مطار غزة.. رُكام شاهد على حُلم فلسطيني لم يكتمل
مدار الساعة - ما يزال ركام مطار غزة الدولي المُدمر، الواقع في أقصى جنوب قطاع غزة، شاهد على حُلم فلسطيني لم يكتمل.
فلقد تحول ذلك الصرح السيادي، بين ليلةٍ وضُحاها لكومة من الأنقاض، بسبب القصف الإسرائيلي، الذي تعرض له، بعد أقل من عامين على إقامته، كأول مطار يتبع للسلطة الوطنية الفلسطينية.
ويذكر العديد من الفلسطينيين بغزة، المطار، بكثير من الحنين، رغم الفترة البسيطة التي عمل فيها، نظرا للصعوبات الكبيرة التي يكابدونها حاليا خلال السفر.
وصادفت الجمعة، الذكرى الـ "19" لبدء تشغيل المطار، الواقع جنوبي شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، بالقرب من الحدود المصرية، حيث افتتح في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998.
وعمل المعبر لنحو عامين، قبل أن تغلقه إسرائيل، كإجراء عقابي على اندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينية في سبتمبر/أيلول من عام 2000.
ومنذ إغلاق المطار، عاد سكان القطاع لاستخدام معبر رفح، الواصل بين غزة ومصر، والذي تعرض لفترات طويلة من الإغلاق، خلال السنوات الماضية.
ويسافر سكان القطاع، من خلال مطار القاهرة المصري، بعد اجتيازهم لمعبر رفح، الذي تغلقه السلطات المصرية، بشكلٍ شبه كامل، وتفتحه فقط لسفر الحالات الإنسانية، عقب إطاحة قادة الجيش، بمشاركة قوى شعبية وسياسية ودينية، بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، في يوليو/تموز الماضي 2013.
ويقول القائم بأعمال رئيس سلطة الطيران المدني، زهير زُمْلط، إن إنشاء المطار، كان بمثابة "حُلم" للرئيس الراحل ياسر عرفات.
وأضاف زملط خلال اصطحابه مراسل وكالة الأناضول، في جولة بين مباني المطار:" منذ تأسيس السلطة الفلسطينية على أرض الوطن كان حُلم الرئيس الراحل عرفات، بناء مطار، فاصدر قراره بإنشاء سلطة الطيران المدني مطلع العام 1994والخطوط الجوية الفلسطينية مطلع العام 1995، وعملت السلطة على تحديد الموقع للمطار، في الأول من أكتوبر/تشرين أول في ذات العام ".
وأضاف زملط :" ضم المطار المقام على 2800 دونم (الدونم ألف متر مربع) قبل أن يُصبح أثرًا بعد عين، 19 مبنى مصمم وفق العمارة الإسلامية".
وتابع:" مباني المطار هي: الإدارة، وصالتي الوصول والمغادرة وتزيد عن 4 آلاف متر، وقاعة كبار الزوار على مساحة 1300 متر، ومدرج الطائرات ويبلغ طوله حوالي (1889 مترًا)، ومهبط، وبرج للمراقبة، ومقر للهيئة العربية للبترول، وبه طائرتين ملك للمطار، ومعدات ألمانية وأسبانية للعمل".
وأشار إلى أن تكلفة إنشائه بلغت ما بين 60 إلى 70مليون دولار أمريكي.
وأوضح أن عدد العاملين في المطار، بلغ حوالي 800 موظف فلسطيني، ما بين مهندسين وطيارين وإداريين وموظفي أمن وخدمات مسافرين.
وقال إن فترة بداية عمل المطار شهدت "حركةً دؤوبة للمسافرين، فسجل تنقل نحو 20 ألف مسافر عام 98، وحوالي 61 ألف عام 99، وقرابة 59 ألف عام 2000".
وأوضح أن رحلات المطار توقفت في الثامن من أكتوبر/تشرين أول، بعد نحو 10 أيام على اندلاع أحداث انتفاضة الأقصى.
وفي 13 فبراير/شباط 2001 أغلق المطار بشكل كامل، من قبل الجيش الإسرائيلي.
وبين زُملط أن المطار، كان يعد مؤسسة ذات أهمية كبيرة.
وأضاف:" للمطار أهميةً سياسيةً فيُعتبر رمزًا من رموز السيادة، وله أهميةً اقتصاديةً تمثلت في تشجيع التجارة والسياحة وإنشاء المصانع، وأخرى اجتماعية تتمثل في حرية التنقل والسفر للفلسطيني كيفما ووقتما شاء، وذلك حق مكفول، أن يكون له مطار ومعابر يتنقل لدول العالم ويعود، دون عراقيل".
وأشار إلى أن المطار كان يستخدم لنقل الحجاج والمعتمرين، للمملكة العربية السعودية، وفتح خطوط ملاحة مع الأردن، والمغرب، والإمارات، وتركيا، وقبرص الرومية، والسعودية، وكان به طائرة رومانية وأخرى مغربية تأتي وتذهب يوميًا".
وينظر زملط لما تبقى من المطار بألم، ويقول:" نحن من بنينا المطار بأرواحنا، أشعر بحصره، وأنا أرى التعدي على أرض المطار، والتلال الرملية، وتحويله لمكب للنفايات".
وأضاف:" نرجو من الرئيس محمود عباس أن يعمل جاهدًا لإعادة بناءه، ولدينا من الكوادر التي عملت به، وجاهزة للعمل، ولسنا بحاجة لكوادر خارجية، ونحن على استعداد لبنائه بأيدينا لرفع المعاناة عن شعبنا، الذي يُحرم من السفر".
وعُرف المطار باسم مطار غزة الدولي، ثم "مطار ياسر عرفات الدولي"، تيمنًا بالرئيس الراحل كونه صاحب فكرة إنشائه.
وبُني المطار بتمويل من "اليابان ومصر والسعودية وإسبانيا وألمانيا"، وتم تصميمه على يد معماريين من المغرب ليكون على شاكلة مطار "الدار البيضاء".
وكان الافتتاح الرسمي للمطار عام 1998 بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق "بيل كلينتون"، وزعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون منديلا؛ وكان المطار قادراً على نقل 700 ألف مسافر سنوياً، ويعمل على مدار الساعة.
وبدأ الأسطول الجوي الفلسطيني بطائرتين من نوع "فوكر 50" تتسع لـ48 راكبًا، وكانت منحةً من الحكومة الهولندية؛ أما الثانية فهي طائرة "بوينج727" تبرّع بها رجل الأعمال السعودي، الأمير الوليد بن طلال وتتسع لـ160 راكبًا، وكانت كافية لتسيير رحلات إلى دول عديدة بناءً على اتفاقيات النقل الجوي الموقعة بين فلسطين وتلك الدول، وكان يسافر عبره يوميًا ما بين 300-500 مسافر.
وفي ديسمبر/كانون أول 2001، دمر الجيش الإسرائيلي محطة الرادار بالمطار والمدرج لكن ساحته لم تتعرض لدمار بالغ آنذاك.
وفي يناير/كانون ثان 2002، قامت الجرافات الإسرائيلية بتمزيق المدرج إلى أجزاء.
وأثناء حرب لبنان في صيف 2006 قصفت إسرائيل المبنى الأساسي، وحوّلته إلى أكوام من الدمار، إلى أن تلاشت معالمه.
وبعد تدميره تقدمت وفود الدول العربية بشكوى لدى منظمة الطيران المدني الدولية (ICAO) وأُحيل الموضوع إلي مجلس المنظمة، وقامت الوفود العربية في المجلس(السعودية، مصر، الجزائر ،ولبنان) بطرح القضية وفق نصوص المعاهدات والقانون الدولي.
وبعد مداولات مطولة، استخدم الوفد الأمريكي كل الوسائل للحيلولة دون إدانة إسرائيل، من قبل المجلس.
ولكن المجلس تحت إصرار الوفود العربية لجأ إلي التصويت، وكانت النتيجة إدانة إسرائيل التي دمرت مطارا مدنيا، وأجهزة ملاحية، يستخدم للأغراض المدنية فقط.
وكلف رئيس المجلس والأمين العام للأمم المتحدة بمتابعة تنفيذ القرار، لكن دون أن يتم تنفيذ شيء على أرض الواقع، ليظل إغلاق المطار مستمرًا، وظلّت حجارته شاهدًا على حُلم فلسطيني لم يكتمل. الاناضول