المفتي وثلاثة وزراء

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/17 الساعة 00:26
في الملتقى الذي اقامته دائرة الافتاء العام بمناسبة اختيار عمان عاصمة للثقافة الاسلامية، اجتمع لاول مرة ربما، ثلاثة وزراء ( الاوقاف والتربية والتعليم والثقافة) والى جانبهم المفتي العام للمملكة، بما يعني ذلك ان مؤسسات التوجيه في بلدنا حضرت على المنصة وفي قاعة النقاش ايضا. كان اللقاء لافتا وكلمات المشاركين ايضا، لكن اهم ما في الموضوع مسألتان: العنوان وكان عن دور الثقافة في بناء الانسان وحماية المجتمات ثم ما يمكن ان نؤسس له من ادوار متكاملة ومن تنسيق بين مؤساتتنا على اكثر من صعيد واهمهما الثقافة. صحيح،يمكن للدين، بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية، ان ينهض بدور فاعل في مواجهة ثقافة الكراهية العنف، فمعظم الشباب في بلادنا “متدينون” بالفطرة، ومسؤولية تصحيح تدينهم تقع على عاتق الفاعلين في مجالاتنا الدينية، والتصحيح يحتاج الى خطاب مقنع وذكي ومؤثر، يستطيع ان ينقلهم من حالة “التعبئة” والاستفزاز والتوتر الى حالة السكينة والتصالح والاستقامة، واذا كان الجنوح الى “العنف” ضد مبادئ الدين ومقاصده، فان اعادة الاعتبار لهذه المقاصد واقناع الشباب بها، يتطلب تحرير مؤسساتنا الدينية وخطابها مما يحيط بهما من ارتباكات والتباسات، وتأهيل العاملين فيهما بما يلزم مضامين وادوات. لكن دور هذه المؤسسات الدينية لا يكفي وحده، فالخطاب الثقافي والتعليمي والتربوي يمكن ان يوّظف ايضا في هذا الاتجاه، ويمكن لوزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ولغيرها من مؤسساتنا الثقافية ان تنهض بدور “تنويري” يساعد شبابنا على رؤية أنفسهم والعالم من بوابات اكثر اتساعاً ورحابة. لكن ثمة من يسأل: لماذا “نستدعي” الدين والثقافة والتعليم لمواجهة هذه المشكلة التي خرجت اصلاً من ميادين الاقتصاد او السياسة مثلاً؟ ولماذا لا يكون (الدين والتعليم والثقافة) شركاء بالاصالة في وضع السياسات لكي يكونوا بالتالي شركاء في مواجهة الأزمات. الشق الاول من السؤال غير صحيح، لأن “العنف” لم يخرج لشبابنا من “كهوف” الازمات الاقتصادية والسياسية قط، وانما من “رحم” تديننا غير الصحيح، ومن “ملاعب” ثقافتنا غير الخضراء وتعليما المغشوش، وبالتالي فان غياب او تراجع الباعث الديني والثقافي والتعليمي وبالتالي تراجع وعي الشباب يقع في صميم مسؤولية مؤسساتنا الدينية والثقافية والتعليمية.. وهم هنا مسؤولون عن انتاج “العنف” والانحراف والتشوهات التي اصابت قيمنا ومجتمعنا.. وعليهما ايضاً المساهمة في معالجتها. أما مسألة الاستدعاء وغياب الشراكة بالاصالة فهي هنا صحيحة، اذْ ان اهتمامنا بالدين والثقافة والتعليم وبما يحتاجه من مستلزمات لتطوير خطابنا العام ودعم الفاعلين والمبدعين في هذه المجالات لم يكن - للاسف - في مستوى اهتمامنا بغيرها من الميادين، وبالتالي فان “استدعاءنا” للثقافة والتربية والتدين عند الحاجة والاضطرار، بعد استبعادنا لها في الظروف “المشمشية” يثير اكثر من سؤال، بل ويدفع احياناً من يتولى العمل في هذه الحقول المهمة الى “الزهد” في التدخل او الوقوف في “مدارج” المتفرجين.. وهذا اسوأ ما فعلناه على صعيد مجتمعاتنا العربية. ومع ذلك، لا يجوز - ومهما كانت الظروف - للديني والمثقف والمعلم ان يغيبوا عن ممارسة دورهم المطلوب، خاصة اذا كان “مجتمعهما” يتطلب حضورهم، او كان ثمة “محنة” تلتمس منهم التدخل والمشاركة، كما لا يجوز لهم ان يتعاملوا مع “ازمات” مجتمعهم بمنطق “المقايضة” او انتظار “الاستدعاء” وانما لا بد ان يبادرا لاداء الواجب المفترض ان يقوم به. باختصار، ادعو الى “انشاء” تحالف وطني يجمع الديني والثقافي والتعليمي مع السياسي والاقتصادي، لا لمجرد بحث “الثقافة” وفهم ازماتها واتجاهاتها، وانما ايضاً لاطلاق مشروع وطني يليق ببلدنا، ولنبدأ من الدين والثقافة والتعليم، من المدارس والمنابر وقاعات الندوات والمسارح لنؤسس “وعياً” جديداً لدى شبابنا ضد الصراعات وضد الكراهية.. وضد كل ما هو “كريه” في مجتمعنا. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/17 الساعة 00:26