الذكاء الاصطناعي.. مجال يجعل الشركات الكبرى تدفع لك راتب رونالدو!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/02 الساعة 14:43

مدار الساعة - الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، ليس بالنسبة لروسيا فقط، ولكن للعالم كلّه. هذا المجال يوفّر فرصًا ثمينة، ولكنه يأتي أيضًا بتهديدات صعبة التنبّؤ. من يسيطر على هذا المجال سيسيطر على العالم. *الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

العالم يتّجه إلى ثورة علميّة ستغيّر وجهه إلى الأبد بفضل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أو «Artificial Intelligence» التي يعتبرها العلماء بمثابة كهرباء العصر الحديث. الذكاء الاصطناعي هو تخصص في علوم الحاسب يهدف إلى تطوير آلات ذكيّة تطوّر من نفسها بشكل ذاتي ومستمرّ، ولها خصائص الذكاء البشريّ، كالتعلّم والفهم والتواصل وغيرها من الوظائف الذكيّة.

عندما يُذكر الذكاء الاصطناعي فإننا غالبًا نفكّر في أفلام الخيال العلمي والروبوتات التي تشبه البشر وتتكلّم بشكل آليّ كأفلام terminator أو IRobot، لكن الحقيقة هي أنّ الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته تحيط بنا في حياتنا اليوميّة أكثر مما نعتقد. هذا المجال الذي يتطوّر بسرعة رهيبة صار يُسيل لُعاب أغلب الشركات التقنية العالمية، مثل جوجل وفيسبوك وأوبر وبايدو وغيرها. بالإضافة إلى الحكومات وجيوشها: من جهة بسبب التطبيقات العسكرية الهائلة التي من الممكن أن يوفّرها الذكاء الاصطناعي، وبالتالي إعطاء تفوّق فريد للجيوش التي تستغلّ هذه التكنولوجيا، يمكنك أن تعتبر الذكاء الاصطناعي هو القنبلة النووية في هذا العصر من ناحية التفوّق العسكري الذي قد يضيفه للدّول الرائدة في تطويره.


روبوت wild cat المطّور من طرف boston dynamics التابعة لجوجل. مصدر الصورة: bostondynamics.com
ومن جهة أخرى، فإن الحكومات بدأت تأخذ على محمل الجدّ تخوّفات العلماء من هذا المجال الخطير الذي من الممكن أن تكون له آثار كارثية على الجنس البشري؛ فقد أقام كلّ من الكونجرس الأمريكي والبرلمان البريطاني جلسات استماع استدعوا فيها خبراء وعلماء في مجال الذكاء الاصطناعي؛ من أجل سؤالهم حول التهديدات المحتملة لهذا المجال على الأمن القومي لبلدانهم، وكيف يمكن استغلال هذه التكنولوجيا مع تفادي تهديدها الوجودي للجنس البشري، كما سنرى لاحقًا في باقي التقرير.

رواتب فلكيّة تغازل بها الشركات الكبرى الأكاديميين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي من أجل إقناعهم بالالتحاق بمختبراتها وترك المقاعد الجامعيّة، حيث تحدّثت تقارير عن رواتب سنويّة تصل إلى 500 ألف دولار حسب سنوات الخبرة والمهارة، دون الحديث عن حِصص الأسهم، وباقي التحفيزات؛ مما يجعل هذا التخصص أحد أعلى التخصصات دفعًا للرواتب في المجال التقني، وقد اشتكى الكثير من الأساتذة من أن الطلبة المتفوقين يتمّ التوقيع معهم من قبل الشركات التقنية، حتّى قبل إنهاء دراستهم الأكاديمية.

الذكاء الاصطناعي أمامك أينما نظرت

قد يظنّ الكثيرون أن الذكاء الاصطناعي هو مجال واعد حتمًا، لكن ليس اليوم أو غدًا، بل في المستقبل بكل تأكيد، أي أننا لن نرى نتائجه وتطبيقاته قبل عشرات السنين على الأقل، والواقع هو أن التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تحيط بنا في كل حين، فنستخدمها في حياتنا اليومية دون أن ندرك هذا، فإذا كنت تمتلك هاتف آيفون مثلًا، فينبغي أن تعلم أن برنامج Siri الشهير يفهم أوامرك الصوتيّة، ويؤدّيها بفضل الذكاء الاصطناعي، الأفلام والموسيقى التي يتم اقتراحها لك من طرف تطبيقات spotify وPandora تتمّ من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي. السيارات ذاتية القيادة أيضًا تستخدم هذه التقنية لمعرفة الطرقات الصحيحة، وتجنّب الزحام، وقراءة إشارات المرور بشكل صحيح، وتفادي الحوادث والاصطدامات والتحكّم في السرعة.

كل هذه الأمثلة تبقى تقنيّة بحتة تستخدمها شركات وادي السيليكون، لكن ماذا عن استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجالات الإنسانية والأدبية؟ هل من الممكن أن تكتُب الآلة شِعرًا؟ وما مدى جودته؟ الإجابة أن الشعر الذي كتبه ذكاء الحاسوب قد نُشِر في إحدى المجلّات التابعة لجامعة «Duke» إحدى أرقى الجامعات في أمريكا؛ مما يعدّ مؤشّرًا على أن جميع المجالات ستكون مستقبلًا تحت تهديد المنافسة مع الآلات، كما يطرح التساؤل المخيف إن كانت منافسة الآلة على جائزة نوبل للأدب على بعد سنوات معدودة.

لكن حتى تستوعب قدرات الذكاء الاصطناعي المرعبة وإمكانياته المخيفة عليك بمشاهدة هذا الفيديو للرئيس الأمريكي السابق أوباما:

 الحقيقة هي أن من شاهدته ليس أوباما، وإنما نسخة منه طوّرها باحثون في جامعة واشنطن باستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال دراسة الحاسوب لفيديوهات أوباما السابقة واستخلاصه لتعابير وجهه وتغيّراتها حسب نبرة الصوت، فاستطاع الحاسوب أن يُعيد إنتاج هذه التعابير حسب المادّة الصوتيّة التي يُدخلها المُستخدم. يستطيع الباحثون إذًا جعل هذه النسخة الشبيهة بأوباما تقرأ أشعار المتنبّي أو تغنّي لفيروز، لكن الأخطر من كلّ هذا: من الممكن أن تجعله يُدلي بتصريحات مضرّة لم ينطق بها في حياته، وقد يصدّقها الكثيرون إذا خرجت قريبة من الحقيقة، كالمقطع الذي شاهدناه أعلاه.

الذكاء الاصطناعي اليوم يستخدم في المجال البنكي لكشف الاحتيال الماليّ الذي انتشر مع ثورة التجارة الإلكترونية، وبالتالي تظهر حاجة ملحّة لوجود حلول آليّة بدل الحلول البشرية التي تتسم بالمحدوديّة والقصور. أيضًا استفاد القطاع المصرفي من تكنولوجيا الـChatBots التي تسهّل عمليّة التواصل بين الآلات والبشر بلغتهم الطبيعية (كالعربية والإنجليزية وغيرها)، بدلًا عن لغات البرمجة المعقّدة كما كان سابقًا، هذا بالإضافة إلى مساعدة الذكاء الاصطناعي للبشر في مجالات تداول الأسهم بفضل سرعة الحواسيب الكبيرة في التعامل مع الأرقام.

المجال الطبيّ هو الآخر معنيّ بهذه الثورة التي قد تغيّره إلى الأبد، فبعد إصابة إحدى الباحثات في معهد MIT بسرطان الثدي، خرجت باستنتاج عميق، وهو أن الكثير من التكنولوجيا المتطوّرة يتم استخدامها لأغراض تجاريّة، بدلًا عن أغراض تفيد البشر فعلًا: «بعد إصابتي بالسرطان، اكتشفت أننا نملك تكنولوجيا أكثر تطوّرًا لإيجاد الحذاء المناسب لك على موقع Amazon للتسوّق، أكثر من التكنولوجيا التي تساعد الإنسان فعلًا». منذ ذلك الحين قرّرت الباحثة توجيه خبراتها في مجال الذكاء الاصطناعي نحو المجال الصحيّ.

روبوت من صنع مهندسين فرنسيين لمساعدة جرّاحي الدماغ.

استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبيّ – بالرغم من أنها في بداياتها – واعدة للغاية، فبفضل الآلات الإلكترونية التي ترافقنا يوميًّا كالهواتف والساعات الذكية وغيرها، فقد سمح هذا للعلماء بجمع الكثير من البيانات عن الجسم البشري كالسعرات الحرارية التي يستهلكها وسرعة حرقه للدهون وضغط الدم ودقّات القلب وغيرها من المعلومات التي يجمعها ويدرسها الحاسوب من ملايين البشر ليخرج بنتائج قد تساعد العلماء في إيجاد علاج لأمراض مستعصية كثيرة كما يؤكد علماء؛ مما قد يغيّر المجال الطبيّ إلى الأبد.

الجامعات تشتكي: إنهم يسرقون مواهبنا بأموالهم!

شركات وادي السيليكون تشنّ غزوات عنيفة على الجامعات بحثًا على المواهب الأكاديمية الفريدة في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل استقدامها للعمل في مختبراتها مقابل رواتب خيالية.

وقد ذكر تقرير لمجلة Economist أن الجامعات تشتكي من اختطاف أساتذتها وطلّابها الموهوبين في هذا المجال من قبل الشركات التقنية العملاقة للعمل في مختبراتها، حيث استثمرت كل من جوجل وفيسبوك وميكروسوفت وبايدو ما مجموعه 8,5 مليار دولار في هذا المجال السنة الماضية فقط.

وتتسابق هذه الشركات على المواهب الجامعيّة لإلحاقها بمختبراتها بتقديمها عروضًا ماليّة خياليّة لا تستطيع الجامعات بإمكانياتها المحدودة منافستها؛ مما جعل الكثير من الأكاديميين يتخوّفون من خلوّ الجامعات من المواهب بالنسبة للطلبة والأساتذة على حدٍّ سواء؛ بسبب «الحجّ المقدّس» إلى الشركات العملاقة التي تعطيهم فرصة أكبر لتحقيق مشاريعهم، بالإضافة إلى الأمان الوظيفي والماليّ.

شركة أوبر المتخصصة في قطاع النقل دخلت على خطّ المنافسة على المواهب الأكاديمية، لكن وسائلها في خطف المواهب كانت محلّ انتقاد البعض، فقد خطفت الشركة 40 خبيرًا جامعيّا من أصل 140 يعملون في أحد مراكز الأبحاث الجامعية التابعة لجامعة Carnegie Mellon الأمريكية، مُخلِفة وعدها السابق الذي قطعته الشركة بدعم أبحاث هذا المركز دعمًا ماليًّا مع بقاء الباحثين في مناصبهم الأكاديمية، إلا أن شدّة المنافسة جعلت الشركة تغيّر خطّتها وتستفرد بهؤلاء الباحثين لنفسها ولمشاريعها الخاصة.

في 2014 خطفت شركة جوجل الأنظار باستحواذها على شركة «DeepMind» المختصّة في مجال الذكاء الاصطناعي بصفقة خياليّة قدّرت بـ400 مليون دولار، حيث عدّ هذا الاستثمار وقتها أكبر صفقة شراء لشركة متخصصة في هذا المجال المتنامي بسرعة. جوجل اهتمّت بتطوير هذا المشروع بعد الاستحواذ عليه بحيث استطاع أحد حواسيبه التغلّب لأول مرّة على بطل العالم في لعبة Go شديدة التعقيد. وقد كانت «DeepMind» قبل شرائها من غوغل تابعة لجامعة University college London الإنجليزية.

ولحدّ الآن قامت جوجل عن طريق الشركة الأم «ألفابيت» بالاستحواذ على 20 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي من أجل ضمّ خبرائها والاستفادة من التكنولوجيات وبراءات الاختراع التي سجّلتها هذه الشركات.

فيسبوك من جهته تفطّن للتفوّق الذي يستطيع الذكاء الاصطناعي تزويده به، حيث أنشأ مركزًا للأبحاث متخصّصا في تطوير هذا المجال ونصّب الأكاديمي Yann Lecun الأستاذ في جامعة نيويورك مديرًا له.

من جهته لم يبقَ العملاق الصيني «بايدو» متفرّجًا، بينما تتخاطف شركات وادي السيليكون على المواهب الجامعية لتطوير مشاريع الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، فقد دخل على خطّ المنافسة، واستقدم الأستاذ في جامعة ستانفورد الأمريكية وأحد أكبر المتخصصين في هذا المجال Andrew Ng صاحب الدورة التعليمية الشهيرة على الإنترنت الخاصة بتعليم الآلة (machine learning).

لماذا يغادر الأكاديميون الجامعات ويلتحقون بسوق العمل؟ الإجابة القصيرة هي: المال. لكنها ليست الإجابة الكاملة، فحسب Andrew ng فإن هذه الشركات العملاقة تسمح للخبراء بتجسيد مشاريعهم البحثية على أرض الواقع ونزولها إلى السوق، وبالتالي انتشارها في نطاق أوسع من المجال الأكاديمي الذي يبقى حبيس الجامعات، وذلك بتوفيرها لشرطين أساسيين لنجاح أيّ مشروع متقدّم في مجال الذكاء الاصطناعي: حواسيب قويّة (super Computers) وبيانات ضخمة (big data).

ويحذّر خبراء من مخاطر هذه الغزوات العنيفة التي تشنّها الشركات على الجامعات لاستقدامها المواهب الشابة في هذا المجال، فقد يؤدّي تركّز كل هذه القوة الهائلة التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي في أيدي فئة قليلة إلى خطر حقيقي.

ولتفادي ذلك أعلن «إيلون موسك» المخترع ورجل الأعمال صاحب الشركات الكبرى SpaceX و tesla عن تأسيس مشروع openAI ، وهو مركز أبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل مفتوح يتيح وصول المعلومات والتكنولوجيات في هذا المجال لأكبر عدد من الباحثين والأكاديميين، كما أعلن استثماره 1 مليار دولار في هذا المشروع حتى يكسر احتكار الشركات الكبرى لهذه التكنولوجيا شديدة القوّة والخطورة.

تعلّم هذا المجال من هنا

تخصّص الذكاء الاصطناعي واسع بشكل كبير ومجالات تطبيقاته لا حصر لها فما هي أفضل المصادر للبدء في تعلّم الذكاء الاصطناعي؟

باللغة العربية لدينا دورة تعليمية إلكترونية قدّمها أستاذ علوم الحاسب في جامعة الملك فهد بالسعودية د. أشرف فقيه بعنوان «كيف تفكّر الآلات» تصلح كمقدّمة وتعريف نظريّ عام للمبتدئين في هذا المجال.

أمّا بالإنجليزية، فالمصادر كثيرة ومتنوّعة المستويات، حيث يوصي مؤسّس ميكروسوفت بيل جيتس بقراءة كتابين للمهتميّن بهذا المجال، الأوّل هو «SuperIntelligence» لمؤلّفه Nick Bostrom، والثاني هو «The Master Algorithm» لمؤلفه Pedro Domingo.

ومن بين الدورات الإلكترونية الشهيرة في هذا المجال دورة Machine learning على موقع كورسيرا، للباحث في جوجل وبايدو، Andrew ng، وقد أعلن آندرو مؤخّرًا عن دورة جديدة في نفس الموقع للمهتمّين. نجد في المواقع التعليمية على الإنترنت مصادر كثيرة لتعلّم هذا المجال، هنالك دورات في موقع Edx وUdacity كما تستطيع الاستماع إلى محاضرات عن هذا المجال من أفضل الجامعات في العالم، كمحاضرات معهد MIT ، أو جامعة Carnegie Mellon.

 

مدار الساعة ـ نشر في 2017/11/02 الساعة 14:43