اميركا لم تعد راعية لعملية السلام
مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/09 الساعة 13:52
مدار الساعة - كتب .. د. هايل ودعان الدعجة
تؤشر القرارات والسياسات الاميركية الصادمة وغير المسبوقة في عهد الإدارة الحالية ، اننا امام شخصية رئاسية مزاجية وجدلية وغريبة الاطوار ، ومتأثرة كثيرا ببيئة خطابها القومي والشعبوي المتطرف ، القائم على الكراهية والعنف والخوف الذي قادها الى هذا المنصب ، بما يشبه الانقلاب على نهج الإدارات الأميركية السابقة ، عندما استهل الرئيس دونالد ترامب أولى مغامراته بضرب المنظومة القيمية الأميركية الليبرالية على وقع هذا الخطاب المتطرف ، الذي اثار المخاوف من الهجرة واللاجئين والأقليات خاصة الأقلية المسلمة ، حيث أعلن حظر دخول مواطني سبع دول إسلامية الى الولايات المتحدة ، ما أدى الى حدوث مظاهرات واحتجاجات داخلية . إضافة الى دخوله في خلافات وعداوات مع الأجهزة الأمنية والقضائية والإعلامية الاميركية وهاجمها وشكك في ادوارها وقدراتها ، لانها وقفت في وجه قراراته وسياساته العنصرية حماية وانتصارا لمنظومة القيم الأميركية ، حتى انه اتهم بعض وسائل الاعلام الأميركية بالكذب وعدم النزاهة وبانها عدوة للشعب الاميركي . لينعطف بعد ذلك الى الخارج مهددا بإعادة النظر بالالتزامات والاتفاقيات والتحالفات الأميركية الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الدول الحليفة في أوروبا واسيا وأميركا اللاتينية وغيرها . حيث هدد بالانسحاب من حلف الناتو ، وطالب دول الاتحاد الأوروبي بزيادة مساهماتها المالية في الحلف ، وتحمل المزيد من النفقات مقابل حمايتها والدفاع عنها . ما دفع دول الاتحاد الى التفكير بتوفير مظلة امنية ودفاعية اوروبية مستقلة عن المظلة الأميركية لتعزيز اعتمادها على نفسها . إضافة الى دعمه لتوجهات التيارات والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا ، التي تسعى الى تعزيز النزعة القومية والانفصال وصولا الى تفكك المنظومة الأوروبية ومنطقة اليورو . الى جانب إعادة النظر باتفاقيات الشراكة عبر الهادي ، والتجارة والاستثمار عبر الأطلسي ، والتبادل الحر مع كندا والمكسيك ، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ومن اليونسكو ( دعما للكيان الإسرائيلي) . مما أدى الى توتر اجواء العلاقات الأميركية الخارجية وشحنها وتأزيمها مع الأطراف الحليفة والصديقة . في تأكيد على شخصية ترامب الجدلية وغريبة الاطوار .
وامعانا منه في الانعطاف بالمواقف الأميركية نحو المنحدرات السياسية الخطيرة ، يصر الرئيس ترامب على تجريد ادارته من الالتزام بالقرارات والمواثيق والقوانين الدولية ، ضاربا بالجهود الدولية السلمية التي تقودها وترعاها ادارته عرض الحائط . وهو يوجه ضربة قاسمة الى مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية ، عندما قرر الانحياز الفاضح للاحتلال الاسرائيلي من خلال اعترافه بالقدس عاصمة لهذا الاحتلال الغاشم ، بصورة مستفزة لمشاعر المسلمين والمسيحيين في شتى انحاء العالم . منهيا بذلك دور الولايات المتحدة كراعية للسلام ، وتحويلها الى طرف بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي الى جانب المحتل بعد ان ظهرت على حقيقتها وافتقدت الى الحيادية والصدقية وباتت غير مؤهلة للقيام بهذا الدور . وبلغ ترامب من الاستخفاف والاستهزاء بالمنظومة العربية والإسلامية والدولية ، ان يصر بان ادارته ما تزال ماضية في رعايتها للعملية السلمية ، رغم انفضاح امرها وانتهاء دورها في هذه المسرحية الهزيلة التي اعدت سيناريوهاتها التأمرية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ، وهي تقودها الى هذه الفاجعة الكارثية التي سيكون لها تداعياتها الخطيرة على امن المنطقة واستقرارها ، وعلى الجهود الدولية في محاربة التطرف والإرهاب في ظل هذه الأجواء السوداوية التي تبعث على اليأس والإحباط والخيبة لتشكل بيئة مناسبة للتنظيمات الإرهابية التي ستعمد الى توظيفها في الترويج لاجنداتها المتطرفة .
مع التأكيد بان هذا الاعتراف منعدم الأثر القانوني في تغيير وضع القدس كأرض محتلة ، كونه يخالف قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف بسيادة إسرائيل عليها ولا بانها عاصمة لها ، وان كافة قراراتها واجراءاتها باطلة كونها سلطة احتلال . ما يجعل قرار الاعتراف قرارا باطلا ومخالفا لقرارات مجلس الامن 242 الذي يدعو الى انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس ، والقرار 478 الذي يؤكد على عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي بشأن القدس ، ويدعو دول العالم الى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة . ومخالف أيضا لقرارت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اكدت في قرارها الصادر عام 1970 على جميع دول العالم عدم الاعتراف باي أوضاع او مكاسب إقليمية يتم الحصول عليها بالقوة او بالتهديد باستخدامها واعتبارها غير مشروعة وغير قانونية . وقرارها 303 / 1949 الذي لا تعترف فيه بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ،. كذلك فان قرار التقسيم 181 افرد للقدس وضعا قانونيا خاصا بوضعها تحت الوصاية الدولية . إضافة الى ان اليونسكو أكدت على الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للقدس . في الوقت الذي نفت فيه وجود أي ارتباط ديني لليهود بالقدس والمسجد الأقصى . وصولا الى الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الامن امس الجمعة ، والذي أكد فيه على قراراته السابقة بان لا بديل عن حل الدولتين ، وان القدس مدينة محتلة ولا سيادة لإسرائيل عليها ، وانها من قضايا الوضع النهائي التي يحسم امرها بالتفاوض .كما أكد على ذلك اعلان واشنطن 1994 ، ومعاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية ، وتفاهمات أوسلو .
مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/09 الساعة 13:52