العيون المفتوحة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/21 الساعة 23:15

أشرت في المقال السابق،إلى أن حركة الضباط الأردنيين الأحرار لم تكن حركة تآمرية إنقلابية، لكنها كانت حركة وطنية ذات أهداف واضحة ومحددة، ربطتها بجلالة الحسين علاقة تعاون أوصل إلى تعريب الجيش العربي، بطرد كلوب وسائر الضباط الإنجليز، الذين كانوا يسيطرون على مقاليد الجيش العربي، وهي خطوة يعود الفضل الأول فيها إلى الحسين، كما كتب ذلك وبدون لبس المرحوم شاهر أبو شحوت، رئيس الحركة، فلو كانت هذه الحركة ذات أهداف تآمرية إنقلابية لزعمت لنفسها فضل قرار التعريب، بهدف إضعاف مكانة الملك في نفوس الناس، غير أنها فعلت عكس ذلك تماماً، فبادرت إلى تهنئة جلالة الملك ودعمه والوقوف خلفه، وهو ما أكده رئيس الحركة في مذكراته غير المنشورة، عندما وصف اللحظات التي أعقبت قرار طرد كلوب حيث كتب يقول "سألت زملائي عن رأيهم في ذهابي إلى عمان والزرقاء للإطلاع على ما يجري هناك، فأجمعوا على ضرورة ذلك، وقالوا يجب أن تذهب وأن تقابل سيدنا، وتبارك له بهذا اليوم المجيد. فتحركت إلى عمان ومررت بها في طريقي إلى الديوان الملكي. كان كل شيء يبدو عادياً في شوارع عمان فداخلني ظنون وشكوك هذه ليست عمان في مثل هذا اليوم. أين المظاهرات الوطنية وأين معالم الابتهاج؟ ولم أكن وحدي في السيارة كان معي سائق وحارس وكانا على علم بالعملية فقال أحدهما "مافي شيء يا سيدي الوضع عادي فأجبته أعتقد أن الخبر لم يذع بعد على الناس ، واسترحت أنا لهذا الجواب فهو التفسير الوحيد الذي كنت أستطيع احتماله في تلك اللحظة.

وصلت إلى قصر بسمان ودخلت إلى الديوان الملكي، فوجدت الملك حسين يجلس على أحد المقاعد في الصالون الكبير وإلى جانبه يجلس رئيس ديوانه بهجت التلهوني وخلفه يقف المرافقون العسكريون (علي أبو نوار ومازن العجلوني ومنذر عناب ومعهم خال الملك الشريف ناصر بن جميل) وما أن رآني جلالته حتى هب واقفاً وأقبل عليّ معانقاً ومباركاً، ودعاني للجلوس فجلست أنظر إليه بمحبة وإعجاب وبدا لي رائعاً في تلك اللحظة ، يشرب القهوة ويدخن وعلى وجهه ابتسامة مشرقة".

بل أن المرحوم أبو شحوت يستنكر في مذكراته، محاولة بعض ضباط الجيش، أن ينسب لنفسه الفضل في هذا القرار،عندما كتب يقول "جنح خيال علي أبو نوار في مذكراته إلى تجاهل دور الملك حسين في عملية تعريب الجيش وللأمانة والتاريخ، أنه كان القائد الفعلي الذي تحمل كامل المسؤولية عنها. بينما لم يكن دور علي أبو نوار أكثر من دور المرافق الذي يقف خلف سيده ويحتمي به".

أما في هذا المقال فسأقول واستناداً إلى مذكرات شاهر أبو شحوت أن حركة الضباط الأردنيين الأحرار كانت مخلصة للعرش رافضة لأي تآمر عليه، وهو ما يتضح من عدة مواقف اتخذتها الحركة، وأوردها رئيسها في مذكراته غير المنشورة، ومنها أن الحركة ومع صدور قرار تعريب الجيش قد اقتنعت بأن دورها السياسي قد انتهى، وصار عليها أن تنصرف إلى عملها الرئيس وهو العمل العسكري، وهذا ما أكده أبو شحوت في غير موقع من مذكراته من ذلك قوله "وبرحيل الضباط البريطانيين قررنا في الهيئة التأسيسية كحركة الضباط الأحرار أن نبدأ صفحة جديدة في حياتنا العسكرية نبني فيها جيشاً حديثاً مؤهلاً لمعركة تحرير فلسطين. وكنا نؤمن على أن الدور السياسي للضباط الأحرار قد انتهى ورفعنا الشعار التالي: (كلنا اليوم أحرار في جيش عربي حر وواجبنا هو حماية الوطن من العدو الأول إسرائيل)".

وفي موقع آخر من المذكرات كتب يقول "واستجابة لمتطلبات الوضع الجديد في الجيش قررنا في الهيئة التأسيسية لحركة الضباط الأحرار تجميد نشاط الحركة على كافة المستويات لنتفرغ لواجبنا العسكري.

كما يقول في موقع ثالث " وقررنا فعلاً أن نخلد إلى الراحة على أن نبقى أعيننا مفتوحة على ما يمكن أن يحاك ضدنا وضد البلدمن مؤامرات" .

ولعل هذه العيون المفتوحة هي التي مكنت الحركة من لعب دوراً حاسماً في إحباط محاولة إنقلابية تزعمها عدد من الضباط من غير أعضاء الحركة،وهو الدور الذي يذكره بالتفصيل المرحوم شاهر أبو شحوت، مما يؤكد أن حركة الضباط الأردنيين الأحرار لم تكن حركة إنقلابية تآمرية، كما سعى إلى تصويرها فيما بعد أصحاب الوقيعة من بطانة السوء وهذه كلها وقائع تؤكد الحاجة مجدداً لإعادة كتابة تاريخنا الوطني.
Bilal.tall@yahoo.com

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/21 الساعة 23:15