وصفي التل الشهيد الذي يزداد تألقاً!
لا يمكن الإحاطة بشخصية وصفي التل، فسيرته العطرة تنطوي على مآثر ومناقب متعددة، محفوفة بالاحترام والولع والشغف، الذي هو أيضا شغفٌ بالقيم وتعلقٌ بالمُثُل. وهو شكل عميق من اشكال حب الوطن.
إن تاريخ وصفي ومزاياه ومناقبه وخصاله، موجودة في الكتب. وآخرها كتاب ملك التل: وصفي التل مشروع لم يكتمل».
إن من الواجب تناول سيرة الشهيد وصفي التل من زاوية اغتياله مظلوما.
واجدني مزهوا جدا وعلى درجة عالية من الامل بالمستقبل وانا أنظر الى هذا الجيل الشاب يتعلق بوصفي؛ فعن ماذا يبحثون في وصفي؟! ولماذا يحتفون بوصفي؟!
كان الشهيد استراتيجيا حين استبسل من اجل عدم دخول الأردن في حرب حزيران 1967 ليقينه بعدم استعداد الدول العربية وقلة جاهزيتها لمواجهة إسرائيل. لقد وصف وصفي تلك الحرب بانها «حرب قبل أوانها» !.
كانت التقديرات هنا هي: إن دخَل الأردنُ الحرب، فستسقط الضفة الغربية، وإن لم يدخل الأردن الحرب، فسيسقط النظام. بسبب الاحتجاجات الشعبية التي ستندلع والتي ستحمل الأردن خذلان مصر وسوريا وهزيمة تلك الدول في الحرب، ناهيك عن ان الاعلام الأردني كان ضعيفًا جدًا امام الاعلام العربي الذي كانت مصر تهيمن عليه.
وبعد ان وقعت الهزيمة واحتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والهضبة السورية وسيناء المصرية، دعا المجالد وصفي الى عدم وقف اطلاق النار؛ لأن «الحل السلمي تكريس للاحتلال».
إن جوهر مشروع المقاتل المغوار وصفي التل، الذي لم يكتمل - والذي من الطبيعي ان لا يكتمل- يمثله بدقة كتابه «فلسطين دور العقل والخلق في معركة التحرير» و كتاب الشهيد ناهض حتر عن وصفي «في مجابهة الغزو الصهيوني»
الذي دعا فيه الى:
اعتبار الحل السلمي تكريسا للاحتلال.
الاشتباك المستمر مع المحتلين لمنعهم من تثبيت احتلالهم.
اخضاع الجهود الأردنية لمتطلبات المعركة مع الكيان الصهيوني.
ضرورة فتح الجبهة الرابعة (الانتفاضة الشعبية في فلسطين) التي سمّاها «لحظة التثوير- الانتفاضة» في الأراضي المحتلة وذلك في خطابه الأخير امام مجلس الدفاع المشترك سنة 1971 .
اتُهِم وصفي بالمسؤولية عن ضرب المنظمات الفدائية المسلحة في أيلول 1970.
انا من شهود أيلول 1970. وقد نشأ أبناء جيلي على القيم القومية وعلى محبة فلسطين. وقد وجدت ضالتي في جورج حبش ووصفي التل رفيقه في حركة القوميين العرب، وكانا طالبين في الجامعة الامريكية ببيروت.
لقد مثّل وصفي التل لنا في منتصف الستينيات قيم «الوطنية الأردنية» القومية، المعادية للاستعمار، التقدمية، المعادية للتوسعية الصهيونية وللاحتلال المساندة لحق الشعوب في تقرير مصيرها.
في الـ 21 من آذار من عام 1967 وقعت معركة الكرامة المجيدة التي توحدت فيها ارادات وعزائم ودماء المقاتلين العرب فهزم الجيشُ الأردني والفدائيون الفلسطينيون، الجيشَ الإسرائيلي الذي لا يقهر.
لكن تلك التكاملية لم تستمر بل جرى التآمر عليها.
فقد نشأت في أواخر الستينيات في الاردن دولة داخل الدولة او دولة فوق الدولة وصلت الى ان رفع شعار «السلطة، كل السلطة للمقاومة» و»لا سلطة فوق سلطة المقاومة».
واختطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 3 طائرات أمريكية وبريطانية وسويسرية -وفشلت عملية ليلى خالد لخطف طائرة العال الإسرائيلية- واجبرتها على الهبوط في «مطار الثورة» في الأزرق وفجرتها في 1970.9.12 في اعلان واضح للعالم: الملك حسين لا يحكم الأردن.
قال السفير الأمريكي للملك حسين إن بلاده تتعامل مع الحصان الرابح.
وكان محتوما ان تقود تلك الصيغة من ثنائية الحكم الى الصدام المسلح والى الحسم الذي يسفر عن غلبة طرف على الطرف الاخر.
ويذكر أهلنا في الشمال ان المنظمات المسلحة اقتطعت الشمال واعلنته اقليما محررا. كما يذكر أهلنا اجتياح الدبابات السورية لحدودنا ووصولها الى حوارة ومشارف اربد ووقوع معركة دبابات تفوّق فيها الجيش الأردني، وكان ذلك العدوان السوري محاولة لاسقاط نظام الحكم، كان من المتوقع ان تساندها لاسقاطه، القوات العراقية المتمركزة في خو والزرقاء والتي كان مقررا ان تزحف إلى عمان.
يقول طاهر المصري: أراد وصفي أن يكون العمل الفدائي عملاً مستقلا لكن الأمور سارت على غير ذلك وسادت الفوضى في ذلك المكان، واكد المصري ان احداث أيلول لم تكن حرباً أهلية ابدا وانما كانت اشتباكات بين جيش يريد حماية السلطة وحركات فدائية مسلحة تداخلت فيها المسارات بصورٍ شتى وأصبحت خطراً على الدولة وعلى النظام العام فيها.
ويقول عدنان أبو عودة: إن وصفي الذي قُتل هو وصفي فلسطين ووصفي الأردن ويجب تكذيب كل من يدعون غير ذلك.
ويظل السؤال الكبير الخطير: ماذا لو اسفر الصراع على السلطة في أيلول 1970 عن هزيمة النظام ونجاح المنظمات الفلسطينية في السيطرة على الحكم، هل كان ذلك هو الحكم البديل، المقدمة الكبرى والضرورية، للوطن البديل !؟
ان القادة العرب الذين تورطوا بدم وصفي، وسهلوا للمجرمين الصغار مهمة اغتياله، قد لاقوا مصيرًا بشعًا ولاحقتهم لعنات شعوبهم.
فقد اغتيل أنور السادات في حادث المنصة الشهير في الـ6 من تشرين الأول عام 1981 ولحق باسمه عار لا يمحى، لانه خذل السوريين في حرب التحرير عام 1973 ولهث وراء وقف اطلاق النار فحولت إسرائيل دباباتها وطاقتها الى الهضبة السورية وانفردت بالجيش السوري.
ولقي العقيد القذافي مصيرًا غاية في البشاعة، اذ وجده من ثاروا عليه، مختبئا في المجاري، فاهانوه ونكلوا به وظل يستعطفهم ويتوسل اليهم لكنهم اعدموه في الـ20 من تشرين الأول عام 2011 ودفن سرًا في مكان مجهول في الصحراء الليبية.
ان من يحب الأردن ويفديها ويحميها، كوصفي التل لا يكون إقليميا ولا جهويا ولا طائفيا؛ لان تلك الاعطاب خطر على الأردن.
ومن يحب فلسطين، ويسعى لحريتها واستقلالها ويقاتل من اجلها كوصفي التل، لا يكون إقليميًا ولا جهويًا ولا طائفيًا لأن تلك الأعطاب خطر على فلسطين.
ومن يحب الله ورسله وكتبه كوصفي التل لا يميز بين الطفيلة والسلط واربد والكرك ومعان والرمثا والفحيص ومادبا وعجلون وجرش والمفرق والعقبة ولا يميز بين مدن الاردن والقدس والخليل وحلب وبغداد وتعز ودمشق وغزة والقاهرة والرباط.
وتظل مظلومية كبرى تلحق باسم الشهيد وصفي التل ابن الأردن وابن فلسطين وابن الامة، بسبب التضليل الواسع الذي تم، وبسبب عجز الاعلام الأردني حينذاك عن الانتشار المؤثر، وبسبب عدم إيلاء مظلومية وصفي الاهتمام الأردني الرسمي الواجب.
الدستور