مدينة عراقية تفوق في ثروتها دولتين عربيتين!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/16 الساعة 14:53

مدار الساعة - فيحاء العراق ومنبع ثروته، إنها مدينة البصرة، مدينة تقبع في منطقة نفطية تعد من الأغنى في العالم، في هذا التقرير نسلط الضوء على مدينة البصرة وتاريخها ووضعها الحالي، فضلًا عما تزخر به من ثروات ومقارنتها مع دول مجاورة مثل: الإمارات والبحرين والكويت.

البصرة.. الموقع والتاريخ

تقع مدينة البصرة على نهر شط العرب جنوب العراق بين الكويت وإيران، وتعد المنفذ البحري الوحيد في العراق من خلال ميناء أم قصر، لعبت البصرة دورًا مهمًا في التاريخ الإسلامي المبكر، وبنيت عام 636م.

تشترك البصرة في حدود دولية مع السعودية والكويت جنوبًا، وإيران شرقًا، والحدود المحلية لمحافظة البصرة تشترك مع محافظات ذي قار وميسان والمثنى، وتعد البصرة المدينة الثالثة في العراق بعد بغداد والموصل، وتقع على بعد حوالي 67 كيلومترًا من الخليج العربي، وعلى بعد 549 كيلومترًا جنوب العاصمة بغداد، ويقدر عدد سكانها بـ2,600,000، ومساحتها الكلية تقدر بـ19070 كيلومترًا مربعًا حسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية عام 2003.

كانت للبصرة أسماء كثيرة فيما سبق وذكرت بأمهات الكتب، فمن ذلك كان تدعى بـ«الخريبة» قبل الفتح الإسلامي، وذلك لوجود مدينة قديمة خربة قريبة منها، وبعد بنائها سميت بأسماء كثيرة منها أم العراق، وخزانة العرب، وعين الدنيا، وذات الوشامين، والفيحاء، أما اسم البصرة الحالي ففيه الكثير من الأقاويل، ومنها الأرض ذات الحجارة الصغيرة الرخوة المائلة إلى البياض، وردها يعقوب سركيس إلى السريانية، وقال إنها تعني الأقنية أو باصرا أي محل الأكواخ، وقيل إنها سميت بصرة لأنها كانت تقع على مرتفع من الأرض حتى أن من يقف في ذلك الموقع يستطيع أن يرى أو يبصر ما حوله.

شط العرب في البصرة

كانت البصرة قبل الإسلام من ثغور العراق، فيها خليط من أمم شتى من فرس ويونان أحلّهم فيها الإسكندر، وقد نزلها العرب منذ القدم، كما كان فيها أنباط غير قليلين، وكان يرتادها تجار العرب، ومر بها أبو بكر الصديق في الجاهلية مرات عدة أثناء تجارته، بنيت البصرة بعد الإسلام في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وكان الصحابي القائد عتبة بن غزوان -رضي الله عنه- هو من بناها، واختلف المؤرخون في سنة بنائها، بين سنة 14هـ/635م، أو 15هـ، أو 16هـ، أو 17هـ، ومرد ذلك الاختلاف كان التساؤل فيما إذا كانت قد بنيت قبل فتح المدائن عام 16هـ أو بعده، ولكن أغلب المؤرخين يتفقون على أن سيطرة المسلمين عليها كان له الدور الكبير في فتح المدائن.

الثروة النفطية في البصرة

يمتلك العراق ثروة نفطية موزعة في مختلف مناطق البلاد، وتتركز غزارة الإنتاج النفطي في جنوب البلاد، وبصورة خاصة في محافظة البصرة، تضم البصرة الجزء الأكبر من الاحتياطي النفطي العراقي المكتشف حتى الآن، ويصل مجموع الحقول النفطية في المدينة إلى 15 حقلًا نفطيًّا، 10 منها منتجة وقيد العمل، أما الـخمسة الأخرى فما زالت تنتظر الاستثمار والتطوير، يقدر مجموع الاحتياطي النفطي في البصرة بـ65 مليار برميل، بنسبة تقترب من 60% من الاحتياطي النفطي العراقي، ومن أبرز حقول مدينة البصرة:

حقل الرميلة الشمالي، وهو عملاق الحقول العراقية، ويمتد على مساحة واسعة من البصرة شمالًا وحتى دولة الكويت جنوبًا، ولكن الجزء الأعظم منه يقع في العراق، وهو تاسع أعظم حقل نفطي عالمي، ويضم في طبقاته أجود أنواع النفط، ويضم هذا الحقل الآن أكثر من 663 بئرًا منتجة.
حقل آخر لا يقل أهمية عن سابقه، وهو حقل مجنون، وسمي بهذا الاسم لوفرة النفط فيه، وهو حقل عملاق وينتج مؤقتًا حوالي مئة ألف برميل يوميًّا، مع أن طاقته الإنتاجية قد تصل إلى 600 ألف برميل يوميًّا فيما لو استثمر.

حقل غرب القرنة، يمثل هذا الحقل الامتداد الشمالي لحقل الرميلة الشمالي، يعتقد أنه يحتوي على مخزون يقدر بـ24 مليار برميل على الأقل.
حقل نهر عمر، حقل نفطي كبير له مكامن عديدة غير مطورة، وما زال إنتاجه متواضعًا؛ إذ يبلغ حوالي ألف برميل يوميًّا، وقد تصل طاقته بعد التطوير إلى 500 ألف برميل يوميًّا.
حقول أخرى لا تقل أهمية عما سبقها، وهي: حقل الرميلة الجنوبي، وحقل الزبير، وحقل اللحيس، وحقل الطوبة.

تشير دراسة صدرت عام 2015 عن مركز الدراسات والأبحاث العلمانية للباحث نبيل جعفر، والباحثة منى جواد، إلى الأهمية الاقتصادية الدولية للنفط في البصرة؛ إذ تمتلك احتياطيًّا نفطيًّا ضخمًا فاق احتياطي العديد من دول أوبك ودول بحر قزوين (باستثناء إيران) ودول بحر الشمال مجتمعة، فضلًا عن إنتاجها الكبير الذي يشكل نحو 65% من إنتاج العراق من النفط الخام.

وتشير الدراسة أيضًا إلى أن عملية استخراج النفط في البصرة تتميز بتدني كلفة الإنتاج، فهي الأقل تكلفة على النطاق العالمي؛ إذ إن حقول النفط والغاز في البصرة تقع على اليابسة، وفي أعماق قريبة جدًا من سطح الأرض، إضافة إلى أنها ذات جدوى اقتصادية عالية بسبب حجم الاحتياطي الضخم، وكبر مخزونها، إضافة إلى أنها -أي الحقول- لا تتضمن تركيبات جيولوجية معقدة ما يسهل عملية الاستخراج.

يقول الخبير الاقتصادي العراقي، زكريا العبيدي، لـ«ساسة بوست» إن الاحتياطي النفطي العراقي أكبر بكثير مما هو معلن عنه، ويضيف العبيدي أن الاحتياطي النفطي في البصرة وحدها قد يتجاوز الرقم المعلن عنه بكثير وهو 65 مليار برميل، فجميع المسوح الجيولوجية قديمة، وقد مضى عليها أكثر من 20 عامًا، ويرى العبيدي أن الاحتياطي النفطي العراقي قد يتجاوز 180 مليار برميل في عموم العراق، و90 مليار برميل في البصرة وحدها.

كيف يعيش الناس في البصرة الغنية؟

البصرة مدينة عرفت بشط العرب وجمال منظره فيما سبق، كما عرفت بكثافة أشجار النخيل فيها قبيل الحرب العراقية الإيرانية، والتي فقدت الجزء الأعظم منها بسبب الحروب المتلاحقة، كورنيش المدينة الممتد على طول شط العرب فيها عدّ من أجمل ما قد يتخيله المرء في مدينة تطل على الخليج العربي حتى أنها سميت بـدرة الخليج لجمال العيش فيها.

مدينة عرفت بـشناشيلها العثمانية التي شيدت في القرن السابع عشر، والتي ميزتها عن بقية المدن العراقية، ولا يذكر اسم البصرة إلا ويذكر أدباؤها الذين وصلت أعمالهم إلى العالم، ويكفي ذكر الشاعرين أحمد مطر، وبدر شاكر السياب.

لم يبق الحال على ما هو عليه في المدينة، فقد تأثر كل شيء فيها، الحجر والبشر على حد سواء، ورغم أنها مدينة نفطية باحتياطيات هائلة، إلا أن نسب الفقر والبطالة فيها مرتفعة جدًا.

يشير تقرير الأمم المتحدة في عام 2014 إلى أن نسبة الفقر في البصرة ارتفعت إلى أكثر من 16%، فضلًا عن معدلات البطالة المرتفعة جدًا، وكانت لجنة التخطيط والمتابعة في مجلس محافظة البصرة قد أعلنت في مايو (أيار) الماضي عن نتائج دراسة أظهرت أن 48% من الخريجين لم يفلحوا في الحصول على وظائف حكومية، ويعاني الآلاف في البصرة من مشكلة البطالة رغم النشاط التجاري الكبير في المحافظة التي تضم منافذ حدودية برية وبحرية نشطة على مدار العام، إضافة إلى أن العديد من الشركات النفطية الأجنبية الكبرى مثل «رويال داتش شل»، وبي بي المعروفة سابقًا باسم بريتش بتروليوم، و«لوك أويل» تعمل في الحقول النفطية بالمحافظة.

يقول الخبير الاقتصادي العراقي، زكريا العبيدي، لـ«ساسة بوست» تكمن مشكلة العراق في البطالة المزمنة فيه منذ عقود، ورغم الانفتاح الاقتصادي الذي حصل منذ عام 2003، وآلاف الخريجين من الجامعات العراقية، إلا أن سوق العمل لا تستوعبهم بسبب البون الشاسع بين العرض والطلب من جهة، فضلًا عن أن العمل في القطاع الخاص يتطلب مهارات وخبرات تفوق ما تتطلبه الوظائف الحكومية، وهو ما لا يتوفر لدى كثير من الخريجين.

أكوام النفايات وانقطاع الكهرباء.. واقع المدينة المر

حال البصرة كحال كثير من المدن العراقية التي تعاني من سوء الخدمات، فقد تظاهر المئات من أهالي منطقة القبلة في محافظة البصرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي احتجاجًا على تردي الوضع الخدمي، وطالب المتظاهرون بالإسراع في تنفيذ مشروع إنشاء شبكة المجاري وتبليط الطرق ورصف جوانبه، فيما تظاهر المئات من سكان المدينة قرب ديوان محافظة البصرة احتجاجًا على توجه الحكومة نحو الاستثمار في قطاع توزيع الطاقة الكهربائية، مطالبين بتحسين أوضاع المحافظة اقتصاديًّا وخدميًّا، ومنحها حقوقها المالية، وتوفير الكهرباء قبل الشروع في الاستثمار فيه.

شراء السلاح أسهل من شراء الكولا

البصرة وعلى الرغم من أنها ظلت بعيدة عن الأحداث الساخنة التي شهدها العراق في السنوات الثلاث الماضية والمتمثلة في سيطرة تنظيم الدولة «داعش» على مساحات شاسعة من العراق في يونيو (حزيران) 2014، إلا أن المدينة تعاني من وضع أمني قلق يصل في بعض الأحيان إلى الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة، فقد وصف عضو لجنة العشائر في مجلس النواب فريد الشعلان الوضع الأمني في محافظة البصرة أنه «سائر على طريق الانهيار» بحسبه، مرجعًا ذلك إلى النزاعات العشائرية، وتداول المخدرات وتجارتها، وسيطرة عصابات متنفذة على مُدْخلات المنافذ الحدودية البرية والبحرية بالمحافظة، وأوضح الشعلان أن الحكومة العراقية إن لم تتنبه إلى الوضع الأمني، فإن مفتاحها الأمني سيفلت من أيادي الجميع، وسيكون من الصعب السيطرة عليها، بحسب الشعلان.

وفي السياق ذاته، أكد مصدر مطلع من البصرة أن المخدرات تنتشر بين أبناء المحافظة بشكل مخيف، ويتعاطاها الكبار والصغار في المدارس الابتدائية والمتوسطة، وسط تحذيرات من انتشارها بشكل أكبر، وأضاف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن هذه المخدرات تدخل إلى المدينة بحماية جماعات وعصابات متنفذة في المحافظة، وهذه العصابات تتصارع فيما بينها على إتاوات ومبالغ تُفْرَض على تلك المخدرات، فيما أكدت تقارير أن ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻣﺤﻄﺔ ﺗﺮﺍﻧﺰﻳﺖ لنقل المخدﺭﺍﺕ ﻓﺤﺴﺐ، بل ﺗﺤﻮّل إلى مركز ﺗﻮﺯﻳﻊ ﻭﺗﻬﺮﻳﺐ واستهلاك، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻣﻌﻈﻢ ﺗﺠﺎﺭ ﺍﻟﻤﺨﺪﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺁﺳﻴﺎ ﻳﻮﺟﻬﻮﻥ ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﻢ إلى ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﺛﻢ ﻳﺘﻢ ﺷﺤﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ دول أخرى مستغلين تدهور الأوضاع الأمنية لتمرير الشحن والبضائع المخدرة.

يقول حسين علي، وهو أحد سكان محافظة البصرة لـ«ساسة بوست»، إن الوضع الأمني في المدينة على كف عفريت، حسب قوله، وأن الجميع مسلح، خاصةً في أطراف البصرة المدينة، وأضاف علي أن العشائر تمتلك الآن أسلحة ثقيلة توازي ما تملكه القوات الأمنية من جيش وشرطة، وختم علي حديثه لـ«ساسة بوست» بالقول إن الحصول على قطعة سلاح في البصرة كما الحصول على مشروب «كوكاكولا» وبأسعار معقولة.

مدينة أغنى من دولة مجاورة

إنها البصرة الفيحاء، مدينة لم تنل من نفطها نصيبًا، مدينة بثرواتها النفطية فقط تفوق ما تملكه دولة البحرين ودولة الكويت من نفط، وتقترب مما تملكه دولة الإمارات العربية المتحدة من الذهب الأسود، وكان مسؤول نفطي بحريني قد ذكر أن بلاده تمتلك احتياطيات من النفط تقدر بـ 1.5 مليار برميل تقريبًا، وهو رقم ضئيل جدًا مقارنة بما تزخر به البصرة من نفط، فضلًا عن الكلفة العالية في استخراج النفط البحريني.

كما تتفوق مدينة البصرة على الاحتياطي النفطي للكويت فقد نشرت مجلة «petroleum intelligence weekly piw» المتخصصة في مجال الدراسات النفطية في 20 يناير (كانون الثاني) 2006 تقريرًا أوردت فيه أن الاحتياطي النفطي للكويت هو في الحقيقة نصف المعلن رسميًّا عن الحكومة الكويتية.

ومن المعروف أن الكويت تمتلك احتياطيًّا يقدر بحوالي 99 مليار برميل، وتقول المجلة في تقريرها إنها حصلت على وثائق وبيانات من داخل شركة نفط الكويت KOC، وهي الجهة المسؤولة عن عمليات الإنتاج في البلاد، تشير الوثائق إلى أن الاحتياطي النفطي المؤكد وغير المؤكد هو حوالي 48 مليار برميل فقط، أي حوالي نصف ما هو معلن رسميًّا من الحكومة الكويتية، وتضيف المجلة أن هناك فرقًا بين الاحتياطي المؤكد والممكن والمستحيل، وإذا ما صحت هذه المعلومات فإن البصرة بذلك تتفوق على الكويت أيضًا في مجال الاحتياطي النفطي.

أما إذا ما وضعنا مقارنة بين مدينة البصرة والإمارات، فإن دراسات علمية حديثة أعلِنت خلال مؤتمر أوابك في أبوظبي عام 2012، تشير إلى أن احتياطي النفط في الإمارات يصل إلى 97.8 مليار برميل، وهو رقم لا يبعد كثيرًا عما تملكه البصرة من احتياطات نفطية تقدر بـ 65 مليار برميل، ويرى الخبير الاقتصادي العراقي زكريا العبيدي أنه إذا ما أجريت دراسات جيولوجية حديثة فإن احتياطي النفط في البصرة قد يرتفع إلى مستويات قياسية جديدة، وعن الوضع الاقتصادي والخدمي للبصرة نسبة إلى ما تملكه من ثروات، يختم العبيدي حديثه بالقول إن زائر المدينة لن يصدق أنها تملك ما تملكه من ثروات؛ بل قد يظنها مدينة إفريقية بائسة، وفق وصفه.

ساسة بوست

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/16 الساعة 14:53