عن بعض العلمانيين والمنظومة الأخلاقية لمجتمعاتنا

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/25 الساعة 00:15
في شيكاغو، رفضت المحكمة الفيدرالية قبل أسبوعين قضية رفعتها إحدى النساء تطالب بحقها في كشف صدرها. وقبل أسابيع حوكم رجل وامرأة في بريطانيا بسبب ممارستهما الجنس في حديقة عامة.
نشير إلى ذلك لأن في عالمنا العربي؛ علمانيون لا يعرفون من العلمانية أو الليبرالية سوى التحلل الأخلاقي، ويتجاهلون ما تبقى من قيم ديمقراطية، لأنها ببساطة تدين انحيازهم لسوط السلطة. ويشترك معهم في السياق بعض اليساريين ممن يدبّون الصوت حيال قضية اجتماعية، بينما يتجاهلون القمع والدكتاتورية، بخاصة إذا كان نقيضها يصبّ في صالح الإسلاميين.
الواقعتان المشار إليهما، ومثلهما كثير جدا، تؤكدان أن لا وجود لحرية مطلقة في أي مكان، حتى في القضايا ذات البعد الشخصي التي لا تضر مباشرة بالآخرين، وما يحدد السقف الأخلاقي للمجتمعات، أو منظومتها الأخلاقية هو ما تتوافق عليه، ولا يُفرض عليها بسوط السلطة، وحين يتم إقرار شيء جديد، يتم الأمر من خلال مؤسسات منتخبة انتخابا حقيقيا وليس صوريا، وأحيانا من خلال استفتاءات، كما في بعض الدول الأسكندنافية.
من يتابع تحولات مسألة الشذوذ، أو المثلية كما يسمونها يدرك ذلك، فالدول التي أقرتها، وما تزال أقلية إلى الآن، فعلت ذلك من خلال المؤسسات الدستورية، ولم يهبط القرار من الأعلى بسيف القانون، أو بسبب قناعة أقلية وحسب.
سيقول البعض من الإسلاميين إن ما يحكمنا ليس الرأي العام، بل الحكم الشرعي، وهذا قد يصحّ في أمر، وقد لا يصحّ في آخر، لأن الحكم الشرعي ليس محسوما تماما في كل الأمور، وإن كان كذلك في قصة الشذوذ مثلا، وقضايا أخرى كثيرة.
أيا يكن الأمر، فما بيننا وبين هذه الطوائف من العلمانيين والليبراليين هو المجتمع، ما داموا لا يلقون بالا للأحكام الشرعية، ولا يحق لهم تبعا لذلك أن يفرضوا على مجتمعاتنا ما يريدون من قيم أخلاقية بدعوى الحرية، لأن الثابت أن الحرية نسبية، ومن حق كل مجتمع أن يحددها بناءً على قناعاته.
هنا تتبدى إشكالية هؤلاء الكبرى ممثلة في قناعتهم بأن مجتمعاتنا متدينة، وكانت محافظة قبل أن تتصاعد موجة التدين في العقود الأخيرة، ولذلك هم يدعون إلى جرّها للمنظومة الأخلاقية التي يؤمنون بها؛ بسوط السلطة أو السياسة.
المصيبة أن هؤلاء يريدون حرق المراحل، ويريدون أن ينقلونا إلى منظومة الغرب (بل بعض الغرب) الأخلاقية، حتى دون المرور بمرحلة التدرج التي مرّت بها تلك المجتمعات، قبل أن تمرر ما يخالف ثقافتها المسيحية مثلا، والتي هي في أصلها محافظة؛ إن كان على صعيد اللباس أم القضايا الاجتماعية الأخرى.
لا حاجة بالطبع لضرب الأمثلة من دولة الاحتلال الصهيوني التي يراها البعض واحة الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط، وكيف يتحكم المتدينون بمنظومتها الأخلاقية من دون أن يستنكر عليهم أحد ذلك؟!
في عام 1886، ثارت ضجة كبرى بسبب قبلة في فيلم إيطالي حمل اسم “القبلة”، ثم تدرّج الأمر إلى ما نعرفه حتى الآن، من دون أن يتطور مثلا للمشاهد الجنسية الساخنة (دعك من أفلام البورنو)، ولك أن تتخيل كم استغرق الأمر من زمن بين الحالتين، لكن القوم الذين نتحدث عنهم يريدون أن ينقلوا مجتمعاتنا إلى ما يريدون بلمح البصر، وبقرار من الأعلى!! نحن نثق بانحياز الغالبية الساحقة من شعوبنا إلى القيم الإسلامية التي تحافظ على الأسرة كلبنة للمجتمع، وعموم المنظومة الأخلاقية التي تحافظ على تماسك المجتمع، لكن أولئك لا يريدون ذلك، وهم يعتقدون؛ كما بعض السياسيين، أنه من دون تغريب المجتمع لن يتخلصوا مما يسمونه الإسلام السياسي، وعليهم تبعا لذلك أن يشتغلوا على هذا البعد ما داموا عاجزين عن المنافسة الشريفة في ميدان السياسة الديمقراطية، وأي ميدان يقول الناس فيه رأيهم بحرية.
الدستور
  • محكمة
  • نساء
  • لب
  • عرب
  • إسلامي
  • قانون
  • إسلام
مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/25 الساعة 00:15