عبد الله.. إبن التاريخ وصانعه
مدار الساعة - كتب .. بلال حسن التل
مرة أخرى يثبت الملك عبدالله الثاني بن الحسين, أنه خير خلف لخير سلف من آل البيت الأطهار,وأنه المؤتمن على إرثهم وتراثهم وتاريخهم, وأنه الحريص على هذا التاريخ,وعلى بناء مدماك من مداميك جدرانه الراسخة في وجدان الأمة وعقلها وضميرها.
ولأن أبناء التاريخ وصنّاعه أشد ما يكونون ظهوراً وحضوراً في الأزمات, وفي المفاصل الصعبة من تاريخ الشعوب والأمم, فقد كشفت التطورات الأخيرة لقضية القدس أي إبن للتاريخ وصانع له هو الملك عبدالله الثاني بن الحسين, ذلك أن أبناء التاريخ وصنّاعه يتحركون خارج الأزمات بهدوء وصبر وأناة, لأنهم لا يكترثون للصخب ولا يزاحمون غيرهم على الأضواء, ولا يسعون إلى إدعاء المواقف الزائفة,لذلك ظل عبدالله بن الحسين قبل انفجار أزمة القدس الأخيرة يعمل بهدوء وصبر وأناة للقدس, التي تخلى عنها كل الناس إلا عبدالله الثاني وشعبه. حتى إذا ما انفجرت الأزمة انكشف من أى صلابة قُد عميد آل البيت.
لقد أثبتت التطورات الأخيرة المتعلقة بالقدس, أن هناك فرقاً كبيراً بين أبناء التاريخ وصنّاعه أمثال جلالة الملك عبدالله الثاني, وبين الباحثين عن دور تحت الأضواء الزائفة, من هواة السياسة وغلمانها, مثلما هو الفرق بين الصبر والحلم وطول النفس,وهي الصفات التي تحلى بها صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني في عمله من أجل القدس,حيث قاد جلالته جهداً دبلوماسياً على كل المستويات وفي كل الساحات, وهو الجهد الذي أثمر كل هذا الاصطفاف العالمي في وجه القرار الأهوج الذي اتخذه الرئيس الأمريكي.
نعم هناك فرق كبير بين الصفات التي تحلى به جلالته وهو يعمل من أجل القدس, وبين الغوغائية وتسجيل المواقف والبحث عن الأضواء,التي يمارسها بعض الذين يتباكون اليوم على القدس,ثم يقولون في الخفاء غير ما يقولون في العلن, فهؤلاء هم الذين شجعوا ترامب على قراره, الذي حولنا في الأردن قيادة وشعب إلى صخرة صلبة وفي وجهه,فالقدس بالنسبة لنا كأردنيين, ولقادتنا من بني هاشم, ليست مناسبة أو موسم نتحرك فيه مع الجموع, إحياء للمناسبة, وأداء لطقوس الموسم, لكنها بالنسبة لنا قضية أمة, وأمانة "أسرة" هي الأعرق من أبناء هذا الكون, هم "آل البيت" الذي يصلي ويسلم عليهم مليار مسلم آناء الليل وأطراف النهار,وآل البيت هم المؤتمنون على أولى قبلتي جدهم, ومنتهى مسراه, ومبتدأ معراجه وعبدالله الثاني بن الحسين هو المؤتمن على ذلك كله, لأنه عميدهم.
كثيرة هي الأسباب التي جعلت القدس بالنسبة لنا كأردنيين ليست قضية مناسبة أو موسم, وليست قضية شعب شقيق, لكنها قضيتنا نحن أولاً وأخيراً, وأول ذلك أن القدس جزء من عقيدتنا وإيماننا وتديننا مسلمين ومسيحين.
غير البعد العقدي والديني الذين يشترك فيه الأردنيين مع غيرهم من المؤمنين, فإن الأردنيين يمتازون عن غيرهم بالعلاقة مع فلسطين, فالأردن وفلسطين جغرافيا واحده, ليس بين أجزائها مانع طبيعي, حتى نهر الأردن لم يشكل للحظة من الزمن حاجزاً بين مكونات هذه الجغرافيا المشتركة, ولطالما قطعه الناس على أرجلهم من غربه إلى شرقه والعكس صحيح, وللجغرافيا أحكامها على علاقات الناس وطبائعهم وسلوكهم وتقاليدهم وتمازجهم, لذلك كان كل ذلك من الجوامع المشتركة للناس على جناحي نهر الأردن.
وبفعل الجغرافيا المشتركة كان التاريخ الواحد الجامع للناس, من على شطآن المتوسط حيث تنتصب موانئ فلسطين, إلى سيف الصحراء حيث تتعانق الجغرافيا الأردنية مع جغرافيا جزيرة العرب, ومثلما أن للجغرافيا أحكامها على علاقات الناس, فكذلك للتاريخ, وهو مانراه عندما نقرأ في تاريخ الأردن وفلسطين,فنكشف أنه تاريخ واحد إلا من بعض التفاصيل التي تجدها بين مدينتين متجاورتين في مصر واحد.
هذه الجغرافية المشتركة, والتاريخ الواحد للناس على جناحي الأردن, خلق حالة من التمازج الفريد بينهم ليس في الثقافة والعادات والتقاليد بل في تفاصيل الحياة اليومية, وإلا دلوني على بيت إن لم يكن فيه الخال من أحدى ضفتي النهر لا يكون العم كذلك, ثم يستغرب الناس كيف تكون القدس بل فلسطين كلها قضية أردنية تدخل في تفاصيل حياتنا اليومية . وهذا الذي عشناه في شوارع الأردن ومنتدياته ونواديه وجامعاته ونقاباته هو بعض نبض الأردنيين نحو القدس ونبض الأردنيين هو نبض العرب العرب, نبض الأمة.
Bilal.tall@yahoo.com
الرأي