عن حكاية الطائفية من جديد
كما أن انتقاد الكيان الصهيوني صار يصنف “لا سامية” في كثير من الدوائر الغربية، أصبحت مهاجمة السياسات الإيرانية، ضربا من الطائفية عند آخرين، بخاصة عند من منحوا عقولهم، وربما ضمائرهم لخامنئي يوجهها كيف يشاء، إلى جانب من يؤيدونه من المحسوبين على غالبية المسلمين، فضلا عن أناس من طوائف أخرى.
ورغم أن هذه التهمة لم تعد تعنينا في شيء، إلا أن تكرارها يجعل من المفيد الرد عليها، وتوضيح الموقف، مع رفض خطاب طائفي فعلي من طرف أبناء الغالبية، لا سيما أن هناك من بين الشيعة أنفسهم من يتخذون موقفا مقدرا ضد سياسات إيران، بخاصة في لبنان والعراق، مع غياب لمثل هذه الأصوات في الخليج مع الأسف.
في حالات الحشد الطائفي والمذهبي، يغدو من الصعب على أي أحد أن يكون في المربع الآخر، بل حتى أن يتخذ موقفا متوازنا، لكن الحق أحق أن يتبع.
حين وقف البعض ضد حزب الله في حرب تموز 2006، ولاعتبارات مذهبية، لم نتردد في تأييده، ويومها لم نكن أبدا نجهل معتقداته، ولا مذهبه، ولا قناعاته على كل الأصعدة التي نعلمها حيال وقائع التاريخ، وهو موقف لم نندم عليه على كل حال، لأن الردة في عوالم السياسة ليست حكرا على أحد، وهناك محسوبون على أهل السنّة يصطفون بجانب بشار والعدوان الإيراني، ومن يتحمّل المسؤولية الكبرى عن هذا الذي يجري هو خامنئي، ولو اتخذ سابقا، أو اليوم أو غدا موقفا آخر، لما كان من نصر الله إلا أن يتبعه، وسيجد المبررات بالطبع، من دون أن يعني ذلك تبرئة للأخير من دم الشعب السوري، فضلا عن سقوط موقفه في الملف اليمني، ودعمه لطائفية المالكي سابقا، ولجرائم الحشد حاليا.
لسنا ضد أحد بسبب دينه أو مذهبه، وحتى الصراع مع العدو الصهيوني، لا صلة له بدينه، بل باحتلاله لأرضنا وتشريد شعبنا، ولو لم يحدث ذلك لتغير الموقف، وفي التاريخ القديم لجأ اليهود إلى ديار المسلمين هربا من بطش الصليبيين.
أهل السنّة لم ينظروا إلى أنفسهم يوما كطائفة، بل اعتبروا أنفسهم الأمة التي تحتض جميع الأقليات، ومن ساهم في دفعهم إلى التصرف كطائفة هو عدوان خامنئي الذي يستعيد ثارات التاريخ، ويريد تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة، ولو توقف العدوان، ومعه بالضرورة السبّ العلني لمقدسات السنّة، لما كان هناك أي إشكال في التعايش، وهو في النهاية قدرنا جميعا، فلن يبيد أحد الآخر، ولا بد من تسوية في نهاية المطاف حين يكون الطرف المعتدي جاهزا لدفع فاتورتها.
هل في المربع السنّي خطاب طائفي؟ صحيح، وحين نتحدث هنا أو في “تويتر” عن التعايش، يخرج علينا كثيرون ينددون ويرفضون، لكنهم يتجاهلون بطبيعة الحال سؤال البديل، لأن هنا في المحيط الإسلامي 200 مليون شيعي، لن يتواصل القتال معهم إلى يوم الدين.
لقد ربح الصهاينة والكثير من أعداء الأمة من هذا الحريق، فيما خسرت الأمة الكثير الكثير من أبنائها وثرواتها، ولن يتوقف هذا النزيف قبل أن يصل خامنئي لحظة الرشد الضرورية، ويدرك أنه لن يعلن الحرب على غالبية الأمة ثم يكسبها، وإذا اعتقد أن تواطؤ بعض الأنظمة معه سيمنحه فرصة الفوز، فهو واهمْ، وسيدرك ذلك عاجلا أم آجلا.
الدستور