صبري: وعد الله أقوى من وعد بلفور وترمب
مدار الساعة - قال رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري، إن الشعب الفلسطيني حينما ينتفض ويثور إنما يكون بتأثير ذاتي لا بتعليمات من أحد لأنه يشعر أن هذا واجبه من جهة، ويشعر بخطورة القرارات التي صدرت بحق المدينة المقدسة، التي هي جزء من وجوده وإيمانه وحضارته وتاريخه، ولا مجال للتفريط فيها، مشيرا الى القرار الأميركي الجائر وغير القانوني بالاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة الاحتلال. وحيا الشيخ صبري في حديث لبرنامج "عين على القدس" الذي بثه التلفزيون الأردني مساء أمس الاثنين، الجماهير في فلسطين والأردن والبلاد العربية والإسلامية والعالم، التي هبت للتعبير عن فداحة الظلم الذي وقع على مدينة القدس من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، متجاهلا عن قصد أو غير قصد ان مدينة القدس عربية منذ 7500 سنة.
وأشار الشيخ صبري الى أن المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن يحاول أن يركز على الناحية التاريخية الدينية، معربا عن أسفه لأن مندوبي الدولي العربية لم يتعرضوا لهذه النواحي وكان تركيزهم على القرارات الدولية فحسب، مؤكدا ضرورة ربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وأن وعدم تجاهل قيمنا وتراثنا الديني والتاريخي والحضاري.
وقال ، إن العالم الإسلامي اليوم أمام تحد واضح بعدما تعرض لإهانة ومذلة نتيجة هذا القرار لأنه لم يحترم مقدساتنا وتاريخنا، مشيرا الى أن الرئيس الأميركي أجهز على ما يسمى بالمفاوضات.
واكد صبري أن هذه فرصة أخرى للعالم الاسلامي كي يستعيد كرامته ويقف أمام العنجهية الأميركية ويقول لها لا ولو لمرة واحدة، وأن يقول قولة الحق والصدق، مثمنا موقف مجلس النواب الأردني الذي أثار اتفاقية وادي عربة عدة مرات من أجل مراجعة بنودها.
ودعا السلطة الفلسطينية الى أن تعيد هي الأخرى النظر باتفاقياتها إذا بقي شيء من اتفاقية أوسلو التي ألغاها الاحتلال أصلا وجاءت أميركا لتجهز عليها، لأن هذه الاتفاقيات أصلا مجمدة بانتظار المرحلة النهائية التي لن تأتي، بدليل ان شارون أعلن عام 2000 أن اتفاقية أوسلو ماتت، واليوم حسم ترمب الموضوع بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالتالي لم يعد هناك اتفاقيات سلام.
واكد أنه لا علاقة لنا بتاريخ اليهود الوهمي، ونحن أصحاب حق ديني مرتبط بالله تعالى، وليس بقرار من هيئة الأمم المتحدة او مجلس الأمن أو ترمب، وأميركا ليست صاحبة صلاحية أصلا، ولا هي وصية علينا،لافتا الى أنه إذا كان اليهود موجودين بوعد بلفور، فنحن موجودون بوعد الله، ولا سبيل للجلوس مع اليهود والتفاهم معهم في موضوع الأقصى، لأنهم يزعمون أنه لهم ووسيلتهم الوحيدة هي الغطرسة والعنجهية والقوة.
وذكّر صبري بالأحداث التي شهدها المسجد الأقصى في شهر تموز الماضي، حينما أغلق المسجد الأقصى أمام المصلين ومنعت صلاة الجمعة فيه، وقال في حينها عدد من الوزراء في الحكومة الاسرائيلية اليمينية، بأن السيادة على الأقصى هي للإسرائيليين، ولكن أحبطتها الهبة الشعبية، مشيرا الى أن هذه التجربة أعطت درسا لإسرائيل بألا تفكر في موضوع السيادة.
بدوره حيّا المحلل السياسي المقدسي عبد اللطيف غيث، الشعب الاردني الذي انتفض في وجه القرار الأميركي الظالم ، مقدرا كافة المواقف والقرارات التي صدرت من الأردن من خلال مؤسساته المختلفة ومستوياته المتعددة التي رفضت هذا القرار.
وقال غيث إن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا بين اسرائيل والفلسطينيين والعرب، لأنها تنطق باسم اسرائيل، مشيرا الى أن مضمون قرار ترمب وتنفيذه جاء حرفيا وفق الرؤية الإسرائيلية، وهو ما يؤكد ان اميركا كانت تماطل وتضلل العرب منذ سنوات طويلة فيما تدعيه بحل الصراع بالمفاوضات، انتهاء الى الانحياز المكشوف للباطل ضد الحق.
وأطل غيث على المشهد الكامل بعد قرار ترمب، حيث كانت ردة الفعل على مستوى العالم أجمع، باستثناء اميركا، مبينا أن هذا الرفض المطلق فلسطينيا وعربيا واسلاميا وعالميا، يعني أن القضية الفلسطينية ليست قضية فلسطينية فقط، بل هي قضية إنسانية ثم اسلامية وعربية.
ودعا غيث الفلسطينيين الى عدم فصل نضالهم عن العمق العربي، متسائلا كيف لنا أن نفصل بين الفلسطيني والأردني في قضية فلسطين، وهم المشتركون في الجغرافيا والديمغرافيا والآمال والمصالح، فنحن شعب واحد وأمة واحدة وقضية واحدة، أما أن يكون الفلسطيني في الطليعة فهذا وضع طبيعي، مشيرا الى ان الاسرائيليين يغلفون القضية بالغلاف الديني كي يضللوا العالم بأن لهم حقا في فلسطين.
وتساءل هل حمت اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو القدس من قرار ترمب، موجها التحية لمجلس النواب الأردني الذي قرر مراجعة اتفاقية وادي عربة لأن الخطر الصهيوني ليس محصورا بفلسطين وقضيتها، وإنما يذهب باتجاه الأردن أرضا وشعبا، وهو خطر واسع وشامل ويجب العمل على درئه من الآن.
واكد أن المواجهة يجب أن تكون فلسطينيا شاملة، ونقطة البدء في هذه المواجهة وقف العملية التفاوضية ووقف التعامل بنهج أوسلو، لأن هذه الاتفاقية وهذا المنهج سرق من عمر الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية 25 عاما، ووضع النضال الفلسطيني في طريق صعبة وحرجة. وقال، ان على العرب حذف اميركا من قاموسهم فيما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، لأنها ليست شريكا عادلا وليست طرفا يتمتع بالحد الأدنى من النزاهة، داعيا الى مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بكل ما نملك من إمكانيات، مؤكدا في الوقت نفسه ان القضية ليست محصورة بالشعب الفلسطيني، وإنما يقع على كاهل العرب واجبات تتطلب عملية استنهاض شمولية.
وأشار مساعد الأمين العام لشؤون الأوقاف مدير متابعة شؤون المسجد الأقصى، المهندس عبد الله العبادي، الى أنه يوجد الآن تجرؤ على تغيير ما قائم في المسجد الأقصى وما حوله، وتغيير الوضع القانوني القائم للمدينة المقدسة من خلال فرض الأمر الواقع بسياسة الخطوة خطوة لكي يتم التعود على رؤية واقع جديد، لافتا الى أن خطورة هذا أنه يدخل في إطار استخدام العوامل النفسية، الأمر الذي يدعو الى رفع درجة الوعي لما يحدث على الأرض.
وأوضح العبادي أنه يوجد لوزارة الأوقاف الأردنية دور في منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" من خلال المشاركة في اجتماعاتها واجتماعات المجلس التنفيذي ولجنة التراث العالمي، والمشاركة في إعداد التقارير التي تقدم الى لجنة التراث العالمي عن حالة الحفاظ على البلدة القديمة وأسوارها كممتلك مدرج على قائمة التراث العالمي الذي أدرجه الأردن عام 1981، وأدرجه على لائحة التراث العالمي المهددة بالخطر عام 1982، مشيرا الى أهمية قرارات المنظمة التي توازي بقوتها قرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وبيّن العبادي أن قرار ترمب الأخير ليس مخالفا فقط للشرعية الدولية وقراراتها فحسب، وإنما مخالف أيضا للقوانين الأميركية الوطنية، لأن القدس مدرجة على لائحة التراث العالمي، وهو ما يجعلها تراثا إنسانيا وعالميا، وأي شيء فيه تراث عالمي وإنساني يعتبر في القانون الداخلي الأميركي كأنه ممتلك خاص وله حرمة، ويجب عدم الاعتداء عليه .
وأكد العبادي أن القرار الاميركي ليس له أثر قانوني على الأوقاف الإسلامية، وهي مستمرة في عملها في القدس على نفس النهج بغض النظر عن القرار، متمثلة في الإدارة العامة والمسؤولين عن الأوقاف الاسلامية والمسيحية في المدينة، وسيبقون يمارسون عملهم كالمعتاد بنفس النَفَس، ولكن بشكل متزايد مستقبلا لمواجهة الخطر المتزايد الذي أوجده القرار الباطل، والذي يمكن أن يجر المنطقة لحرب دينية حذر منها جلالة الملك عبدالله الثاني مرارا، لأن القدس تمس عقيدة ومشاعر كل المسلمين والمسيحيين في كل أنحاء العالم.
وقال النائب نصار القيسي، إن قرار ترمب يشكل اعتداء واضحا على كل أردني وكل عضو في مجلس النواب الذي لن يهدأ حتى يتم إلغاء هذا القرار، ولن يقبل إلا أن يتم تحرير الأرض المحتلة والمقدسات، مشيرا الى أن قرار ترمب جعل مجلس النواب يصل الى سقوف عالية في مسألة مراجعة اتفاقية السلام مع اسرائيل، لأن القرار انتهك كل السقوف وكل القوانين الدولية وحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، فكيف يطلب من مجلس النواب أن يخرج بلغة دبلوماسية او سياسية.
وأوضح ان ترمب لم يتجرأ علينا ويتجاهلنا وينقاد للسياسة الإسرائيلية إلا لأننا راضخون للغة الدبلوماسية ولغة المسايرة السياسية، وهو ما حرف بوصلتنا في الفترة الماضية عن القضية المركزية في فلسطين والقدس نتيجة أحداث المنطقة التي أدارت جزءا كبيرا منها أدوات خارجية تمهيدا لهذا القرار.
ورأى القيسي أن بإمكان مجلس النواب إلغاء اتفاقية وادي عربة مثلما تم إقرارها من مجلس النواب عام 1993، متسائلا عن الفوائد التي جناها الأردن بعد 23 عاما من اتفاقية السلام، التي يظهر أنها ذهبت لصالح الكيان الإسرائيلي، في حين أن أوهام الرفاه للأردنيين تبخرت، وتراكمت عليه المديونية وزاد فقرهم واستجداؤهم لصندوق النقد الدولي الذي يقوم عليه اللوبي الصهيوني.
وأشار القيسي الى تهديدات نتنياهو بتعطيش الأردن إذا استمر بموقفه المشرف تجاه القدس، لافتا الى أن الإسرائيليين بحسب خبرائهم يقولون أن اتفاقية السلام ضاعفت كمية المياه التي يحصل عليه الجانب الإسرائيلي عشرة أضعاف التي يحصل عليها الجانب الأردني، الذي يحصل على مياه لا تصلح لري المزروعات نتيجة ارتفاع نسبة التلوث فيها، كما زادت الانتهاكات على القدس والمقدسات في ظل اتفاقية السلام أضعافا كثيرة عن حجم الانتهاكات التي كانت قبل الاتفاقية والتي كانت نادرة ومحدودة.
وأكد القيسي أنه عندما يتعلق الأمر بالقدس وفلسطين نكون على قلب رجل واحد، لأننا من نسيج أمة عربية إسلامية ومتفقون على من هو العدو ومن هو الصديق، ومن هو المعين ومن هو المهين، مشيرا الى ان الأردن دولة ذات سيادة وشعبها مؤمن بعروبته ودينه وقدرة إنسانه على الصمود والتحدي والنهوض ودحر مخططات العدو الصهيوني وإيقافه عند حده، والأهم من ذلك أننا تحت ظل قيادة هاشمية حكيمة تنتصر لمقدساتها ومصالح شعبها.
ورأى القيسي أن الخيارات المتاحة أمام الأردن كثيرة، وهو قادر على المواجهة والمجابهة ومعه المليارات من المسلمين والمسيحيين الذي يرفضون الاحتلال الاسرائيلي، مشيرا الى جهود جلالة الملك عبدالله الثاني التي سبقت هذا القرار، وتأكيده أن الأردن "لن يرضى إلا بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف".
وقال، إن القرار الأميركي الظالم والصادر عن شخص لا يتصف بالنزاهة والحيادية وتعوزه المعرفة العلمية بتاريخ المدينة المقدسة، يوجب علينا العمل المكثف في مختلف الاتجاهات، ومنها الدولية لجعل هذا القرار بلا قيمة.
وأكد نقباء ومواطنون أردنيون لتقرير "القدس في عيون الأردنيين" الذي رصد ملامح ردود الأفعال على الساحة الأردنية، استنكارهم وتصديهم لأي قرار او موقف يمس عروبة القدس وإسلاميتها ومسيحيتها، مؤكدين أنها عاصمة فلسطين الأبدية وستبقى عربية إسلامية وقبلة لكل المسلمين والمسيحيين، ولا يمكن للسلام أن يقوم بدون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. كما أكدوا أن الأردن الآن في أقوى حالاته لأن الرسمي والشعبي مجتمعون على قلب رجل واحد في رفض هذا القرار، وأن الأردن وفلسطين صنوان وستبقى فلسطين والقدس قضية الأردن المركزية وفي صدارة أولوياته ومحط اهتماماته.(بترا)