العلاقات الإيرانية العربية

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/10 الساعة 00:15
العلاقات الإيرانية مع العرب على وجه الاجمال لم تبدأ حسنة ولم تسر بطريقة مقبولة بالحد الأدنى منذ عام (1979)، وهي ليست مرشحة للتحسن في المدى المنظور مع معظم الأقطار العربية، وأعتقد أن الطرفين يتحملان المسؤولية بدرجة متفاوتة، فالجمهورية الإيرانية تبنت مبدأ تصدير الثورة الذي أرعب العرب، كما أن الأنظمة العربية بقيت تتعامل مع إيران بمنطق التوجس والريبة وعدم الثقة.
حاجز الجليد بين إيران والعرب يزداد صلابة وجموداً رغم مرور ما يزيد على (37) عاماً على الثورة الإسلامية في إيران، وإذا كانت إيران هي الطرف الأقوى في المعادلة فهذا يرتب عليها مسؤولية اكبر في إعادة النظر في سياساتها القديمة وينبغي أن تشرع في بناء مرحلة جديدة مختلفة من حيث المنهج والمرتكزات وأسلوب التعامل، ويمكن الاشارة إلى بعض القضايا التي تستحق المراجعة في هذا السياق.
القضية الأولى تتمثل بالمذهبية السياسية بمعنى أن إيران حشرت نفسها ضمن اطار مذهبي ضيق، وهي تمزج بين السياسة والمذهب الشيعي بطريقة غير مرنة خاصة بعد سيطرة الخط المتشدد على مقاليد الامور بطريقة صارمة، وهذا ادى إلى بناء جدار حاجز وعال مع أهل السنة، مما يحتم على إيران أن تتخطى سياسة الحواجز والخندقة وان تشرع بسياسة بناء الجسور، وينبغي عليها ان تتعامل مع العرب بمنطق سياسي مصلحي قائم على الروابط المشتركة وهي كثيرة وعديدة؛ تتصل بالتاريخ والجغرافيا والمستقبل، حيث أن إيران تتصرف وكأنها حامية الشيعة في العالم وتختص بحراسة أتباع المذهب الشيعي وحماية مصالحهم، مع أنهم مواطنون كاملو المواطنة في الدول العربية، و تبرز هنا قضية (الولي الفقيه) الذي يبسط سيطرته الدينية والمذهبية والسياسية أيضاً على أتباع المذهب الشيعي في الدول العربية، ربما لا بأس من التبعية المذهبية، ولكن المشكلة تكمن في التبعية السياسية واصبح ذلك يشكل خللاً قانونياً واضحاً ومؤرقا.
القضية الثانية تتمثل في بناء علاقات سياسية مع الأقليات والجماعات والاحزاب بطريقة تنتهك بها سيادة الدول العربية؛ فهي لا تدخل البيوت من أبوابها في طراق العمل السياسي والعرف الدبلوماسي، بمعنى أنها لا تقيم العلاقة مع رأس الدولة ونظامها السياسي، بل تعمد الى التسلل المذهبي لتقيم علاقات سياسية مع الاقليات الشيعية تحت ستار المظلومية والاضطهاد المذهبي لتمنحهم القوة التي تمكنهم من التمرد على الانظمة الحاكمة؛ كما فعلت مع حزب الله في لبنان، و كما تفعل مع الشيعة في البحرين والعراق والسعودية والكويت بالطريقة نفسها، وهذا يخالف الأعراف السياسية المتبعة والقواعد الدبلوماسية المعروفة في كل دول العالم، فليس معقولاً إقامة كيانات وجيوب سياسية يتبع لها انتماء عقدي وسياسي داخل الدول العربية تأتمر بامرها، وتقدم لها دعما سياسيا وماديا ً، بل وتقوم بتسليحها وتدريبها .
القضية الثالثة تتمثل في لعبة المحاور التي لعبتها الدول الخارجية الأخرى في تقسيم العرب إلى محاور متشاكسة وجاءت إيران لتمارس اللعبة نفسها لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً، فهناك محور الممانعة والمقاومة وهناك محور الاعتدال والسلام، وهي محاور وهمية لم يجن العرب منها إلاّ الخيبة والفشل والنزاع والضعف والفرقة، بينما إسرائيل لا تتعرض لمقاومة ولا تحزنون، بل يزداد العرب ضعفاً وتزداد إسرائيل قوة مع مرور الوقت . مما يقتضي التوقف عن لعبة مناصرة الشعب الفلسطيني التي اصبحت ممجوجة ومعزوفة مشروخة.
القضية الرابعة تتمثل بمنطق الاستعلاء الذي تستخدمه إيران مع العرب، والاستثمار البشع في حالة الانقسام العربي وحالة الانهيار التي اغرت ايران وبقية القوى الاقليمية والدولية لاستخدام سياسة الترغيب والترهيب وسياسة العصا والجزرة مع الاقطار العربية منفردة، والأصل أن تقوم العلاقة على مبدأ المعاملة بالمثل والاحترام المتبادل الذي يؤدي إلى التقارب العربي الإيراني الحقيقي وبناء قوة مشتركة قادرة على حماية المنطقة، والوقوف في وجه المطامع الاستعمارية والتدخلات الخارجية.
الحوارات التي تجري مع بعض الدبلوماسيين الإيرانيين لا تأخذ مجرى المصارحة، ولا تلامس القضايا الحساسة بمنهجية واضحة تضع الاصبع على الجرح النازف، ولا تهدف إلى كسر الجمود واذابة الجليد وتغيير التقليد السابق الذي لم يحقق أي تقدم طوال السنوات المنصرمة.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/10 الساعة 00:15