عن استقالة الحريري.. وحريق الإقليم

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/06 الساعة 00:04
حين يتبجح روحاني بأن لا شيء يُبرَم في لبنان دون “أخذ رأي إيران في الاعتبار”، ويكرر ذلك ولايتي وسواه، فلن يكون مستغربا أن يستقيل سعد الحريري، سواءً أُعلنت الاستقالة من الداخل أو الخارج. من يتحدثون عن إخراج الاستقالة على النحو الذي تابعناه محقون، وكان الأولى أن تتم بالتشاور مع الحلفاء في الداخل، وأن تكون من بيروت، مع أن آخرين سيردون بأن الخوف من الاغتيال ربما كان سببا في ذلك. هل للموقف الأمريكي من إيران دور في دفع الرياض للحريري نحو الاستقالة؟ ربما. أما الحديث عن أنها (أي الاستقالة) توطئة لحرب إسرائيلية على حزب الله، فينطوي على قدر من المبالغة، لأن قرار الصهاينة بالحرب إذا كان موجودا لن يتأثر كثيرا بوجوده في الحكومة أو سواه. لا خلاف على أن إدارة المعركة ضد الجنون الإيراني تعاني الكثير من التخبط، كنتاج لخلل الأولويات والثقة الزائدة بأمريكا (ترامب)، مع أن الأخير لا يبدو أنه هو من يدير السياسة الخارجية، فضلا عن أن أي ابتزاز أمريكي لإيران هو لصالح الصهاينة وليس لصالح العرب، بدليل مواقف واشنطن في سوريا والعراق واليمن. ومن أراد أن يدير معركة من هذا النوع، فعليه حشد الأمة من ورائه، وليس الاعتماد على مواقف غير مضمونة، وبعضها يجعل حياة من يرفضون العدوان الإيراني، وقبله العدوان الصهيوني الأمريكي، صعبة إلى حد كبير، وتمنح الدعاية الإيرانية الكثير من الأوراق التي تلعب بها، رغم أن جميع العقلاء يعرفون أن مشروعها مذهبي لا صلة له بفلسطين ولا بتحريرها. المصيبة أن وصول الابتزاز الأمريكي لإيران إلى مبتغاه سيمثل كارثة أكبر على الوضع العربي؛ لأنه يخدم المشروع الصهيوني، من دون أن يخدم أهداف من أرادوا تحجيم المشروع الإيراني الذي بات ينظر إلى الجاليات الشيعية في العالم العربي بوصفها جاليات إيرانية، بل أدوات للنفوذ والهيمنة. لعل سوريا هي كلمة السر في المشهد أكثر من غيرها، وإذا نجح الروس في تسوية هناك ترضي تل أبيب وطهران في آن، وهم حريصون على ذلك كل الحرص، فلا يبقى عمليا سوى برنامج الصواريخ، وهذا يمكن تجاوزه إذا ما عقدت صفقات من تحت الطاولة، وتغيرت المواقف الإقليمية. كل ذلك ليس مؤكدا بالطبع، لكن استقالة الحريري تؤكد جملة أمور؛ أولها أن مواجهة المشروع الإيراني هي مواجهة شاملة، وسيكون من الصعب التوصل إلى تسوية لملف دون آخر، ولا بد من صفقة إقليمية شاملة. أما الثاني، فهو أنه من دون تماسك أفضل للوضع العربي، وترتيب أفضل للأولويات، وتفاهم معقول مع تركيا، فسيكون دفع إيران نحو تسوية متوازنة صعبا. أما الأهم من ذلك كله، فقد أثبتت الاستقالة، ومن الرياض أن معركة الإقليم لن تضع أوزارها قريبا، وأن إيران تبيع الوهم على أتباعها إذ تتحدث عن انتصار، وكل ما هنالك أن النزيف سيطول أكثر فأكثر، وسيصيب كل شعوب المنطقة، وهذا حال الصراعات ذات البعد الطائفي التي تكون طويلة ومدمّرة. بقدر معقول من تماسك الوضع العربي، وترتيب أولوياته على نحو أفضل، وتفاهم معقول مع تركيا، يمكن توفير أجواء الصفقة الإقليمية المتوازنة، ومن دون ذلك سيواصل خامنئي مطاردة أوهامه، وستطول المعركة وتزداد خسائر شعوب المنطقة، ولن يربح سوى الصهاينة، وإن كان ربحا مؤقتا أيضا. أما لبنان، فسيبقى على حاله المرتبك (كان كذلك قبل الاستقالة)، حتى تكون التسوية الإقليمية التي لا تمنح طرفا القدرة على مصادرة حقوق الأطراف الأخرى.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/06 الساعة 00:04