سهرة مع الأطباء
دعيت إلى محاضرة في نادي مستشفى الإسراء الطبي، في أمسية هادئة حول موضوع الأحزاب والعمل النقابي من أجل التباحث في موضوع التداخل الحزبي النقابي الذي أصبح سمة بارزة وواضحة للعمل النقابي في الأردن لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان، وهو موضوع يستحق مزيداً من الحوار الجدي على جميع المستويات الحزبية والنقابية وبطريقة مسؤولة تخلو من المواقف المسبّقة والانطباعات الجاهزة.
فلسفة العمل الحزبي تقوم على فكرة جوهرية قوامها تنظيم عملية التنافس على السلطة، بحيث تكون مستندة إلى البرامج العملية المتكاملة والقادرة على إدارة الدولة بشكل شامل، وهذا الجهد لا يستطيعه الأفراد، بل يحتاج إلى جهد جماعي منظم، يحوي الخبرات والتخصصات الكافية لتحمل هذه المسؤولية بطريقة سليمة وقابلة للنجاح.
بينما فلسفة العمل النقابي تقوم على فكرة جوهرية قوامها تنظيم المجتمع لنفسه، بحيث ينتقل المجتمع إلى الحالة المتحضرة التي تصبح فيه القطاعات والمهن الجماعية تمارس عملها بطريقة منظمة وهادفة وتخضع لعمليات التطوير والتحسين التي ترتد على المجتع كله بالفائدة المرجوة فضلاً عن الفائدة التي تتحقق لأعضاء المهنة الواحدة.
عندما تم حل الأحزاب السياسية في الأردن عام (1957)، واستمر حظرها إلى عام (1992) إبان المدّ القومي العارم الذي اجتاح العالم العربي في أواسط القرن المنصرم، لجأت الأحزاب المنحلة إلى ممارسة أعمالها تحت الأرض في جو من السرية والكتمان والخوف من الملاحقة ووجدت في النقابات متنفساً قانونياً لممارسة النشاطات السياسية المعلنة من أجل التعبير عن رأيها السياسي إزاء القضايا السياسية والأحداث المهمة التي يتعرض لها الإقليم وخاصة في مجال القضية الفلسطينية، وكانت النقابات معقلاً حزبياً واضحاً، ومكاناً للتجاذبات السياسية بين القوميين والبعثيين الناصريين والشيوعيين واليساريين على وجه العموم، وفي أواخر الستينات وأوائل السبعينات ظهرت المنظمات الفلسطينية التي دخلت الفضاء السياسي وظهر أثرها واضحاً في العمل النقابي أيضاً.
في أوائل الثمانينات ظهرت معالم الصحوة الإسلامية، وبرز نجمهم مع الأفواج من الخريجين الجدد الذين دخلوا العمل النقابي أيضاً وأصبح لهم صولة وجولة، وما زال العمل النقابي حتى اليوم خاضعاً للتنافس بين الإسلاميين ومؤيديهم وحلفائهم من جهة، وبين تجمع القوميين واليساريين وحلفائهم من الجهة الأخرى، وهذا أدى إلى جملة من الآثار المنظورة التي الحقت ضرراً واضحاً بالعمل النقابي وأهدافه، منها: أ. ظهور الاستقطاب الحاد في الجسم النقابي بين التيارات الحزبية، الذي أدى إلى لون من المزايدة الحزبية على حساب جوهر العمل النقابي، وأصبح الفرز والاختيار قائماً على هذا الانتماء الحزبي وليس على الكفاءة والقوة والأمانة.
ب. ظهور مركز مالي كبير لدى النقابات أدى إلى ولادة شبكة من المصالح التجارية والاقتصادية، وأصبح هناك موظفون وعاملون وأعضاء مجالس إدارة لشركات كبرى ورواتب ومكافآت وأعطيات، مما أدى إلى خلط المبادئ بالمصالح.
ج. ترافق النشاط المالي والاقتصادي مع بعض مظاهر الفساد، وفي ظل الاستقطاب تظهر علامات التواطؤ والطبطبة على الأخطاء، وعدم الجدية في المحاسبة ومعالجة الاختلالات.
أمام هذه الحالة لا بد من المراجعة الضرورية والحاسمة من جميع الأطراف، والمراجعة ينبغي أن تكون علمية وموضوعية وتحمل قدراً كبيراً من المصارحة الجريئة تحت شعار (نحو مرحلة نقابية جديدة).
المرحلة الجديدة من العمل النقابي تقوم على جملة من الأفكار من أهمها: أولاً: تكريس التنافس بين القوائم الانتخابية على أساس برامجي، وليس على لون حزبي أو أيدلوجي أو ديني أو جهوي أو مناطقي، والجسم النقابي بكونه يمثل شرائح واعية ومثقفة مؤهلة لخلق هذا النموذج الحضاري المتميز.
ثانياً: الإدارة المؤسسية للمركز المالي النقابي بحيث تخضع لمؤسسة نقابية متخصصة محايدة لا تخضع إلى لون القائمة الفائزة، لأن هذا المال لكل أعضاء النقابة بلا استثناء وليس لفريق دون فريق.
ثالثاً: لا بد من ابتكار هيئة ممثلة في جسم النقابة يشكل برلماناً لكل نقابة، قادراً على المحاسبة الفاعلة للهيئة الإدارية، ويكون هذا البرلمان مشكلاً من القوائم المختلفة بطريقة نسبية توازي حجوم الأصوات.
رابعاً: ترك العمل السياسي للأحزاب وحدها ، وأن تنخرط النقابات في تحسين مستوى المهنة، وترفع سوية المجتمع وتؤمن أفضل أنواع الخدمة المهنية للمجتمع كله من حيث تسهيل كلفة الحياة وتخفيض الطاقة وتحسين الزراعة وهكذا.
نحن مدعوون إلى عدم تكرار المرحلة السابقة في العمل النقابي ، ولا بد من تطوير الأداء بمنهجية جديدة مختلفة تتناسب مع معطيات المرحلة الديدة بطريقة مسؤولة، تجعل من العمل النقابي والعمل الحزبي في مربع التكامل وتوزيع الأدوار وليس التناقض والتداخل والتزاحم والمناكفة.
الدستور