ما بعد عودة الحريري عن استقالته
عاد سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الى بيروت، ومن هناك أعلن تراجعه عن استقالته، بعد ان طلب منه الرئيس اللبناني التأني، وهذا يعني ان الحريري اما تراجع كليا، او ان الاستقالة مؤجلة، لكن مصطلح «التأني» يؤشر على ان الاستقالة لم يتم التراجع عنها كليا.
في كل الاحوال، غاب عن الرواية اللبنانية، العنصر الامني، الذي كان قد تحدث عنه رئيس الحكومة اللبنانية، حين اشار سابقا الى وجود خطر امني على حياته، وهو ماتحدث عنه ايضا في مقابلة تلفزيون المستقبل، ولم يتم التطرق مجددا الى هذا الخطر، وكأنه اختفى فجأة او تبدد، وكان الاصل ان يقدم الحريري تفسيرا واضحا، لموضوع الخطر الامني، اذ لايعقل ان يكون قد زال فجأة في بحر ايام قليلة، وهذا يمس في المجمل التبرير الامني للاستقالة الذي كان قد أعلن عنه سابقا.
الجانب الثاني، يتعلق بموقفه من النظام السوري، وحزب الله، ودعواته لتبني سياسة النأي بالنفس، ولايوجد مؤشرات علنية حتى الان، على اي تجاوب لما طلبه من جانب حزب الله، الا اذا كانت هناك لقاءات سيتم عقدها مع الحزب، الذي يشارك اساسا في الحكومة، ولايتوقع هنا، ان يتجاوب الحزب، مع مايعتبره مبررا، من حيث التدخل في سوريا، ومن حيث انكار التدخل في اليمن.
هناك مؤشرات على ان هناك عواصم عالمية، مثل باريس، تريد ان تبقى معادلة المسايرة في لبنان كما هي، باعتبار ان ملف حزب الله، ليس ملفا من امكانات الحريري وحيدا، بل يخضع لتقييمات اقليمية، ويرى الفرنسيون هنا، ان الحل الافضل حاليا داخل لبنان، هو مسايرة كل الاطراف لبعضها البعض، حتى يأتي الحل الاقليمي، على مستويات مختلفة.
لكن علينا ان نعترف هنا، ان الحريري بعد عودته الى لبنان، لن يكون ذات الحريري مثلما كان قبل الاستقالة، اذ انه اطلق نيرانه السياسية ضد حلفائه داخل لبنان، اي حزب الله حصرا، وايا كانت تبريرات هذه النيران، واذا ماكانت قرارا خاصا به، او تحت جملة تأثيرات متعددة، الا انه يقف اليوم، امام حلفاء، وجه لهم نقدا قاسيا، خلال الفترة الماضية، وعلى مسمع من العالم.
هذا يعني ان الحكومة اللبنانية باعتبارها جسما سياسيا، قد لاتصمد مطولا، خلال الفترة المقبلة، فنحن امام عدة احتمالات، فقد يلجأ الحريري الى تجديد استقالته، او قد يطلب اجراء تغييرات جزئية على الحكومة، خصوصا، فيما يتعلق باداء وزير الخارجية الذي سجلت عليه عواصم عديدة، مواقف قد لايتم غفرانها، وكل هذه العوامل وعوامل اخرى، تقول ان الحكومة اللبنانية تحت الاختبار، من حيث بنيتها، وقدرتها على الاستمرار والتعامي عن هزة الاستقالة التي تم التراجع عنها.
خلاصة الكلام، ان الوضع في لبنان، لن يستقر بعودة الحريري اليه، فما زالت تداعيات كثيرة، تطل بنفسها على المشهد اللبناني، سواء العوامل الداخلية، او عوامل عربية واقليمية ودولية، وسنرى كيف ان المشهد اللبناني، سينحرف بعد قليل باتجاه سيناريوهات صعبة في كل الاحوال.
الدستور