قبل الرفع ؟!
سامي شريم
على لسان نائب رئيس الوزراء وفي أيلول الماضي قال أن الحكومة ستعمل بتوجيهات مجلس السياسات القاضية بتخفيض ضريبة المبيعات، واستبشرنا خيراً وقلنا أن الحكومة بدأت تستوعب متطلبات تفعيل السوق وعلاج الوضع الاقتصادي المتدهور بفعل سياسات الحكومات الجبائية والتي عطلت الاستثمار وجعلت الأردن في قائمة الدول الطاردة له، ولكن الحكومة ما لبثت أن تراجعت عن هذا التوجه البّناء والذي يُمثل رغبة جلالة الملك باعتباره رئيساً لمجلس السياسات وعادت لأسهل الحلول والذي يُمثل حل العاجز عن الفعل ، نعم إقدام الحكومة على رفع الأسعار يعني أنها فقدت البوصلة ولا تدري ما ستؤول إليه النتائج ، ولا تعلم أنها بهذه الفعلة تقود الأردن إلى كارثة اقتصادية حقيقية ، ألم تتعظ الحكومة بما فعله رئيس الوزراء السابق في أربع سنوات ضاعف فيها المديونية وقضى على ما تبقى من الطبقة الوسطى وقضى على الصناعة والزراعة ، ولولا انخفاض اسعار النفط العالمية لأصبح عجز ميزان المدفوعات كارثياً وكذا عجز الميزان التجاري .
استمرار السياسات الانكماشية المتمثلة برفع الأسعار ورفع الدعم وفرض الضرائب ستزيد كساد السوق كساداً ، وستقل الإيرادات بدل أن تزيد للدولة وللأفراد نتيجة انخفاض الدخل الحقيقي للفرد والذي سينعكس على قدرته الشرائية وتقليص خياراته في عدد السلع التي يستهلكها .
وبالتالي سينخفض إيراد الحكومة لسببين، السبب الأول أنه لن يدفع ضريبة على السلع المستثناة من قائمة الشراء وبذلك ستنخفض ضريبة المبيعات، والسبب الثاني أن المصنع سيفقد سوقه بما يُعرضه إلى تقليص عمالته بما يُضاعف نسبة البطالة، وسيقل ما يدفعه ضريبة دخل بما يؤثر سلباً على تحصيلات الحكومة من ضريبة الدخل.
وبالتوازي فإن أي مستثمر لن يتجه نحو توسيع مشاريعه القائمة ولن يفكر في مشاريع جديدة لإقامتها وبالتالي تتضاعف المشكلة بدل أن تُحل ، فأي عقلٍ يقود الحكومة لمثلِ هذه المغامرة ؟؟!!.
أمام الحكومة الكثير من الحلول السريعة مثل إلغاء مخصصات النفقات الرأسمالية للمشاريع الجديدة ، واقتصار النفقات الرأسمالية على المشاريع تحت الإنجاز والصيانة والمقدرة بـ305 مليون دينار تأجيل ربع المشاريع تحت التنفيذ لتوفير 150 مليون دينار وبذلك نوفر ألـ450 مليون دينار التي تريد الحكومة تحصيلها بفرض المزيد من الضرائب ورفع ضريبة المبيعات على السلع الأساسية وهذا حلّْ العاجز ولكنه أفضل بكثير مما تعتزم الحكومة ُ القيام به .
أما الإجراءات السليمة التي يجب على الحكومة القيام بها وهو ما عجزت عنه الحكومات السابقة ، فلا زالت مظاهر الفخفخة والفساد تُمارس على رؤوس الأشهاد مُتمثلة في رواتب ومخصصات المؤسسات والهيئات المستقلة والمجالس العليا ومجالس الإدارة متمثلة في الرواتب والمكافآت والأُعطيات والسيارات الفخمة والأثاث والمباني والسفرات وخلافه...
الحكومة تعلم أن المالية العامة للأردن لن تستقيم بوجود مثل هذا العبث، دمج المؤسسات في الوزارات التابعة لها ضرورة كما دمج الوزارات المتشابهة النشاط وإلغاء نصف عدد السفارات وإلغاء وظيفة المستشار والملحق والمفوض و وضع حد أعلى للرواتب بحيث يكون راتب الوزير باعتباره رأس الهرم هو الحد الأعلى لما يتقاضاه أي مسؤول في الحكومة أو في المؤسسات والهيئات والشركات التي تتبع الحكومة مع وقف كل أشكال المكافآت والأعطيات والهبات ، ووقف التعين إلا عن طريق ديوان الخدمة المدنية ويجب أن يشمل قانون الخدمة المدنية كافة منسوبي الدولة ليتقاضى حامل الشهادة الجامعية نفس الراتب في كافة مؤسسات ودوائر وهيئات ووزارات الدولة ووقف التشكيل العشوائي لمجالس الإدارة .
على الحكومة التفكير جدياً بوقف التدخل في شؤون الاستثمار ويقتصر دورها على توثيق الاستثمار ، وتقييم المنتج وتصنيفه وإلغاء الأعمال الورقية والسماح للمستثمر الذهاب للاستثمار وتذليل كافة العقبات في طريقه وصولاً الى اقامة مشاريع انتاجية لازمة لحل مشكلة البطالة.
ولا حل للمشكلة الاقتصادية في الأردن إلا بإقامة مشاريع إنتاجية تُخفض فاتورة الاستيراد وتدعم امكانيات التصدير .
إن وجود 300 ألف عاطل عن العمل و33 مليار ودائع في البنوك ودولة تملك 85% من الأراضي وفاتورة استيراد سنوية بقيمة 17 مليار دولار لا يعني قطعاً فقر موارد لكنه يعني سوء إدارة تمثلت في مجموعة من المسؤولين تم تدويرها على كافة مناصب الدولة ولا زالت تُمارس طقوسها تكريساً لمزيد من التراجع والفشل.