الموازنة - حلول وسط
في تعاملها مع مشروع الموازنة العامة يبدو أن اللجنة المالية في مجلس النواب نأت بنفسها عن التطرف أو التسرع في الرفض والاعتراض وطرح الحلول الكاسحة ، واختارت الحلول الوسط ، والالتقاء مع الحكومة في منتصف الطريق. ومن هنا جاءت توصياتها بتوفير مبلغ 450 مليون دينار عن طريق تخفيض النفقات العامة بمقدار نصف هذا المبلغ ، وزيادة الإيرادات بمقدار النصف الآخر. وحتى تخفيض النفقات جاء عن طريق تقسيمها بحيث يقع نصفها على النفقات المتكررة ، والنصف الثاني على النفقات الرأسمالية.
هذا فيما يتعلق بالصورة العامة ، أما عند الاقتراب من التفاصيل فلا بد أن يكون الانتقاء حكيماً ، فأي النفقات الجارية يمكن تخفيضها دون المساس بقدرة الحكومة على تقديم أفضل الخدمات؟ وأي النفقات الرأسمالية يمكن تأجيلها ، أم أن ذلك سيترك للحكومة. هذه الأسئلة تتطلب إجابات مدروسة.
وزارة المالية لم تقدم إلى المجلس طبخة جاهزة ونهائية ، بل قدمت مشروعاً يقبل البحث والتعديل ، ولكن ليس أي تعديل ، لأن المشروع لم يتم سلقه على عجل ، ولم يتخلله السهو والخطأ ، وقد تمت دراسة ومراجعة جميع البنود والتفاصيل ، وتفاصيل التفاصيل. ولذلك فإن تغيير الأرقام لا يجوز أن يتم عشوائياً ، فقد قامت الوزارة بكل ما تستطيع من تخفيضات ممكنة ، واقترحت كل ما يخطر بالبال من مصادر الدخل بحيث أن أي تعديل معقول لا يمكن أن يذهب بعيداً.
ليس هناك من يحب الضرائب أو زيادة الأسعار ، وخاصة في ظروفنا التي اعتدنا أن نصفها بالصعبة. (متى كانت سهلة؟).
الحكومة ليست مغرمة بفرض ضرائب جديدة أو رفع أسعار خدمات وسلع لأن ذلك يؤدي إلى تخفيض شعبيتها ، وهي أغلى ما تملك!.
من هنا فإن مقترحات وزارة المالية لوسائل تدبير 450 مليون دينار إضافية تعني أن الحكومة تقبل أن تسحب على رصيدها المتواضع من الشعبية ، ولكن هل الشعبية نهاية المطاف؟ ماذا عن الحس بالمسؤولية ، وكيف يمكن احترام ما التزمت به الحكومة تجاه الصندوق بموجب أرقام ونسب مئوية محددة كأهداف مالية واقتصادية.
ليس صندوق النقد الدولي وحده هو الذي يراقب أداء الحكومة الاقتصادي ، بل جميع الدول المانحة والدائنين أيضاً.
كنت أريد أن أنصح بسياسة من شأنها أن لا يموت الذئب ولا تفنـى الغنم ، ولكني لم أفعل لأن الحكومة ليست ذئباً ، والشعب الأردني ليس غنماً.