ثمن الحكي
يتاح لي بين الاونة والاخرى, وعن قصد, متابعة البرامج الصباحية لمحطات الـFM الحكومية منها والخاصة. واتمنى على المسؤول ان يخصص ولو نصف ساعة ليستمع الى المذيع الذي يجلس ساعات وراء الميكروفون دون تحضير, دون ورقة وقلم, دون فريق عمل غير مهندس الصوت والمنتج. وهناك السميعة من المواطنين الذين يتصلون ليشاركوا المذيع الشجاع في ايجاد حلول للاقتصاد الاردني, لمناهج التعليم, لتنظيم النقل, لهندسة المدن.. ولألف سؤال يمكن لشخص يجلس في غرفة فارغة, ومطلوب منه ان يحكي, ويجيب على مشاركات المستمعين, وادخال اغان اكثرها لا يفهمه اردني مثلي.
ولانني عملت في الاذاعة منذ 15/5/1959, اذاعة الاردن ومدرائها عبدالمنعم الرفاعي, ووصفي التل, وصلاح ابو زيد, وعبدالحميد شرف, وعبدالحميد ياسين. فإنني تعلّمت هدف البرنامج الصباحي: برنامج فلاحي مبكر لمازن القبج, برنامج اسلامي لابراهيم زيد الكيلاني عن اصحاب الرسول, برنامج استيقظ واستمتع بالحياة لعبدالغني القصاب يقوم على جملة رشيقة قصيرة نطناطة كما يقول الفرنسيون وموسيقى كلاسيكية.
وحين غبنا سنوات عن الاذاعة وعن الوطن, وعدنا وجدنا برنامجاً صباحياً اسمه البث المباشر.. وهو تقليد لبرنامج مماثل في اذاعة دمشق ابتدعه اذكياء الاعلام في دولة لا ديمقراطية ليكون «حالة ديمقراطية» تمس يوميات الشعب: كثرة المترددين على محطات الوقود في ايام البرد والشتاء, والوقوف ساعات في الطابور. ارتفاع اسعار الزيت.. وهكذا وكانت هذه البرامج لا تجد حلولاً, وانما تعرض مشاكل وتحاول مناقشتها مع المسؤول.. فقط.
امس استمعت الى محطة FM, وكانت السيدة المذيعة تضع حلولاً للاقتصاد الاردني وتشارك المتحدثين بالهاتف مناقشة هذه الحلول:
- من هذه المشاكل: التهرب الضريبي, كيف نعاقب المتهرّب؟
- والجواب جديد: قانون يمنعه من التوظيف في القطاع العام او القطاع الخاص.. فمن غير المعقول ان تبقى العقوبة في الحبس مثلاً.
- هناك طريقة في فرض الضرائب العادلة: أن يكون سعر البنزين على صاحب السيارة الصغيرة الذي يعبئ سيارته بعشرة دنانير معقولة, وقليلة لانه فقير.. وما الذي يمنع رفع السعر على صاحب السيارة الكبيرة كذا ضعف لانه يملأ خزان سيارته بخمسين ديناراً.
والسيدة المذيعة تشكو أن المسؤول, أو السيد النائب لا يأخذ هذه الافكار النيّرة.
هذا نموذج, ومثله نماذج في اذاعات المحبوس في غرفة صغيرة, ومطلوب فيه برنامج ثلاث أو اربع ساعات وعنده اصحاب الهواتف, وعنده اغان كثيرة على بلدنا الجميل, وقيادته الشجاعة, واغاني الافراح الفلاحية التي لم تعد موجودة بعد أن اصبح للافراح فنادقها, والـDG الخاص بها, وبوفيهات القريدس, والخرفان المشوية.. وشوية حليب سباع فرنجي.
كلنا نطالب الحكومة بوقف الهدر المالي. ترى لماذا يكون لكل دائرة وبلدية وجامعة اذاعتها المؤلفة من شخص.. نعم شخص.
الرأي