الأردن.. منتحلو التجميل يشوهون وجوه سيدات وقعن في ’شرك السعر‘
مدار الساعة - كانت الخمسينية دلال تنتظر دورها في احدى عيادات التجميل آملة في تخفيف تجاعيد وجهها عبر الحقن بـ "البوتكس والفيلر" الى ان قصدتها السكرتيرة هامسة في أذنها "اقوم في بيتي بما يقوم به طبيب التجميل فيما يتعلق بالحقن بثمن لا يصدق وأقل بكثير مما يتقاضاه، فما رأيك؟".
وطاب لدلال "توفير المال" فتوجهت لمنزل السكرتيرة التي قامت بحقنها بالمادتين معا، فكانت النتيجة بعد ايام تشوها واضحا في وجهها: اعوجاجا في الفم وارتخاء لجفن العين.
تقول دلال لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان (السكرتيرة) تسببت دون ان تدري بما حدث لها، أما أنا فقد انخدعت بزهد ثمن الابر ولم أعر اهتماما لحقيقة أن "السكرتيرة" ليست طبيبة تجميل.
وإن كان "التشوه" كل خسائر دلال، فقد تعددت خسائر سيدة أخرى للسبب ذاته حيث خسرت وظيفتها في مجال عرض الازياء، وخسرت ايضا حياتها الاسرية التي انتهت الى الطلاق بعد ان تسبب متطفل غير متخصص بالتجميل بتغيير معالم وجهها وإصابتها بالدمامل والتورمات. هاتان قصتان فقط من عشرات القصص المماثلة كما يقول اطباء ونقابيون ومتخصصون، يقف وراءها اشخاص يدعون قدرتهم على القيام بما يقوم به طبيب التجميل من اجراءات علاجية كحقن" البوتكس والفيلر والميزو" وغير ذلك من تقنيات التجميل يقع في حبائلهم سيدات يسعين لإخفاء مظاهر التقدم السن. ويحذر أطباء من الانسياق وراء هؤلاء الاشخاص حتى لو قدموا خدماتهم بأثمان قليلة، واصفين تصرفهم هذا "بانتحال المهنة" ومطالبين بتعزيز الرقابة على هذا القطاع وضرورة اللجوء للقضاء للحد من حالات التعدي على المهنة وإضرار الناس. ويحذر استشاري جراحة التجميل والترميم والحروق في مستشفى البشير الدكتور محمود البطاينة من عواقب اللجوء الى اشخاص غير مؤهلين، إذ أن "خرائط الاستدلال" الى اسماء الاطباء والمعنيين متوفرة على الموقع الرسمي للجمعية الاردنية لجراحي التجميل والترميم ويقدم الموقع التوجيه حتى لا يقع المريض فريسة لمنتحلين، مؤكدا ان قطاع التجميل شابه بعض "التشوه" بوجود أشخاص استسهلوا الحصول على الاموال بطرق غير قانونية،منهم بعض العاملين في هذا القطاع من غير الاطباء والاخصائيين الذين امتهنوا الحقن بـ "البوتكس والفيلر" في أماكن غير مرخصة مثل المنازل او أي مكان خارج نطاق العيادات المرخصة. ويوضح البطاينة أن المنتحلين يعرضون خدماتهم على المرضى مقابل مبالغ زهيدة جدا، منوها ان الامر لا يتوقف على التعدي على المهنة بل يمتد الى تزوير طرق استخدام مادة "البوتكس" التي يفترض أن تكون شديدة التركيز، بحيث لا يمكن اعطاء الابرة الواحدة لأكثر من شخصين او استخدامين، فيما يقوم المنتحلون بإعطاء الابرة الواحدة لستة اشخاص، الامر الذي يعني ان طبيعة المحلول اصبحت بلا فائدة نتيجة الغش .
إلا ان حقيقة الامر كما يسهب الدكتور البطاينة، ان عملية الغش هذه تؤدي الى عدم فاعلية عملية الحقن، فلا تستمر النتيجة لأكثر من شهر إذا لم تسبب تشوها، غير ان الحقنة الاصلية او المحلولة بطريقة علمية من المفترض ان تدوم فاعليتها 6 اشهر.
ويلفت الى ان مادة " البوتكس" هي الاسم التجاري للمادة الفعالة "الديسبورت", مؤكدا انهما المادتان الوحيدتان المضمونتان عالميا وغيرهما "مزور"، ذاهبا الى ان عواقب الحقن على ايدي غير المتخصصين لا تقتصر على الخسائر المادية فحسب، بل تتعداها الى أخطاء طبية فادحة وتشوهات واضحة في الوجه، بسبب عدم المعرفة العلمية بالأماكن المصرح الحقن بها في الوجه، ومن تلك التشوهات ارتخاء عضلات الوجه والجفن وصعوبة البلع التي قد تهدد حياة المريض. ويشير الدكتور البطاينة الى الفرق بين مادتي "الفيلر والبوتكس" من حيث التركيب والوظيفة, فالبوتكس يعطى للتجاعيد الناعمة في الجبهة وحول العينين، بينما مادة "الفيلر" تعطى لمحيط الانف والفم وهي كناية عن مادة "الهايرولونيك اسيد" التي يمتصها الجسم بعد حين، وهي من مكونات طبيعية لا تؤذي، وتعطى لإضفاء الشباب والحيوية في اماكن محددة في الوجه يعرفها فقط الاخصائي.
العبوي: بعض المنتحلين يستخدمون مواد بلاستيكية تسبب سرطانات ويشير استشاري التجميل والترميم الدكتور اكرم العبوي، الى ان منتحلي المهنة والدخلاء قد يستخدمون "فيلر" من مواد بلاستيكية لا تتحلل ابدا، وتبقى في الجسم لسنوات وقد تحتوي على مواد مسرطنة، فضلا عن تسببها بالندب والتشوهات الواضحة للعيان التي لا تعالج الا بالتدخل الجراحي الامر الذي يضاعف الكلف المادية ويؤثر بالنواحي النفسية والمعنوية للمرضى . وينصح بضرورة اللجوء للمتخصصين والابتعاد عن كل الدخلاء الذين يغرون المرضى بزهد الاسعار، كما ينصح بضرورة التأكد من وجود مادة "الهايرولونيك اسيد" في مادة "الفيلر"، مشيرا الى أن مريضة تراجعه منذ حوالي 10 سنوات تعاني من وجود مادة "فيلر" مزيفة تسببت لها بدمامل والتهابات وتشوهات في الوجه. ودعا الدكتور العبوي شركات ووكلاء المواد التي تستخدم في اي اجراء تجميلي كالحقن بـ "البوتكس والفيلر" وغيرهما عدم بيع هذه المواد الا لأصحاب الاختصاص من الحاصلين على اجازات وشهادات طبية تتيح لهم مزاولة المهنة، مشددا على اهمية اللجوء للقضاء في حال تعرض المريض لتشوهات خاصة اذا تأكد ان من اعطاه الحقنة ليس مؤهلا ومنتحلا للصفة .
ويذهب اخصائي التجميل الدكتور رامي نمير الى ان على الشخص الذي ذهب طوعا الى غير المختص ان يلوم نفسه قبل الآخرين، حيث لا نفع من توفير المال على حساب تشويه الوجه .
"الغذاء والدواء" لا تجيز مواد التجميل الا ضمن اجراءات رقابية صارمة تقول مديرة العلاقات العامة والدولية الناطق الرسمي في المؤسسة العامة للغذاء والدواء الدكتورة هيام الدباس، ان المؤسسة لا تجيز أياً من المواد المستخدمة في التجميل مثل حقن "البوتكس والفيلر"، الا بعد ان تكون مجازة اصلا من بلد المنشأ وفي اطار اجراءات رقابية صارمة تخضع لشروط تسجيل واضحة وفحوصات مخبرية دقيقة، ولا يتم بيعها الا لأطباء التجميل وذوي الاختصاص، مؤكدة انه لا يتم بيعها ولا بأي حال من الاحوال لصالونات التجميل او لأفراد عاديين قد يستخدمونها في المنازل.
ويؤكد امين سر جمعية جراحة التجميل والترميم قصي الموسى، أهمية لجوء المرضى الى الاطباء والمتخصصين في علم التجميل والابتعاد كليا عن كل من يقدم خدماته في غير الاماكن المرخص لها مزاولة المهنة، معولا على وعي الناس واهمية زيارة الموقع الالكتروني للجمعية لمعرفة عناوين واسماء وتخصصات اطباء التجميل.
نقيب الاطباء الدكتور ابراهيم الطراونة يشير بدوره الى تمتع الاردن بسمعة عالية في مجال الطب بكل تخصصاته ومجالاته، موضحا ان قيام البعض بانتحال صفة طبيب التجميل او القيام ببعض مهامه لا يرتقي الى مستوى الظاهرة ولا يؤثر مطلقا على سمعة هذا الحقل الطبي، فيما يقول المستشار في علم النفس الطبي الدكتور نايف الطعاني، ان لجوء البعض لمنتحلي الصفة ينم عن الجهل، متسائلا: كيف يقبل هؤلاء على انفسهم ان يقادوا الى نتائج مجهولة النتيجة رغم ان الامر يتعلق بصحتهم.
ويضيف، ان الاشاعات تلعب دورا في رواج عمل المنتحلين، كما ان البعض يلجأ الى منتحلي الصفة هربا من ارتفاع تكاليف العلاج لدى بعض أطباء التجميل، لكنه لا يخلي من يلجأ لهكذا اجراء من المسؤولية، لأنه ذاهب لمصير غير معلوم بنفسه.
وشدد على ان الجمال الحقيقي ليس فقط في الشكل، بل في الجمال الداخلي والثقة بالنفس والارادة والعلم والمعرفة والتغلب على مصاعب الحياة بالصبر والاقدام . بدوره يقول استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي إن الوعي اساس تجنب الوقوع في مطبات منتحلي الصفة والاحاطة قدر الامكان بمخاطر اللجوء الى التجميل التي قد تنجم عن العمليات، واصفا من يذهب بقدميه الى منزل منتحل صفة طبيب تجميل بأنه مرتكب لـ "جريمة اجتماعية" وانه شريك بها وعليه تحمل نتائج الجهل والتسرع وعدم تقدير عواقب الامور.(بترا)