المومني يخالف الجميع: لا حرب في المدى المنظور ومرحلة تسكين لا تسخين
مدار الساعة - كتب: المحامي بشير المومني - ظهرت في الآونة الاخيرة تحليلات غير دقيقة تناولتها الصحافة بالتهويل والنشر تتحدث عن استعدادات وشيكة لشن سلسلة حروب جديدة طاحنة في المنطقة بالاستناد لمعلومات صحفية وتحليلات لا تقوم على اساس واقعي او عسكري على الأرض ولا تعدو كونها تكهنات هدفها الاثارة الاعلامية بناءً على استنتاجات لصحفيين غير متخصصين في الشؤون الاستراتيجية.
على خلاف جميع التحليلات غير العلمية وغير الموضوعية التي تتحدث عن احتمالية وقوع حروب جديدة في المنطقة فإن المنطق التحليلي العسكري والسياسي والاقتصادي للأزمات الأقليمية يقول باستبعاد هذه الفرضيات غير المنطقية حيث ان المرحلة الحالية هي مرحلة تسكين لا تسخين باستثناء ضرورة وجود نزاع محدود لن يتعد هامش المناوشات والتوتيرات في منطقة الخليج العربي بهدف رفع اسعار النفط العالمية ..
ما يحصل في السعودية من شأن داخلي وما يحصل او سيحصل في لبنان من ضغط على حزب الله وما يحصل في سوريا والعراق من تحالفات بمواجهة التنظيمات الراديكالية ووقف تمويلها وما يحصل في مصر والاراضي المحتلة خصوصا مع حركة حماس وتوجهات المصالحة وما يحصل مع قطر وما يحصل مع ايران من محاولات زعزعة الاتفاق النووي ولا ننسى اليمن كل ذلك هو نتيجة طبيعية لانتهاء حقبة ما سمي بالربيع العربي ورحيل المشروع التفكيكي للدولة الوطنية وبداية المشروع الجديد المتمثل بالمارشال العربي ..
اعادة البناء والاعمار في المنطقة وتقسيم الكعكة بين الأطراف الدولية له متطلبات تقوم على اساس تفكيك ادوات المرحلة السابقة (النزاع المسلح) وعلى رأسها تسكين الوضع العسكري والأمني وتفكيك تنظيمات ما دون الدولة في سوريا والعراق وسيناء وليبيا والعمل على نزع سلاح المليشيات بما فيها حماس وحزب الله واعادة اطلاق العملية السلمية مع اسرائيل وعمليات التفكيك الفكري والاعلامي لمنظومة النزاع نفسه ..
تأسيسا على ما تقدم نستطيع فهم الحالة السعودية المستحدثة والازمة القطرية وانهاء التواجد الفعلي على الارض لما يسمى بدولة الخلافة واعادة خرط التنظيمات المسلحة غير العقائدية في الجيوش او الاجهزة الامنية او ترتيب تفاهمات سحب السلاح ومناطق خفض التوتر وتحويل هذه التنظيمات العسكرية لاحزاب مدنية على المستوى التكتيكي وبقاء النظام السوري بشكله الحالي باعتبار اسقاطه لم يعد اولوية دولية وجريان المصالحة الفلسطينية وبروز المملكة السعودية الرابعة والتي من ابرز معالمها فك التحالفات التاريخية التي قامت عليها المملكة سابقا من تزاوج الديني والسياسي وتفكيك هيمنة الامارة على رأس المال وحصره بمنظومة الدولة المدنية الحديثة ..
حتى اسرائيل الجهة الاكثر عدائية في المنطقة لا مصلحة لها بخوض غمار تجربة فاشلة في الجنوب اللبناني لا سيما في ظل تعقيدات داخلية سياسية سيكون مؤداها سقوط لمنظومة اليمين الاسرائيلي في اول مناسبة انتخابية وخسارته للمكتسبات التي حققها في السنوات الماضية وكشف مدى الضعف والخلل الذي تعاني منه المنظومة العسكرية التي خضعت لمراجعات عميقة بعد حرب عام 2006 وبقيت عاجزة حتى الآن عن القدرة على التعامل مع صواريخ غزة البدائية فما بالكم بمنظومة اكثر تعقيدا يمتلكها حزب الله ..
السيناريو الوحيد المطروح في الاتجاه أعلاه - وهو احتمال يبقى ضعيفا – يتمثل بالهروب الاسرائيلي السياسي للأمام وتصدير الازمات الداخلية للخارج في عمليات عسكرية جوية استكشافية محدودة بشرط ضمان تفكيك سلاح حزب الله من خلال تفاهم دولي مع روسيا وسوريا وايران لقاء التسكين والتفكيك الفعلي لتنظيمات ما دون الدولة في سوريا والعراق وضمان حصص كعكة اعادة الاعمار لهذه الجهات والانتقال بالعملية السياسية بالداخل اللبناني والسوري والاسرائيلي لطور انتخابات مبكرة وفق تفاهمات دولية متزامنة وهنا يمكن فهم وجود فراغ دستوري لبناني متمثل بغياب وجود رئيس للوزراء وبالنتيجة الكلية فأننا نتحدث هنا عن اعادة فتح قنوات التفاوض السوري اللبناني مع اسرائيل بالتزامن مع الجانب الفلسطيني ..
مقتضيات نهاية مشروع الهدم العربي وازالة اثاره بمشروع اعادة البناء بما يفضي لانتعاش الاقتصاد العالمي يقتضي حتما وجود تمويل سخي ولا يمكن تحقيق هذه الغاية دون تسكين جبهة اليمن أيضا لتمكين الخليج من التفرغ لهذه المهمة فلا يمكن توقع الخروج من الازمة اليمنية دون تدخل سعودي تحديدا في التفاهمات الجارية في لبنان والعراق وسوريا وبكل تأكيد فإن من متطلبات ذلك رفع اسعار النفط العالمي لتحقيق فائض قادر على تغطية متطلبات هذا المشروع العالمي الضخم ومن هنا لابد من توقع توتير للعلاقة السعودية الايرانية وفي الحقيقة فأن هذا التوتير يخدم مصلحة جميع الاطراف سواء السعودية او ايران وحتى اباطرة النفط الجمهوريين في امريكا وروسيا، اما هذا التوتير فلن يأخذ اكثر من الحجم الذي نراه حاليا وربما بعض المناوشات البحرية المحدودة هنا وهناك قد تكون شرارته الموضوع القطري ..
بجميع الأحوال المرحلة هي مرحلة تسكين لا تسخين اما بالنسبة للأردن فمن الواضح وضمن نطاق السياسات والتقديرات الاستراتيجية للمشاريع نهاية وبداية فهو يعرف تماما اين يضع اقدامه ودليله التفاهمات التكتيكية التي يجريها مع الولايات المتحدة وروسيا بالشأن السوري والتفاهمات المباشرة مع الجانب العراقي والتمسك بسياسة النأي بالنفس عن التطورات الداخلية في السعودية او الازمة القطرية والموضوع اللبناني بالتزامن مع دعم جهود اعادة الروح للعملية السلمية ودعم التوافقات الفلسطينية لتقديم نفسه كمنطقة آمنة يمكن ان تكون خلال الاعوام القادمة محط الرحال لشركات وجهات اعادة الاعمار الدولية في المنطقة ..