حول وثائق أسامة بن لادن الجديدة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/08 الساعة 00:07
لم تتح لنا الفرصة الكاملة للاطلاع على الوثائق الجديدة لأسامة بن لادن (التي عثر عليها في المنزل الذي اغتيل فيه في مدينة أبوت أباد الباكستانية)، والتي نشرتها السي آي إيه، إذ تم حجبها سريعا بدعوى “مشاكل تقنية”، ولا يُعرف إن كانت ستتاح من جديد أم لا، مع العلم أن الوكالة اعترفت بحجب بعضها لأسباب “تتعلق بالأمن القومي”.
ما يمكن قوله ابتداء هو أن ما أتيح (حوالي 470 ألف وثيقة) لا يعدو أن يكون حصيلة التنقيب في كمبيوتر أسامة بن لادن، وربما كمبيوتراته، واستخراج كل ما مرّ عليه وقرأه أو شاهده خلال سنوات، ويكفي أن يكون هناك 7 آلاف رابط من صحيفة واحدة، حتى ندرك طبيعة الوثائق التي ذُكر أن من بينها “18 ألف ملف وثائقي، ونحو 79 ألف ملف صوتي ومصور، وأكثر من 10 آلاف ملف يتضمن أفلاما مصورة”.
أما ما يمكن اعتبارها وثائق بالفعل، ويمكن أن تشكل مادة حول الرجل ومواقفه فتبدو قليلة وسط هذا الركام، مع العلم أن الأهم بين ما عثر عليه في المنزل الذي قتل فيه الرجل، هو ما نشر سابقا، وتمثل في وثائق حقيقية من بينها رسائل له، وللمجموعة التي تحيط به، أو يتواصل مها، ولذلك كانت تلك غنية بالمواقف والتحولات في حياة الرجل خلال أعوامه الأخيرة.
هذه الدفعة تختلف، فالغالبية الساحقة منها ليست ذات قيمة في واقع الحال، ويبقى القليل الذي يمكن الاستفادة منه، لكنه في المقابل لم يتضمن أي جديد حول الرجل ومواقفه وتحولاته، مع أن كل طرف سيأخذ منها ما يناسبه، وقد حدث ذلك بالفعل عبر التغطيات الصحفية التي تابعناها خلال الأيام الماضية.
ففي حين احتفت بعض وسائل الإعلام العربية المناهضة لإيران بالوثائق التي تعكس العلاقة بين القاعدة وإيران، ردت طهران بعصبية (عبر جواد ظريف) رافضة ذلك جملا وتفصيلا، مع العلم أن الأخير لا يعرف شيئا على الأرجح حول طبيعة العلاقة التي كانت تمر بدوائر استخبارية، مع معرفة بالأمر في دوائر المحافظين المهمة.
وفيما يبدو أن ما يتعلق بصلة القاعدة بإيران هو الأهم بين الوثائق الجديدة، فإن نظيرتها التي نشرت سابقا كانت أكثر أهمية لمن يحبون إثبات العلاقة، أما هذه الدفعة الجديدة فتقول شيئا آخر، إذ تعكس مرحلة الاشتباك بين الطرفين، بخاصة بعد أن حسمت (قاعدة العراق) التي ستغدو لاحقا “الدولة الإسلامية”، أو “داعش” كما يسميها البعض طبيعة العلاقة بين الطرفين من التفاهم أو “الهدنة” إلى العداء، وصولا إلى قيام التنظيم باختطاف دبلوماسي إيراني في العراق من أجل تحرير معتقلي القاعدة في إيران، وهو ما تم فعلا. أما الحديث عن عرض إيران للقاعدة بالتدريب في مواقع حزب الله مقابل استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، فيبدو صحيحا، كما اعترف المقدسي في أحد تسجيلاته، ويبدو أن الأمر كان محدودا، لأن العرض الإيراني كان يتعلق بضرب المصالح الأمريكية في السعودية والخليج، الأمر الذي توقف بأمر ابن لادن؛ بخاصة في السعودية.
والخلاصة أن الوثائق الماضية مع الحالية تكشف الطبيعة الحقيقية للعلاقة بين الطرفين، منذ لحظة اضطرار عدد من رموز القاعدة وعناصرها (بما في ذلك بعض أفراد أسرة ابن لادن) لدخول إيران، والبقاء فيها (ما بين الضيافة والإقامة الجبرية)، وصولا إلى العداء الكامل بعد حسم الأمر من قبل فرع التنظيم (العراقي) الذي أصبح أهم فرع من الناحية العملية. والمثير للسخرية هنا أن الأخير الذي فرض حالة العداء الكامل مع إيران، يُتهم من قبل البعض بأنه صناعة إيرانية!!
من جانب آخر، هناك في هذه الدفعة من الوثائق محاولة لتشويه صورة أسامة ابن لادن (قصة الأفلام الإباحية مثلا)، ربما تكون ذات صلة بحقيقة أن الوثائق السابقة منحته صورة ثائر مبدأي، لكن الأهم في الأمر أنها لا تضيف أي جديد لما نعرفه حول الرجل وتحولاته من البداية في أفغانستان، ومن ثم العمل السلمي (هيئة النصيحة والإصلاح)، ومرورا بـ”الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين”، وحتى النهاية بتأييد الربيع العربي، واعتباره “تحولا تاريخيا”.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/08 الساعة 00:07