سياسة جمع رأسين بالحلال

مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/05 الساعة 00:42

رغم تنامي الحديث عن الدولة المدنية وبداية تشكل اطار سياسي يحمل مفاعيل ومفاتيح الدولة المدنية, الا ان كثيرا من الخطوات الرسمية ما زالت مسكونة بأنماط ريعيّة لا تبشر بكثير تفاؤل حيال شعار عميق واستراتيجي تم رفعه أخيرا وهو شعار الاعتماد على الذات, الذي يبني قواعد اقتصادية وسياسية سليمة لمواجهة الاقليم واحداثه بمناعة وطنية داخلية, قائمة على اعادة استنهاض الهمم على كل الاصعدة, فالشعار يحتاج الى اعادة بناء المجتمع الاردني على اسس اصلاحية ديمقراطية بوصفه– اي الشعار - جذر الدولة المدنية المنشودة.

ادوات الحل للمشكلات التي نواجهها سواء الاقتصادية او الاجتماعية حتى اللحظة, قائمة على قواعد غير ديمقراطية وغير اصلاحية, ما يعني مزيدا من التشوهات في الحياة العامة, ومزيدا من الاحباطات لشارع شعبي بات يستقبل كل الخطوات الرسمية والبرلمانية بمزيد من التهكم والكوميديا السوداء , فدبلوماسية الولائم ليست ملائمة لمجتمع يخترق الالفية الثالثة بنسبة شباب تفوق حاجز الـ 62% معظمهم يستعمل احدث الادوات التقنية ويمتلك منبرا على مواقع التواصل الاجتماعي ومسلح بشهادة جامعية .

الحياة السياسية وادوات حسم الخلاف المجتمعي, ما زالت قاصرة عن التأسيس لدولة مدنية شعارها الاعتماد على الذات واساسها البناء الوطني الديمقراطي, فلا يمكن اقناع الناس بحسم خلاف على الموازنة العامة بوليمة تجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية , بعد موجة غضب عارمة تناقلتها كل وسائط الاعلام, ولا يمكن ان يستأنس الشارع الشعبي والسياسي لتصريح نيابي مفاده انه قام بتوقيع مذكرة برلمانية لانه خجل ان يقول لزميله “ لا “ , او انه قام بالتوقيع مخاجلة ودون قراءة المذكرة النيابية .

في ابرز تجليات المفكر السياسي عدنان ابو عودة, حين وصف الحالة السياسية والاصلاحية بالمركبة القديمة والمترهلة والتي يقودها شاب ماهر , فشباب السائق لن يمنح المركبة عمرا جديدا او سرعة مطلوبة , ونحن بدأنا معركة تحديث المركبة وزيادة احصنتها , منذ جلوس الملك عبد الله على العر, لكن ثمة نخبة ما زالت تضع العصي في دولايب المركبة وتمنعها من الانطلاق وتحاول جاهدة تأبيد اللحظة وايقاف الزمن عن نفس الادوات المستخدمة ما قبل الدولة , وفق سياسة جمع رأسين بالحلال , حتى لو كان الزواج حاصل عملية اغتصاب .

اعرف سلفا ان بعض التبريرات ستاتي على موعد الوليمة المفترض قبل عاصفة الامس , واعلن عدم قناعتي سلفا لاسباب لا استطيع ذكرها , وعلى الفرض السابق , فكان الأولى ان يتم التراجع عن الوليمة لصالح قاعات مجلس النواب, فالحوار وحسم الخلاف تكون ساحاته الارقام والبدائل وليس المناسف والولائم , لا ان يتم تاجيل اجتماعات اللجنة المالية مع الحكومة لاشعار آخر, فاللحظة الحرجة التي نعيشها تتطلب مقاربات سياسية واقتصادية من طراز مختلف وابتكاري وليس في تقبيل الرؤوس والتشريب على الضيوف من المعازيب, فالنواب ليسوا ضيوفا والحكومة لم ولن تكون المعزّب .

ثمة بدائل كثيرة للتخفيف عن الناس وعن الموازنة, فالكهرباء تعمل على الغاز المسال كما قالت الحكومة وكما بررت سابقا مديونية الكهرباء الهائلة جرّا انقطاع الغاز المصري , فنحن نمتلك ذاكرة ونستطيع مراجعة تصريحات الحكومات المتعاقبة , فكيف يتم رفع اسعار الكهرباء بسبب ارتفاع خام برنت , وثمة مشاريع طاقة نظيفة ومتجددة لم تستثمر الحكومة فيها ولا صندوق الضمان السيادي فلسا واحدا وهي تقوم بانتاج الكهرباء باسعار ثابتة وعلى سنوات طويلة جدا , ناهيك عن الخلل الناجم عن عدم تطور دائرة الجمارك وانتشار ظاهرة التهريب على كل المستويات , فهل يصدق عاقل او نصف عاقل ان 95% من القهوة المستوردة الى المملكة يتم استهلاكها في محافظة العقبة ؟ وهذا غيض من فيض.

هناك بدائل كثيرة وهناك وجاهة في ضرورة وقف الهدر عبر منظومة دعم السلعة التي اثبتت فشلها العميق , ولكنها بحاجة الى حوار عميق داخل الاطر الديمقراطية والرسمية ونحتاج فقط الى ادارة تمتلك ارادة حاسمة وهنا مكمن الحل والخلل.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/05 الساعة 00:42