أيقونة الأكثر قراءة .. محاولة للفهم
وفّرت تقنية المواقع الالكترونية للصحافة والاعلام على اختلاف تفاصيله وانواعه، فرصة لمعرفة مزاج الناس ونوعية الاخبار التي يشاهدونها، وهي فرصة بحاجة الى تحليل مضمون وسبر اغوار لمعرفة هذه الرغبات وتحديد دوافعها، دون الاكتفاء بالدلالة الرقمية المجردة، فهذه الايقونة - الأكثر قراءة - هي الاكثر دلالة للراغبين في التواصل مع الناس بعد ان بات الانترنت سلعة سهلة وغير مكلفة نسبيا، ورغم انشغال الكثير من الحكومات بالاستطلاعات لمعرفة التغذية الراجعة من الناس، فلا احد يولي هذه الايقونة قدرها اللازم رغم مؤشراتها الخطيرة والدالة على التحول العجيب في المزاج العام الاردني والعربي، واغماضة العين الرسمية مستمرة ومتصلة رغم سهولة الوصول الى المعلومة وسهولة تحليل مضمونها وتصويب الاختلال الحاصل في المزاج العام او على الاقل محاولة فهم هذا المزاج ومحاولة تصويبه.
باستثناء الاحداث المتعلقة بحياة الانسان، ارهاب او رفع اسعار، فإن الخبر السياسي والتصريحات السياسية لكبار المسؤولين لا تحقق ادنى مشاهدة، وكل التصريحات السياسية خارج اطار المراتب العشرة الاولى والعشرة الثانية، فالخبر الرسمي يجد حضوره في حالتي الاعمال الارهابية ورفع السلع الغذائية، وقتها تجد في المراتب الاولى اخبار التصريحات الرسمية وصور المسؤولين، ولو دققنا في التعليقات الشعبية على الخبر لعرفنا ان انتشاره كان على حساب الانتقاد والتقليل من الصدقية وليس من باب المتابعة والمعرفة، وهذا مؤشر يحمل دلائل خطرة ويحتاج الى مراجعة جذرية لمضمون التصريح الرسمي وللوسيلة الناقلة له، وكل سياسي لا يتابع هذه الايقونة سيعيش وهما كبيرا عن وضعه الشعبي وحضوره المهني، فهذه الايقونة كفيلة بأن تجعله يراجع كل تفاصيله اذا كان سياسيا فعلا وليس عاملا في السياسة او موظفا سياسيا.
على غرار المولات التجارية، هناك مواقع الكترونية عبارة عن مول اخباري، تجد فيه كل الاخبار وكل المواقع والصحف ولعل تطبيق نبض احد ابرز هذه المولات الاخبارية التي توفر استطلاعا مجانيا لمزاج القارئ للمحتوى العربي على شبكات الاخبار ومواقع كبريات الصحف والمجلات وكذلك المواقع الالكترونية، وعندما تراجع ايقونة الاكثر قراءة على هذا التطبيق المهم، تكتشف ان كل الصراع الدائر على الارض العربية وغياب انظمة ودخول بلدان في دوائر الفشل العام غير موجود على لائحة اهتمام القارئ العربي عموما، بل ان فستان ممثلة قادر على جذب الجمهور اكثر من خطاب رجل الدولة الاول، وتحتل الاخبار الاجتماعية حسب التصنيف الصحفي المراتب الاولى تليها الاخبار الرياضية والفنية، وهذا ليس صحيّا في بلدان تعيش حالة مرضية كبلداننا، فهذه اخبار تجذب المترفين وليس المهددين بوجودهم وحياتهم، ولعلها فرصة للهروب من الواقع المظلم او هي حالة انسحابية من الواقع نفسه، وهذا يبرر غياب الجماهير عن المشاركة الوطنية في كل الاحداث سواء الانتخابات العامة او الخاصة ويبرر حالة الفراغ العام في الوطن العربي ووصول الناس الى مرحلة الكفر الوطني.
في الدول التي تعيش حالة ترف وامان اجتماعي، يهتم الناس هناك بأخبار الفنانين ورجال الاعمال والغرائب الاجتماعية اكثر من اي خبر آخر نتيجة عدم القلق على تفاصيل الحياة والتأمين الصحي والاجتماعي ونسب البطالة وتشكيلة مجلس الوزراء، اما في بلادنا فدلالة العزوف عن الخبر السياسي مؤشر على عدم تصديق المواطن لكل الاخبار السياسية وتصريحات السياسيين، وبات الخبر الرسمي اقل جاذبية من اي خبر آخر، وتلك معضلة الحياة السياسية وتلك معضلة الدولة الاكبر، ان خطابها غير مسموع وتصريحات رجالها غير موثوقة، وعلى المسؤولين في بلادنا الاطلالة ولو اسبوعيا على تلك الايقونة لكي يعرفوا وضعهم العام ومزاج الناس نحوهم، بعد ان وفرت هذه الايقونة لهم استطلاعا يوميا للرأي العام والمزاج العام، كما كانت توفر النكتة السياسية ذلك، فهل يفعلها المسؤول الاردني ويقرأ مزاج الناس من اجل الاستجابة ؟؟؟
الدستور