بيئة الغور والشوبك وسهول اربد والرمثا، ثم ضبط الجمارك والضريبة حيث هناك الاختلال الاكبر، فهل يُعقل اننا نعرف جميع النزلاء في الفنادق الاردنية ولا نعرف عدد المرضى في المستشفيات ؟ وهل يعقل ان نصدق ان حجم التهرب الضريبي يفوق حجم العجز في الموازنة دون المنح؟، واكرر للمرة الألف ان الحصول على الدخان المهرب اسهل من الحصول على الدخان الاردني وان قيمة تبديل وردية وصل الى 200 الف دينار، والحديث يطول، نعم لقطع المعونة، فنحن نستطيع ادارة مواردنا بكفاءة شرط النزاهة والعدالة، ونعم، لقطع المعونات والمنح ونعيش على العزّة والحطب .
omarkallab@yahoo.com
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/23 الساعة 00:17